ندوة حوارية..منظومة الائتلاف ما لها وما عليها بكل تجرد وموضوعية!..د.غليون: فلا أحد يقبل أن يتعامل جدياً مع رجال يتصرفون كالأطفال (ج1-8)







أعد الندوة غياث كنعو 

       في ضوء حالة الإنسداد في الأفُق الذي تعاني منه ثورتنا وهي تقترب من إكمال عامها الحادي عشر، من دون حل ولا مخرج..بحيث وصل الثوار فيها لمرحلة باتوا يبحثون عن بصيص ضوء في نهاية هذا النفق المعتم، الذي أدخل ثورة شعبنا أولئك المتسيديون في الهياكل المحسوبة على أنها ممثلة لثورتهم، وهو الأمر الذي دفعنا لطرح هذه المعضلة الخلافية والاشكالية بخصوص الجدوى والمنفعة من وجود هذه الهياكل، ونعني بذلك ائتلاف قوى الثورة والمعارضة، الذي كان “أمراً دُبر بليل”…بإملاءت خارجية، التي بتنا الآن “نحصد” نتائجها.
 وكذلك الهيكليات الأخرى المسايرة له، مدركين بعمق لحساسية هذه المسألة جداً، في هذا الوقت الشائك بالذات بكل حيثياته وتعقيداته وتشابكاته، وفي وقت ترتفع فيه أصوات الثوار مطاليبن شخوص الائتلاف..هاتوا ما عندكم إن كنتم صادقين، مع قناعتهم المطلقة أنه لا حياة لمن تنادي في هذه الهياكل التي أثبت شخوصها أنه لا جدوى ولا فائدة ترجى من استمرار وجودهم فيها، في وقت باتت الحاجة فيه ملحة إلى تفكيك المؤسسات المدنية المترهلة وإعادة بنائها وهيكلتها قبل العسكرية.
    إننا لا نهدف إلى النيل من أي شخص كائناً من يكون ولا أي طرف بعينه، بل غايتنا تنطلق من حس المسؤولية الوطنية والثورية، ولا سيما حيال الاستعصاء الحاصل، وحالة الكمون التي تمر بها مسيرة الثورة، في ظل حراك ” لم ينجب أطفالاً”!
     وتأسيساً على ما تقدم كان لابد من التوجه إلى عدد من الشخصيات الوطنية الثورية النخبوية السياسية والقانونية ورجال الدولة، للمشاركة في الندوة الحوارية وتلقي الإجابات والرؤى والتصورات والحلول الممكنة، من خلال أسئلة طرحها موقع “سوريتنا” بكل تجرد وموضوعية لبحث آفاق الحل في هذا المنحى المشكلي، وهي :

 * تبدي الغالبية عدم رضى ورفض مطلق لأداء هذا “الهيكل المريض بلا روح” حسبما ما يقال عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، فما الحل لإنهاء هذه الحالة المرضية التي يُجمع على تشخيصها رهط كبير من الثوار والمعارضين..؟.

 * ما السبيل لإنهاء الحالة المستعصية هذه إن لم نقل إنسداد الأفق، الذي تعيشه الثورة السورية؟ هل يتم ذلك من خلال إصلاح الائتلاف “المؤسسة المعطوبة” وفق تعبير أحد السياسيين، أم بتشكيل كيان بديل جامع لكل ألوان الطيف السوري المعارض..؟.

* كيف تقيمون لعبة تغيير الطرابيش داخل الائتلاف والهيكليات المسايرة له ( هيئة التفاوض-الدستورية  الحكومة المؤقتة..) ؟.

* كيف تحل معضلة أمساك وتمسك الشخصيات المتسيدة في الائتلاف بمناصبها، والتي تعيق مبدأ تداولية المسؤولية؟.
* كيف يمكن تجديد الاعتراف الدولي بالائتلاف وتفعيله من وجهة نظركم..؟ وما هي القيمة المعيارية والفعلية لهذا الاعتراف…؟.
* هناك من يرى أن الحل لن يبصر النور سوى برحيل هذا الائتلاف بكامل شخوصه، فهل تتفق مع هذا الرأي أم أن لك وجهة نظر مختلفة؟.
* هل لديك ما تضيفه على إجوبتك عن الأسئلة آنفة الذكر…؟.

أجوبة الدكتور برهان غليون* مشكوراً 

                                                                                              د.برهان غليون

**  ببساطة وصدق لا أعتقد أن هناك إمكانية لإصلاح الائتلاف، لا ينبغي النظر إلى هذه المؤسسة من خلال أعضائها فقط، فقد يكون الكثير من هؤلاء صالحين، لكن المنظومة هي الفاسدة، بمعنى اللوائح والقوانين التي قام ويقوم عليها وجود الائتلاف، وأساليب عمله، وعلاقات الأعضاء فيما بينهم وانتماءاتهم وتوازناتهم، وكذلك علاقة المنظومة وكل أعضائها بالقوى الخارجية السورية وغير السورية، والوظائف التي يكلف الائتلاف نفسه بها أو يعتقد أنها رسالته، وعلاقاته الخارجية والدور الذي ترك له أن يلعبه من القوى الفاعلة في القضية السورية، هذه المنظومة بنمط تنظيمها وقواعد عملها وعلاقاتها الداخلية والخارجية، التي تحدد أيضاً حقل نشاطها، وما يمكن أن ترسمه لنفسها من أهداف وما تأمل بتحقيقه من مهام، والاعتبار الذي تعطيه هي نفسها لموقعها ومكانتها في الصراع الدائر حول سورية، وما يحدد حقيقة أجندتها العملية هي التي تحكم عليها وعلى العاملين فيها بانعدام الفاعلية وضعف الصدقية، بالمختصر بالهامشية، سواء كان ذلك على مستوى تنظيم من تدعي تمثيلهم من الشعب السوري أو في التفاعل مع القوى الدولية المشاركة في الصراع.
**  لا أعتقد أن “الحالة المستعصية” هو الوصف المناسب لوضع القضية السورية اليوم. في نظري ما نعيشه الى اليوم هو متابعة الحرب التي أعلنها الأسد وحلفائه منذ بداية الثورة السورية على الشعب، لكن بوسائل متعددة اخرى، اقتصادية واجتماعية وأمنية وسياسية ونفسية وثقافية، من دون التخلي تماما عن الوسائل العسكرية.

وكما انني لا أرى إمكانية ولا أية شروط سياسية داخلية وخارجية لإصلاح الائتلاف، لا توجد بعد في نظري عناصر لإعادة بناء تنظيمات معارضة فعالة. ليس هناك أمل اليوم في تغيير الوضع إلا بحراك شعبي يستفيد من الانتشار الواسع للسوريين في الداخل والعالم. وهذا يحتاج لتنشيط العمل على الأرض وبروز طلائع شبابية في أكثر من مكان وموقع.
**  الشعرة التي قصمت ظهر البعير وقضت على أي احترام لمنظمات المعارضة ودفعت الجمهور السوري والرأي العام العالمي إلى اسقاطه سياسيا حتى لو بقي جسدا بلا روح، فلا أحد يقبل أن يتعامل جديا مع رجال يتصرفون كالأطفال الذين لا يفكرون إلا بارضاء غرائزهم ولا يدركون مغزى أفعالهم.

**  لا أعتقد ان لهذه المسالة حل إلا أن تدرك هذه الشخصيات مسؤولياتها، لكن في الوقت نفسه لا أرى أن هذا التداول يستحق الجهد الذي يبذل في سبيله. من الافضل للسوريين ان ينسوا وجوده.
** 
لا أعتقد أن ذلك ممكنا. فقد كانت هناك فرصة واقعية لإنتزاع أعتراف الدول وحكومات العالم بالمعارضة السورية في السنة الأولى للثورة، عندما كان السوريون يواجهون الرصاص بصدورهم، ويسقط النشطاء بالعشرات كل يوم. في تلك الحقبة أظهرنا، واعني النشطاء والمعارضين، من الانقسام والتناحر ما أفقدنا الاعتبار في عيون الدول وحكومات العالم، وما جعلهم يستهينون بنا ويشكون في إخلاصنا، بل يتدخلون لدينا لاصلاح احوالنا. فالفرص التي يقدمها لك التاريخ محدودة واذا لم تقتنصها في وقتها ضاعت عليك، الآن لم تعد قضيتنا تعني شيئا كبيراً على المستوى السياسي للدول، ولا حاجة لديهم لمعارضة مستقلة، قوية ومؤثرة. إن لم يكن العكس هو الصحيح.
**  لا اتفق بالتاكيد لان الحل لم يعد، كما كان في بداية الثورة، رهن بوجود البديل السياسي القوي الذي يشجع بعض الدول لدعمنا. لقد صار في مكان آخر بعيد عن السوريين وخارج إرادتهم سواء كانوا في الحكم أو المعارضة .
**  أريد أن اقول وهذه هي الخلاصة أن المشكلة ليست في الائتلاف وانما في المعارضة من حيث هي قوى سياسية واجتماعية ساعية إلى التغيير، والائتلاف بشكله الحالي وضعفه وتهافت صدقيته ليس سوى التجسيد الفعلي لضعف وتهافت هذه القوى، أي لعجزها عن التفاهم والاتحاد والتعاون ووضع خطط واضحة للتقدم نحو تحقيق أهدافها. وعندما يخبط الائتلاف خبط عشواء فهو يعكس خبط المعارضة وتخبطها في تنظيم صفوفها وتحديد طريقها وتنسيق خطواتها ومناقشة خططها بعقلانية ومراجعتها.

وإذا كان الائتلاف باقيا إلى اليوم، رغم كل ما وجه ويوجه له من انتقادات منذ عشر سنوات متواصلة، فلان له وظيفة، وهذه الوظيفة في نظري هي ورقة التوت التي تغطي على عورتين في الوقت نفسه: عورة المعارضة العاجزة عن تجاوز فشلها المؤلم وتاهيل نفسها في أدنى صورة ممكنة، وعورة السياسة الدولية، وبشكل خاص سياسة الدول التي وضعت نفسها في موقف الداعم للثورة السورية واحجمت في الوقت نفسه عن تقديم ما يلزم لمساعدتها على تحقيق الحد الأدنى من أهدافها. فهو، أقصد الائتلاف، الأبن الشرعي لانعدام الشعور بالمسؤولية عند من تصدى للمعارضة من جهة، وخيانة المواثيق والوعود السياسية والأخلاقية من قبل الحكومات “الصديقة” التي لم تف بالتزاماتها إلى درجة قبلت فيها أن تمرر للأسد وحلفائه  جرائم ضد الإنسانية بإستخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين، من جهة أخرى، من دون أي رد أو محاسبة حتى يومنا الحاضر، هكذا يساهم الائتلاف الراهن في التغطية على عارين لانزال ولا يزال “حلفاؤنا” من العرب والأجانب غير مستعدين لتحمل فضيحتهما.                                                         


*أكاديمي سوري، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون في باريس، أول رئيس للمجلس الوطني السوري المعارض، من مؤلفاته: “بيان من أجل الديمقراطية” و”اغتيال العقل” و”مجتمع النخبة”.


ملاحظة : كي لا نكرر الأسئلة مع كل إجابة، فضلنا إيرادها في بداية الحوار مع التنويه إليها بوضع (*) للسؤال ونجمتين (**) لجواب الضيف الكريم .
 

شاهد أيضاً

عالم إسباني يكشُف لماذا كان الزلزال في تركيا وسورية “مدمرًا” إلى هذا الحدّ

قال خوردي دياز عالم الزلازل في معهد برشلونة لعلوم الأرض التابع للمجلس الأعلى للبحث العلمي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *