(230620) -- BERLIN, June 20, 2023 (Xinhua) -- Visiting Chinese Premier Li Qiang, German Chancellor Olaf Scholz and persons attending the seventh China-Germany inter-governmental consultation pose for a group photo in Berlin, Germany, June 20, 2023. The seventh China-Germany inter-governmental consultation was co-chaired by Li and Scholz in Berlin on Tuesday. Li and Scholz held talks before the consultation. (Xinhua/Huang Jingwen)

التجسس الصيني على الاقتصاد الألماني


كتب د. جمال قارصلي*

إلى جانب الحروب التقليدية المشتعلة في الكثير من أنحاء العالم، ومثال على ذلك الغزو الروسي لأوكرانيا، يوجد كذلك حروب غير مرئية ومعارك ضارية تدور رحاها على “الظفر” بالمعلومات التي تشكل اللبنة الأساسية في أية فكرة أو رسم مخطط أو مشروع، في هذه الحروب, والتي يُطلق عليها اسم “الحرب السيبرانية” تشارك فيها أغلبية دول العالم بشكلٍ أو بآخر.
من المعروف أن المعلومة الصحيحة يمكنها أن تحميك من المفاجأت والمباغتات، وهي وسيلة لتفوقك على من ينافسك، كذلك وسائل الإعلام ليست بريئة من الحرب المعلوماتية، حيث تتنافس فيما بينها على المعلومة الجديدة والتي هي مهمة من أجل تحقيق ما يسمى ب”السبق الصحفي”.

أما وسائل التواصل الإجتماعي فهي جزء هام من هذه الحرب، ومهمتها تكمن في جمع المعلومات الشخصية والعامة حول كل من يقع في شِبَاكها، من أجل تسويقها إلى شركات ومؤسسات خاصة أو حكومية, لأغراض اقتصادية أو سياسية أو عسكرية.
إذاً يعد التجسس الإقتصادي من أهم وأخطر أنواع التجسس، ولهذا يوجد حرص شديد على عدم الإفشاء بالمعلومات الاقتصادية والتي من المحتمل أن يكون لها تبعات سياسية وربما عسكرية في بعض الأحيان.
ما لفت نظري في عام 1998، عندما زرت معهداً للدراسات الإقتصادية في انكلترا, كعضوٍ في وفد برلماني ألماني, طُلب من جميع أعضاء الوفد أن نُسلّم كميرات التصوير التي كانت بحوزتنا قبل الدخول إلى هذا المعهد، خوفا من أن نلتقط صورة ومن خلالها يتم الوصول إلى أسرار اقتصادية هامة، وبسبب الحرص الشديد على عدم التصوير لم يُسمح لنا حتى أن نأخذ صورة تذكارية في داخل المعهد ولو بآلات تصويرهم.

وقد انتهجت الصين منذ زمن بعيد ما يسمى ب”استراتيجية النفس الطويل” في تغلغلها في اقتصاد الكثير من دول العالم، وها هي قد استطاعت أن تستخدم قوتها الاقتصادية للوصول إلى أهداف سياسية وأن تتغلغل في القارة الإفريقية مستخدمة “التعاون” الاقتصادي كحصان طروادة للنفوذ إلى القرارات السياسية، لأنها تعلم بأن السياسية في نهاية المطاف هي في خدمة الاقتصاد وأن للاقتصادي نفوذ اً كبيراً على القرارات السياسية، ومن المعلوم بأن الكثير من السياسيين قد دخلوا عالم السياسة عن طريق الاقتصاد، وأفضل مثال على ذلك هو الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ورئيس وزراء إيطاليا الأسبق الراحل سيلفيو برلوسكوني، وكذلك رئيس وزراء لبنان الحالي, نجيب ميقاتي، والمرحوم رفيق الحريري، فلهذا تعتبر استراتيجية التحكم بالسياسة عن طريق الاقتصاد طريقة متعارف عليها، وتأثيرها يتجاوز القرارات السياسية ويصل إلى القرارات العسكرية والمصيرية للدولة.
وها هي الصين تحاول، وبنفس الطريقة، أن تتمكّن من اقتصاد وصناعة القارة الأوروبية, حيث بدأت ومنذ زمن بعيد بالتجسس على الاقتصاد الأوروبي وعلى صناعاته وخاصة على الصناعات الألمانية. حيث ترسل الطلاب والخبراء والباحثين الصينيين كضيوف متدربين وباحثين إلى الجامعات والشركات الألمانية للتجسس عليها ولنقل كل المعلومات عن الاختراعات الجديدة والعلوم والتقنيات في ألمانيا، ولهذا أصبحت السلطات الألمانية تشعر بالقلق من زيادة التجسس العلمي والصناعي من قِبَلْ السلطات الصينية، إضافة إلى ذلك فقد اشترت الصين معلومات ومؤسسات اقتصادية ألمانية حساسة.
وقد أشارت وزيرة الداخلية الألمانية, نانسي فايزر، إلى ما يشكله التجسس الصيني من خطر كبير على الأعمال والصناعة والعلوم الألمانية، وهناك هاجس كبير لدى السلطات الألمانية من ذلك ومنذ فترة طويلة، ففي عام 2020 قام عالم صيني, بتوجيه من السلطات الصينية، بالتجسس على شركة تكنولوجيا طبية في شمال ألمانيا، بهكذا طرق يتم السطو على الاكتشافات والعلوم الألمانية الجديدة من قبل الخبراء والعلماء الصينيين الضيوف.
كما أن رئيس مكتب أمن الدولة (حماية الدستور)، توماس هالدينفانغ، حذر من زيادة محاولات التجسس الصينية في ألمانيا، حيث كان التركيز في السابق على القطاع الصناعي ومن خلاله يتم التأثير على القطاع الاقتصادي الذي بدوره له تبعات سياسية كبيرة.
في الوثيقة الإستراتيجية الجديدة باتجاه الصين والتي أعلنت عنها الحكومة الألمانية بتاريخ 13/ 7 / 2023 حثت الحكومة من خلالها وبشكل واضح رجال الأعمال الألمان على البحث عن البدائل للسوق الصينية وتخفيف الإعتماد عليها، حيث وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى حوالي 300 مليار يورو سنوياً، وما تستورده ألمانيا من الصين يعادل ضعف ما تصدره إليها.

لم تَعُدْ الحكومة الألمانية تمنح الضمانات للشركات الألمانية التي تعمل في الصين، تخوفا من أن تحصل مفاجآت مع الصين كما حصل مع روسيا بعد غزوها لأوكرانيا ونسف كل ما تم التوصل إليه من تعاون اقتصادي بين ألمانيا وروسيا خلال القرون الثلاثة الماضية.
وقد أفصحت وزيرة الخارجية الألمانية, أنالينا بيربوك، لوسائل الإعلام في عرضها للاستراتيجية الجديدة باتجاه الصين، والتي جادت في 64 صفحة، بأن هذه الاستراتيجية ستكون بوصلة التعاون مع الصين في المستقبل.

وتتخوّف الحكومة الألمانية من اعتماد الاقتصاد الألماني على الاقتصاد الصيني بشكل كبير إلى أن يصل لحالة التبعية ومن ثم أن تتحول هذه التبعية إلى حالة لا يمكن التراجع أو الإستغناء عنها.
ما تقوم به الصين من محاولات التأثير على الاقتصاد الألماني وصولا إلى القرار السياسي ينطبق كذلك على كل دول الاتحاد الأوروبي وعلى الكثير من دول العالم, فعلى سبيل المثال هنالك تقارير تشير على أنه يوجد فقط في العاصمة البلجيكية بروكسل أكثر من 250 شخصاً يعملون لصالح المخابرات الصينية.
من الملاحظ بأن شراسة السياسة الصينية تزداد طرداً مع ازدياد قوتها الاقتصادية والعسكرية، وما تقوم به من إنتهاكات لحقوق الإنسان باتجاه مسلمي تركستان الشرقية ” الإيغور” ومعتقلاتها وطرق تعذيبها وتهجيرها للمسلمين يذكرنا بما قامت به النازية الألمانية ضد اليهود والغجر والنقابيين واليساريين ورجال الدين.

أما تمددها في مناطق كثيرة من العالم وتحرشها العسكري بجزيرة تايوان يزيد التوتر بينها وبين أميركا والذي ربما يصل في مرحلة من المراحل إلى التصادم العسكري.

إضافة إلى ما سبق فقد أصبح العالم الغربي متوجساً من الموقف الصيني باتجاه غزو روسيا لأوكرانيا ودعمها لهذا الغزو بشكل أو بآخر.
تعمل ألمانيا وكل دول الاتحاد الأوروبي على كسر الطوق الذي بنته الصين حول اقتصاداتها كما تبني العنكبوت شبكاً حول فريستها قبل أن تتغذى عليها, ولهذا فهي ستقلل من اعتمادها على البضائع الصينية من أجل الحفاظ على استقلاليتها والخلاص من الهيمنة الاقتصادية الصينية, وإن لم يُجدِ ذلك نفعاً, فإن الاتحاد الأوروبي على استعداد أن يعلن حربه الاقتصادية على الصين ولن ينتطر اليوم الذي تصل فيه تبعيته الاقتصادية للصين إلى نقطة اللاعودة.

*جمال قارصلي / نائب ألماني سابق

شاهد أيضاً

ما مصلحة السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *