لعنة الانقسام وأثرها في انسداد شرايين الثورة

المحامي عبد الله السلطان

محامي وكاتب سوري

حالة التفكك السورية إلى أين؟ متى نودع حالة الانقسام والتشظي التي طالت قوى وتيارات وتشكيلات الثورة السورية العسكرية السياسية والمدنية؟

لا شك أن البداية تكمن أساساً في الكيفية التي تبلور بها الفكر الثوري والسياسي وطبيعة تداعياته وانعكاساته على أرض الواقع وتحديداً منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011 وحتى هذه اللحظة.

بالتالي فإن صياغة إجابة ترصد أهم الأسباب الجوهرية لظاهرة الانقسام السياسي والثوري تحتاج إلى معرفة كيف ولماذا نما وانتشر الفكر الانقسامي، سواء على مستوى الهياكل أو على مستوى الأيديولوجيات.

كل التشيكلات الثورية والسياسية كانت متمسكة بشعار الثورة الأبرز المتمثل بإسقاط النظام جملة وتفصيلاً ومحاسبته ومحاكمته، وقدم الشعب السوري ثمناً باهظاً جداً لتحقيق أهداف الثورة أرواح ودماء ومعاقين وجرحى وتهجير ونزوح لم يسبق له مثيل في التاريخ.

إلا أن الموقف العربي والإقليمي والدولي بشكل عام كان محكوماً بالقرارات والتوجيهات والأوامر التي تصدر من أروقة البيت الأبيض وبعض مؤسساته حيث كانت توزع المهام بصلاحيات محددة لكل دولة للقيام بتنفيذها بدقة وحتى بعد صدور القرار الاممي 2254 المتضمن تحقيق الانتقال السياسي وبناء الدولة الديمقراطية دون أي إشارة لإسقاط ومحاكمة رأس النظام وعصابته.

و بالرغم من أن شيئاً من هذا لم يتحقق حتى الآن ولا حتى بنسبة واحد بالمئة، وبالرغم من أن بعض التيارات لا زالت تعمل بنفس البنية والآليات القديمة، وبتعبير آخر فإن الثقافة التي طغت على سلوك القيادات السياسية أو العسكرية التي ارتبطت ببعض الدول العربية أو الأجنبية واتبعت تعليماتها وتوجيهاتها وفقاً لمصالحها وسياستها خلال 12 عام من عمر الثورة ما زالت مستمرة وكان المخالف مصيره إما التهميش أو الإبعاد أو أحياناً التصفية.

وهذا يفيد بأن المبدأ الذي حكم فكر بعض القيادات الثورية والسياسية هو مبدأ الاستبداد والديكتاتورية،
لذلك تفشت ظاهرة الانقسامات والانشقاقات في جسم الثورة السورية وهذا يؤكد أن التدخل الخارجي خدم النظام أكثر من الثورة.

وإذا عدنا للأسباب الداخلية فنجدها مرتبطة بخصوصية السوريين ذاتهم إذ يشكل غياب الديمقراطية وتقبل الآخر أهم المعضلات داخل دهاليز العقلية السورية.

فالتشكيلات المتعددة المحدثة جاءت إما نتيجة توافقات شكلية أو كردة فعل متسرعة استندت إلى عوامل شتى فقد كانت المناطقية لها الدور الأبرز في التشكيل لذلك غالبية التشكيلات كانت مصابة بخلل عقائدي وتنظيمي عميق ومتجذر لا يسمح بالتعدد الفكري وحرية التعبير عن الرأي والمساهمة في صناعة القرار وتحول دون تكافؤ الفرص في الوصول إلى موقع القيادة وتسلم المسؤولية إن كانت توافقية أو انتخابية.

وعموماً يمكننا القول إن هناك أسباب داخلية أخرى عززت حالة الانقسام والتفكك، فتعدد المسؤولين عنه وتحديد نصيب كل واحد منهم وأدوارهم وأنانيتهم وتعنتهم كان السمة الأبرز في تعميق حالة الانقسام.

كما لعبت الخلافات الأيديولوجية وحتى الثقافية المرتبطة ببيئة كل منطقة وصراع الأجيال والنزاعات الشخصية والدور المحوري الذي لعبته بعض الدول وبعض الأحزاب القديمة كالإخوان المسلمين ومن يحمل فكرهم في تزكية هذه الانقسامات.

ولا شك بأن بعض أسباب الانقسام والتصدع يختلف من تيار إلى آخر ومن حالة إلى أخرى فمنها تبلور في اختلاف الآراء والرؤية والأهداف في جوهر القضايا المطروحة أو حتى في شكلها ومنها تمسك البعض بمرجعيته الدولية أو الثقافية أو الطائفية أو القومية أو القبلية، فضلاً عن أن ثقافة الانقسام متأصلة في المجتمع السوري أسوة بكل المجتمعات في غالبية دول العالم.

فغالبية المجتمع السوري مركب على أسس قومية وطائفية ومناطقية وقبلية وعشائرية وهذه الأسس انعكست على مسار الثورة إن كان على المستوى السياسي أو الثوري للأسف.

وقد ظهرت بشكل جلي في بعض التشكيلات من بداية الثورة وعلى وجه الخصوص في التأسيس والترشيح وفي حالات نادرة جداً التصويت الانتخابي.

كما أن عامل الثقة والتشكيك كان سبباً حاضراً ولعب دوراً كبيراً في كثير من الأحيان بتغذية الانقسام، ولم تسلم أغلب التيارات والقوى السياسية من داء عدم الثقة والتشكيك حتى في مرحلة نهوضها وسرى ذلك أيضاً على التشكيلات العسكرية حيث تمكن بعض الانتهازيين لاحقاً من التسلل بطرق شتى وتصدروا المشهد العسكري ثم تحولوا فجأة إلى رجال أعمال بزي عسكري همهم تكديس رزم الدولار وتوسيع رقعة الأملاك والاستثمار وبسط النفوذ لترسيخ وجودهم، فتوالت الانشقاقات أكثر وصولاً إلى الانقلابات العسكرية في الفصيل الواحد.

كان من الممكن تفادي ذلك كله لو تجاهلنا حالة الأنا والتفرد والشخصنة واحترمنا مبدأ الديمقراطية باعتبارها ترسيخاً لمبدأ تداول المسؤولية من جهة واحتراماً للاختلاف من جهة أخرى.

فعجزنا عن احترام الاختلاف وتقبل الآخر هو أيضاً سبب جوهري كان من الممكن تجنبه، وخلق أزمة لدى التيارات والقوى الثورية والسياسية السورية.

للأسف كانت مسيرة ومصير أي تيار سياسي أو تشكيل عسكري في نهاية المطاف مرتبطة كلياً بشخصية وفكر ومصير رئيسه وقلة من المطبلين حولهر وبالعودة إلى التعاطي مع الشأن السوري الحالي بشكل عام يجد المتتبع له أن الجنوح نحو الانقسام والفرقة هو السمة الأبرز خلال السنوات العشرة الماضية بدل الانصهار والتوحد

شاهد أيضاً

بوليفيا تقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.. وتشيلي وكولومبيا تستدعيان سفيريهما للتشاور

أعلنت وزارة الخارجية في بوليفيا،  الثلاثاء، أن الحكومة قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل متهمة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *