مسك العصا من المنتصف..إيران ودول المنطقة

كتب د. باسل معراوي ل”سوريتنا”


لم يكن يتوقع أكثر المتشائمين أن لايتم التوصل لاتفاق نووي جديد بين الولايات المتحدة وايران بعد فوز الحزب الديمقراطي والرئيس جو بايدن بولاية لأربع سنوات…
كان الزخم الذي بدأ به الرئيس بايدن قويا من بداية حملته الانتخابية وشعارها التخلص من إرث ترامب والترامبية عموما…
وبدأ فوز الرئيس بايدن بالسباق الانتخابي وكأنه فوز إيراني إذ أعتقد الجميع أن ولاية ثالثة للرئيس اوباما قد بدأت …ومما عزز ذلك الاعتقاد او الوهم ان الرئيس الجديد قد استعان بمعظم مسؤولي الملف النووي في عهد الرئيس السابق اوباما وعينهم بعد ترفيع اغلبهم درجة وظيفية الى الاعلى كمسؤولين عن ادارة الملف النووي مع إيران
وبدأت خطوات الرئيس الأميركي توحي أن كل سياسته الشرق أوسطية مبنية على أساس الوصول للاتفاق مع ايران وتخفيف الوجود والاهتمام الأميركي في المنطقة والتفرغ لمواجهة الاعداء او المنافسين الكبار وهما الصين وروسيا.
وكان الحديث ليس عن توقيع الاتفاق من عدمه بل على المدة التي ستستغرقها المفاوضات للوصول إلى ذلك وكانت كل الترجيحات تصب في خانة الانتهاء من الاتفاق قبل انتهاء ولاية الرئيس(الاصلاحي) روحاني ووزير خارجيته ظريف وهما الثنائي الايراني الذي وقع اتفاق 2015 مع الادارة الديمقراطية الثانية للرئيس اوباما
تم انجاز 90% من الاتفاق ببنوده التقنية وبدأ التعثر يظهر ابتداءا من بداية الجلسة الخامسة للمفاوضات وأن الاتفاق وصل إلى طريق مسدود عند فرض الأميركان شرطهم غير القابل للتفاوض، لا سيما ملف التمدد الاقليمي وزعزعة استقرار دول الجوار وملف الصواريخ البالستية والطيران المسير ربطهما بتوقيع الاتفاق النووي، إذ تم رفض ذلك من إيران بشدة وانتهت ولاية روحاني واستلم ابراهيم رئيسي السلطة وهو الرئيس المحافظ والذي يمثل الجيل الثاني من الثورة الايرانية والتي بطلها هو الحرس الثوري الايراني..وساهم تعيبن رئيسي لحكومته والتي تضم ثمانية من المعاقبين دوليا وأميركيا ساهم في فشل أو توقع استحالة التوصل للاتفاق وبالتالي عدم عقد الجلسة السادسة للمفاوضات بفيينا والتوجه بدل ذلك إلى التصعيد
كانت العصا إلايرانية لاتهدأ في المنطقة على التحرش بالجميع في البر والبحر…وبدا للبعض ان لاشيئ يقدم لإيران ليثنيها عن متابعة انشطتها الاقليمية فكانت الضربات تنهال على السعودية واربيل والقواعد الإمريكية وإسرائيل عبر خروج حرب الناقلات للعلن والاعتداء على ناقلة النفط الاسرائيلية وتهديدالملاحة عبر الخليج عموما قبل مضيق هرمز وبعده
ازداد الايرانيون شراسة في ظل الانسحاب الأميركي من أفغانستان ووضع نهاية للتواجد الأميركي في العراق ينتهي باخر العام الجاري… وانقضاء الهدنة التي اعقبت اغتيال قاسم سليماني وابو مهدي المهندس بتولي مصطفى الكاظمي لرئاسة الوزارة العراقية وتوقع تمخض الانتخابات القادمة عن رئيس وزراء من المرتبطين بإيران كنوري المالكي او من يشابهه
كان على دول المنطقة مسك العصا الإيرانية من المنتصف على أمل عدم تلقي الضربات منها ومحاولة تحييدها أو بمعنى عدم خلق عداوات جديدة .

وتبين أن الاستراتيجية الأميركية هي الاستمرار بالعقوبات المؤلمة لإيران مع ضربات انتقائية محدودة..وخلق بؤر الاعتراضات الإيرانية الشعبية بالداخل وتشجيعها عبر مجاهدي خلق…وفتح الثقب الأسود الافغاني الطالباني الذي قد يستهلك محاولة التصدي له أو التقليل من تداعياته أن ترضخ إيران للقبول ببحث الملف الإقليمي بالمنطقة العربية للتفرغ إلى الخطر القادم من الشرق
ماكان من دول المنطقة إلى التصرف منفردين أو جماعات لتفادي التوحش والشر الإيراني…
بدأت المملكة العربية السعودية بدبلوماسية واقعية بفتح اتصالات أمنية مع إيران في بغداد سيعقبها لقاءات سياسية في عمان…ولايخرج مؤتمر بغداد الأخير للتعاون والشراكة عن هذا الاطار…حيث حاول جميع الحاضرين كجهة واحدة مقابل إيران كزعيمة محور امر واقع ولكن دون الاعتراف به..
اكثر من يتعرض للتهديد طبعا هو اقليم “كردستان العراق”، والذي لم يخف نوري المالكي وصفه لاستفتاء اربيل بتقرير المصير بانه محاولة انشاء اسرائيل ثانية تهدد محور التشيع في المنطقة.

حيث تم عدم تنفيذ اتفاق سنجار وخسارة الاقليم لكركوك وايقاف المحادثات بشان المناطق المتنازع عليها بين اربيل وبغداد..ممكن لاي اندفاعة للحشد الشعبي لاحتلال الاقليم ان تحدث تحت دعاوى عديدة وخلافات بين المركز والاطراف..وهنا يرى البعض زيارة ماكرون بعد قمة بغداد لاربيل والموصل وقوله أن فرنسا باقية بالعراق هي مسك عصا من الوسط لأي جموح إيراني متهور باجتياح الاقليم..وممكن أن تتطور الاوضاع لاعتراف دولي بحدود كردستان كدولة مستقلة لحمايتها من الاحتلال.


الخوف الأردني ليس من الحوثي الذي يتم عبره الاعتداء على السعودية..انما من نظام الأسد وحزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي.


يمسك الملك الهاشمي العصا الإيرانية من الوسط عبر دعواته لاعتبار أن نظام الأسد باق وهو أمر واقع ويتوجب علينا التعامل معه وتسويق ذلك بزياراته لواشنطن وموسكو..وحماسه لكل المشاريع المرتبطة بإيران أو أذرعها عبر انخراطه بمحور الشام الجديد ومرور خط الغاز العربي والكهرباء الأردنية إلى لبنان ..وتقرأ بنفس السياق ايضا زيارته لضريح جعفر الطيار بالكرك موقع غزوة مؤتة باعتباره من آل الببت واخيرا إرسال رئيس مجلس النواب الاردني برفقة 18 نائب أردني إلى بغداد لزيارة حسن نصر الله العراق ..قيس الخزعلي وهو زعيم جماعة دينية مسلحة صلبة جهادية عابرة للحدود ولا دولتية وعدم ذهابه للقاء نظيرة العراقي الحلبوشي..


يمكن ان يكون النهج الأميركي الذي يتبعه الديمقراطيون عاددة وهو الاعتماد على قوة الدبلوماسية وليس دبلوماسية القوة هو السبب المباشر عن انتهاج دول الاقليم لهذا النهج…
وباعتقادي الأيام القادمة ستشهد المزيد من التصعيد الإيراني مقابل محاولة امتصاصه والتعامل معه..إلا إذا حدث أمر غير متوقع يخلط الاوراق ويغير المعادلات.

شاهد أيضاً

عن الاصطفاف الأميركي- الأوروبي مع إسرائيل

خطار أبودياب شكلت مفاجأة تخطي جدار غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، منعطفا في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *