محاولة السعودية التحول من قطب مالي إلى قطب جيوسياسي!

كتب د. باسل معرواي لـ”سوريتنا”

بوصول الأمير محمد بن سلمان لمركز القرار الفعلي بالمملكة العربية السعودية ..بدأت حقبة جديدة بتاريخ الدولة السعودية وتَجسّد ذلك بإنتقال المُلْكْ من الأجداد إلى الأحفاد….بدأت قيادة سعودية شابة مُختلفة عمّا عرفه العالم بل الشعب السعودي نفسه ..تَمثّل هذا الأمر بتفكيك مراكز القوى والتي كانت تساهم بصنع القرار، بل أحيانا بإنتهاج سياسات مختلفة إتجاه قضية واحدة …كما حدث مثلا في سياسة المملكة اتجاه الثورة السورية ..
حيث تَمّ إبعاد الأمراء أبناء العمومة عن مراكز القرار..وتَمّ تصفية طبقة كبار التجار ورجال الأعمال والتي تَسلّل الفساد إلى معظم أعمالهم بالشراكة مع أمراء من الأسرة المالكة …إضافةً إلى كَفّ يَدّ كبار رجال الدين والدعاة عن التدخل بالحياة العامة.
وفي خضم الحرب الباردة وقبل سقوط الشاه كانت استراتيجية الولايات المتحدة في محاربة التمدّد الشيوعي لمنطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط والتي كانت حُلماً للقياصرة الروس على مَرّ التاريخ..تلك المياه الدافئة كانت ركيزتا حمايتها الدولتان الحليفتان للمعسكر الغربي ..إيران الشاهنشاهية كقطب عسكري والمملكة العربية السعودية كقطب مالي يُموّل التكاليف..وكانت تركيا حينها في حلف الناتو ولها مهام أخرى.
لم تخرج السعودية منذ إتفاق الرئيس الأميركي روزفلت والملك عبد العزيزآل سعود على ظهر الباخرة كوينسي عام 1945، عن كونها قطبا مالياً وتضمن الولايات المتحدة أمنها مقابل سهولة إنسياب النفط وتدّفقه للأسواق الغربية ضمن معادلة النفط مقابل الأمن، وسارت الأمور بهذا الطريق ….وبعد سقوط الشاه ووصول الخميني للسلطة في إيران إهتزت منظومة الأمن الإقليمية التي أرستها الولايات المتحدة..لكن ذلك الإهتزاز لم يكن خطيراً إذ سريعاً ما تداعى الإتحاد السوفييتي وسقط صريعاً وإنتهت الحرب الباردة وتغيّرت الخطط والاستراتيجيات كلها
وساد الإضطراب العلاقات الأميركية السعودبة بعد ضربات أيلول 2001…وبدأ يلوح بالأفق تخادماً أميركياً إيرانياً على الأرض رغم الفرقعة الإعلامية والتي لم تكن تُعبّر عما يجري على الأرض.
بعد تحقيق الإستقرار الداخلي على صعيد الحكم في الرياض ومركزته بيد أبناء الملك سلمان وخاصةً الأمير محمد ..وبدء حملة إصلاحات داخلية إجتماعية وإقتصادية وحتى دينية( دون المساس بالسلطات الملكية المطلقة)..وبدء تبلور وطنية سعودية وهوية وطنية على أنقاض التحالف الذي حكم طويلاً والمُتمثّل بتحالف قبيلة آل سعود مع الحركة الدينية الوهابية …وضمن رؤية الأمير محمد 2030 لتنمية شاملة (إجتماعية وإقتصادية) بدأ توجّه سعودي للخروج من حقبة 2001 ومارافقها وحقبة الربيع العربي 2011 وأخطارها على أنظمة الحكم التقليدية المحافظة…وبعد اليقين بإستحالة حسم معركة اليمن عسكرياً ومع تردي العلاقات السعودية الأميركية ووصولها لدرجات خطيرة عَبّر عنها الموقف الأميركي اللامبالي من تدمير الميليشيا المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني لمنشآت آرامكو 2019، ومع بسط جمهورية الملالي لسيطرتها على الهلال الخصيب وبلاد الشام ضمن الهلال الشيعي الأسود يُحيط بها من الشمال ويحاول التوسع أكثر ….وخنجر حوثي مسموم في الخاصرة السعودية الجنوبية وضباببة أو تذبذب الإستراتيجية الأميركية لمنطقة الشرق الأوسط وإدراك المملكة لميوعة الإجراءات الأميركية الغربية الإسرائيلية اتجاه البرنامج الإيراني والذي كان يسير نحو مُبتغاه…
بدأت المملكة بإنشاء علاقات متينة أساسها اقتصادي ثم تطورت لاحقاً إلى أبعاد عسكرية مع القطبين المنافسين للولايات المتحدة (الصين وروسيا) والإنفتاح أكثر على الشرق لتنويع علاقات المملكة وتحالفاتها..وبدأت المملكة تخطو خطوات ملموسة بالإبتعاد عن السياسات الأميركية ويُمكن إعتبارها أنها وفق المعايير الأميركية خرجت المملكة من تصنيف الحليف إلى تصنيف الشريك…
قامت المملكة بتغيير تموضعاتها وتَوجّهت نحو سياسة صفر مشاكل في مطلع 2021، فأنهت الخلاف مع قطر وتركيا وحاولت إحتواء الخلاف مع الولايات المتحدة وإدارته مع عدم الإنخراط بمشاريع غير ناضجة كـ”الناتو” الشرق أوسطي أو الإنضمام المُتسّرع لسلام إبراهيمي مع إسرائيل ..وبنفس الوقت كانت علاقاتها تزداد متانة مع الشرق والصين خاصةً ..وحافظت على “أوبك بلس” مع روسيا وأخذت موقفها المعروف من الحرب الروسية على أوكرانيا الأقرب للحياد ولم تأبه للمطالب والرجاءات الأميركية بالسياسات البترولية بما يتناسب مع المصالح الأميركية، وزارها بعد الحرب في أوكرانيا كلٍ من المستشار الألماني أولاف شولتز ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبعده الرئيس الأميركي جو بايدن أملا بحسم موقفها من الحرب في أوكرانيا والإبتعاد عن موسكو .. لكنها لم تفعل واستقبلت في شتاء العام الماضي الرئيس الصبني شي جين بينغ وأمّنت له عقد القمم الصينية مع دول الخليج والدول العربية في تَوجّه سعودي واضح لتكون قطباً إستراتيجياً
وفي 10 آذار الماضي أقدمت المملكة على كبرى إستداراتها الإستراتيجية فعقدت إتفاق أولي مع إيران برعاية صينية والغاية إدارة الصراع والخلاف مع إيران وخفضه لدرجة التنافس والتساوم الإقليمي وإستعمال المملكة لقوتها الناعمة في حربها على الميليشيات الإيرانية (قوة إيران الضاربة) ..أعقب ذلك إصلاح العلاقات السعودية مع نظام الأسد بعد حمل راية القطيعة العربية ضِدّه لأكثر من عقد من الزمن وإرغام الدول العربية الرافضة لعودته إلى جامعتهم على التسليم بالأمر…وبنفس وقت حضور الأسد لقمة جدة مُمثّلا عن تيار بوتين خامنئي.. وكان الرئيس الأوكراني حاضراً كرأس حربة للمحور الغربي في طعن القيصر الروسي لِيخرّ صريعاً

المطالب السعودية من إيران

لكي تَنعم جمهورية الملالي بالقبول الإقليمي وحَضّها على خلع عِمامة الثورة وإرتداء بدلة الدولة الحديثة..ولكي يَستمرّ إتفاق المبادئ المُوقٍع في بكين ويَتحوّل من هدنة ضرورية تحت الإختبار إلى سياسة إيرانية معلنة وواقعية لابدّ من أن تُنفّذ إيران المطالب السعودية التالية:

1– تَحول حزب الله في لبنان إلى حزب سياسي والتخلي عن أدواره الأمنية والعسكرية في لبنان والإقليم.

2– إنهاء التواجد العسكري الإيراني في سورية وتقليص النفوذ للحدود المدنية وتفعيل دور عربي فيها.

3– القبول بفدرلة الإقليم العربي السني في العراق.

4– سحب الصواريخ والمسيرات من جماعة الحوثي وقبوله الإنخراط بعملية سياسية..

شروط سعودية على أميركا لقبول سلام ابراهيمي مع اسرائيل

لم تَجد المملكة أيّ فائدة من التطبيع مع إسرائيل دون شروط مسبقة ..ويرى متابعون أنّ الزيارات المتعددة والتي يقوم بها مسؤولون أميركيون رفيعي المستوى والذين يضغطون على المملكة لإنجاز إتفاق سلام تاريخي مع إسرائيل ينهي حالة الصراع العربي الإسرائيلي في نهاية هذا العام أو الربع الأول من العام القادم لاتخرج عن أربعة مطالب:

1–عقد معاهدة أمنية طويلة الأمد بين الرياض وواشنطن لاتُعارضها إسرائيل ولوبياتها ولايعارضها الكونغرس.

2– تقديم الولايات المتحدة للمملكة برنامج نووي مدني ووضعه تحت اشرافها.

3– موافقة الولايات المتحدة على بيع السعودية ما تحتاجه من الأسلحة النوعية والأكثر تَطوّراً دون عقبات.

4– لاتستطيع السعودية الخروج عن مبادرة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز والتي أصبحت مبادرة عربية رسمية بشأن القضية الفلسطينية ..والعمل على حَلّ الدولتين وإعطاء الفلسطينيبن حقوقهم.
إن تمكّنت المملكة من تحقيق جزء كبير مما تطلبه من إيران والولايات المتحدة وإسرائيل وبالطبع ستحتفظ بعلاقات جيدة مع الدول العربية والاسلامية والدول الشرقية وفي مقدمتها الصين والهند وروسيا فإنها ستكون على طريق التحوّل من قطب مالي إلى قطب جيوسياسي..

شاهد أيضاً

ما مصلحة السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *