المسار الرباعي بين خارطة طريق روسية و(خربطة) إيرانية

كتب د. باسل معرواي

أعلنت روسيا وعلى لسان ميخائيل بوغدانوف الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا ونائب وزير الخارجية الروسي، أنّ مُسّودة خطة التطبيع بين تركيا والنظام السوري باتت جاهزة وبانتظار موافقة الطرفين عليها، حيث قال: “إن مسودة خارطة الطريق الروسية جاهزة، مهمتنا هي المناقشة مع شركائنا والمضي قدماً في هذا العمل” وأعرب نائب وزير الخارجية الروسي في أن يُتيح الاجتماع القادم في أستانة في 21 حزيران الجاري إلى “إحراز تَقدّم جاد”.

من جانبه صَرّح في أواخر شهر أيار الماضي وزير الخارجية التركي السابق مولود جاويش أوغلو عن وجود اتفاق على تشكيل لجنة رباعية لوضع خارطة طريق لتطبيع العلاقات مع النظام تَضمّ تركيا ونظام الأسد وروسيا وإيران وستضم ممثلين عن وزارتي الدفاع والداخلية وجهاز الاستخبارات.

ويأتي إعلان موعد الاجتماع الرباعي بعد يومين من لقاء جمع في دمشق الأسد مع علي أصغر خاجي معاون وزير الخارجية الإيراني للشؤون الخاصة.. وتزامن ذلك مع تصريحات للسفير الروسي في دمشق الكسندر بفيموف أكّد فيها أنّ “إعادة انتخاب الرئيس التركي لمدة رئاسية جديدة يحب أن تكون عاملاً إيجابياً في هذا السياق” وأضاف ” آمل الآن بعد أن اختفى الضغط الانتخابي في الآونة الماضية أن تكون القيادة التركية قادرة على إيلاء اهتمام أكبر لهذا الاتجاه في سياستها الخارجية” وأوضح بفيموف انّ النتائج التي تمّ التوصّل إليها حتى الآن “إيجابية” وأنّ مسار التقارب التركي مع نظام الأسد أصبح مكوناً مهماً باتجاه تحسين الوضع السياسي في المنطقة إلى جانب استعادة نظام الأسد لمقعد سورية بالجامعة العربية والمصالحة مع المملكة العربية السعودية، إضافة لتحسّن الأجواء في المنطقة بعد توقيع اتفاق التفاهم السعودي الإيراني في بكين في آذار الماضي.

جوهر المسار الرباعي تنفيذ أجندات روسية في سورية بالتعاون مع تركيا وتمّ ضمّ نظام الأسد لضرورات إنجاح المسعى الروسي، لكن إيران بقيت خارجه لعلم أنقرة وموسكو أنها ستضع عصيّها في دواليب هذا المسار، ومالبث أن فرض الأسد بِتعنّته أو تصلّبه بمواقفه من تركيا انضمام إيران لهذا المسار لتفخيخه من الداخل، وقبلت أنقرة وموسكو الحضور الإيراني على مضض وبات المسار بعد مُضي عشرة أشهر على انطلاقته يسير سير السلحفاة (إن لم يكن أبطأ) رغم الحماس أو الاستعجال التركي لإضفاء بعض السخونة والضجيج الإعلامي عليه من جانب واحد لدواعٍ انتخابية داخلية معروفة.

يضاف إلى ما سبق بدأ العرب مسارهم التصالحي مع الأسد في نيسان الماضي وخلال أسابيع تمّت إعادة الأسد إلى الجامعة العربية وإعطائه فرصة التحدث والتنظير في قمة جدة وأعيد افتتاح السفارات بين الرياض ودمشق، فيما اقتصر المسار الرباعي على لقاء باهت ووحيد وللتصوير فقط تم عقده في 10 أيار الماضي تمّت خلاله مصافحة بين المقداد وجاويش أوغلو بضغوط روسية هائلة لتوظيفها في الصراع الانتخابي الداخلي في تركيا عشية الجولة الأولى منه.

وكانت مسيرة المصالحات العربية مع نظام الأسد تسير بقوة دفع تردّي العلاقات السعودية خصوصاً والعربية عموماً مع الولايات المتحدة مع تحذيرات أميركية لعدم التمادي في ذلك مع إشهار سيف قيصر الأميركي والتهديد بخنجر قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد بوجه الرهط العربي المهرول إلى دمشق.

وبالطبع ترغب موسكو من وراء ذلك المسار إلى حشد القوى الرئيسية الأربعة المتواجدة على الأرض ضد الوجود الأميركي في سورية، وليس ذلك مَخفياً إذ يتفق المشاركون الأربعة فيه على توصيف التواجد الأميركي احتلالاً ويحملونه سبب استمرار المعضلة السورية، وبالطبع تحاول موسكو السير بخطوات لإنهاء الوجود الأميركي عبر توحيد جهود نظام الأسد الذي يَعتبر قوات قسد انفصالية ويتهمها بالعمالة لأميركا بينما تعتبرها أنقرة قوات إرهابية تُمثّل الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي.

تدفع موسكو بقوة نحو علاقات تركية مع نظام الأسد والوصول لاتفاق أضنة 2 أو أضنة 3 إن تطلب الأمر بحيث يَحكم العلاقة الأمنية بين أنقرة ودمشق، واتفاقات مدنية لتسهيل عودة اللاجئين، وترى ذلك أفضل من قيام أنقرة بشن عملية عسكرية تركية جديدة فيما إذا لم تصل لاتفاق مع دمشق قد تشمل مناطق تُسيطر عليها قوات قسد وتحت حماية روسية كالجيب العربي بتل رفعت ومحيطها أو حتى في مناطق تفاهمات سوتشي 2018 في الجيب المحصور خلف نقاط المراقبة التركية الـ 12 السابقة والمتصلة بالشمال السوري، وذلك لعدم ممانعة الولايات المتحدة لأي عمل من هذا القبيل بل الترحيب به، ولعدم قدرة موسكو على ردع عسكري لأنقرة أو حتى محرد التفكير بالتضحية بتعكير صفو علاقاتها معها، ولِتحرّر القيادة التركية من الضغوط الانتخابية الداخلية، ورغبتها بإيجاد حلول جذرية تتيح عودة طوعية للمناطق الواسعة التي ستطرد منها قوات النظام (فيما لو حصل هذا الاحتمال) بدل الحلول الترقيعية الجارية الآن، إذ من المرجّح بتغير موازين القوى على الأرض تَتغيّر خطوط وقف القتال وأقصد هنا التآكل المستمر للقوة العسكرية الروسية في سورية والتي كانت جوهر الحدود التي رُسِمت في بدايات عام 2020.

حتى أنّ القوى المتخالفة أيديولوجياً ووظيفياً، الموجودة شرق الفرات (قسد) وغربي الفرات (هيئة تحرير الشام) بدأت تظهر ملامح تعاون وتنسق بينهما خارج حدود التعاون الاقتصادي وبرضى وتشجيع أميركي كون أن التنظيمان يعتقدان أنهما الهدفان المفترض تقويضهما وفق الخطة الروسية للوصول لطرد القوات الأميركية وتطبيق اتفاق أضنة، وبالطبع تُعارض واشنطن المسار الرباعي برمّته جملةً وتفصيلاً، ويوجد لها مصلحة بتعطيله على الأرض إضافةً لوسائل وأدوات واشنطن الأخرى.

أمّا إيران التي انضمت إلى ذلك المسار لعرقلته، فإنها تُعارض أي مصالحة تركية حقيقية مع نظام الأسد (وإن كانت تقول بعكس ذلك) وذلك لخوفها من منافس أو شريك لها على الارض السورية قوي ومجاور جغرافياً يستطيع إملاء الفراغ الذي سيخلّفه الروس إذا ما تم انسحابهم، وتخشى من تعثّر المسار أو مراوحته مكانه، والذي سيشرعن التواجد التركي العسكري مرحلياً، طالما أن هناك خارطة طريق مع نظام الأسد وتخشى من تواجد تركي متوسط أو طويل الأمد سَيُنتج بيئة سورية صديقة له، إذ تخشى إيران من قوة تركيا الناعمة ونموذجها الديمقراطي والنهضوي وتقبل الشعب السوري له، حيث تفرض إيران نموذجها المُتمثّل بالقوة الميليشياوية الفوضوية الخشنة ونموذج الدمار والخراب الذي تنشره إيران أينما حلّت، فبالتأكيد لن ترضى بوجود هذا المشروع في مناطق احتلالها.

وقد يكون أساس الخطط الإيرانية للتخلص من الوجود الأميركي شرق الفرات بدعم روسي لا يتطلب مشاركة وبالتالي محاصصة تركيا لها في المنطقة، خاصة بأن الجيش التركي الحليف للجيش الأميركي بحلف الناتو لا يستطيع تقديم أي جهد عسكري ضد الجيش الأميركي.

ونظراً لتعقيد الملفات بين نظام الأسد وأنقرة ووفرة قوى التعطيل الإقليمية والدولية وبالطبع إلى جانب قوى التعطيل المحلية السورية في مناطق سيطرة الجيش الوطني المتضررة من أي تقارب تركي مع نظام الأسد، وقد عبّرت عن ذلك مراراً وتكراراً، وبالطبع سيتم التعطيل أيضا ًمن قوات “قسد” و”هيئة تحرير الشام” لتضرر التنظيمين والبيئة الموجودة تحت سيطرتهما من نجاح المسعى الروسي، فإنه ليس من المتوقع أن يخطو هذا المسار أي خطوات عملية وخاصةً أن قوته المحركة مشغولة أو متورطة حتى النخاع بصراع مع الناتو في أوكرانيا لن يَترك لها الوقت والقدرات أو حتى التأثير على الأطراف لإنجاحه.

نقلاً عن “نينار برس”

شاهد أيضاً

ما مصلحة السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *