أحمد زرغر “القاضي الدموي” رئيساً لمحاكم الثورة الإيرانية



غياث كنعو

ما يعرف عن القاضي في التوصيف القانوني عادة، وخاصة في الدول المتقدمة، أنه يحمل لقبا مجسّدا للعدل منحازا للحق ونصرة المظلوم، متمتعا بالحيادية في العمل، وأن يكون أيضا، ذا سيرة حسنة، رحب الصدر دمث الخلق، إلا أن هناك من حمل لقبا مغايرا لكل تلك التعريفات، وقد استحقه بجدارة، لقبا غريبا في عالم القانون ولا يمت بصلة لمهنة القضاء أو العدالة، إنه “القاضي الدموي”.

حامل هذا اللقب هو الإيراني أحمد زرغر، الذي عينته السلطة القضائية الإيرانية، مؤخرا، رئيسا لما يسمى بالمحكمة ”الثورية“، ليحل مكان موسى غضنفر الذي يشغل منصب رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشورى الإيراني.

والمحاكم الثورية الإيرانية تشكلت فور الإعلان عن قيام ما يسمى بثورة الخميني في السبعينات، وقد رأسها آنذاك صادق خلخالي المعروف لدى الدوائر الغربية بـ”القاضي الأحمر”، بسبب كثرة أحكام الإعدام التي أصدرها هو الآخر ضد كبار المسؤولين في زمن الشاه، ومن جراء كثرة المشانق التي علقت بقرارات صدرت عن هذه المحاكم، أطلق على النظام الإيراني لقب “نظام المشانق”، وتحتل إيران اليوم المرتبة الأولى بعدد الإعدامات التي تصدر عن محاكمها الثورية، ويأتي تعيين زرغر ليكمل هذا النهج الوحشي المتبع في طهران.

يعرف زرغر بأنه واحدٌ من بين أكثر القضاة في إيران انتهاكا لكافة القوانين وحقوق الإنسان ومعاييرها، وقد اشتهر بولعه بإصدار أحكام الإعدام بحق المعارضين والنشطاء السياسيين، معبرا بذلك عن التزامه المطلق بقيم النظام الحاكم وأيديولوجيته ومصالحه إلى حد التماهي معها، ولعل هذا السبيل كان فلسفته المتبعة مع النظام لضمان صعوده في السلم الوظيفي نحو قمة الهرم القضائي، وهو ما التزم به زرغر منذ انخراطه في السلك القضائي. وقد أقر بنفسه خلال مراسيم تعيينه أنه كان عضوا في المحكمة الثورية منذ تأسيسها، معتبرا أن تلك المحكمة قدّمت خدمات كثيرة للبلد، ومتباهيا بأنه عمل فيها بلا كلل أو ملل.

القضاء في خدمة النظام

” مصادر مطلعة تشير إلى أن من يدير القضاء اليوم في إيران، مجموعة مكونة من ستة قضاة، في مقدمتهم زرغر، تعمل بتنسيق تام مع أجهزة الاستخبارات الإيرانية، وهؤلاء يتلقون الأوامر والتعليمات منها مباشرة ” 

لقد ابتعد زرغر في عمله عن المفهوم الدقيق لروح وجوهر عمل القضاء، باعتبار القاضي خادما للقانون، إذ عكس هذه المعادلة لتصبح “القاضي خادم للنظام السياسي وليس للقانون”، وفي هذا المسار يصبح القانون مرتهنا للقاضي بموالاته للنظام السياسي وما يقدمه من خدمات له، على حساب تطبيق القانون ليس كما ينبغي أن يطبق، بل من خلال خرقه بما يخدم أجندات النظام السياسي ومصالحه، وهذا ما عمل عليه هذا “القاضي الدموي” الذي أثقل القانون بمحاكمات صورية أصدرت العشرات من القرارات الإعدامية المجحفة بحق أصحاب الرأي السياسي ونشطاء الشأن العام.

وتشير المعلومات إلى أن زرغر كان قد ترأس الفرع 36 لمحكمة الاستئناف في محافظة طهران، ومن ثم عيّن رئيسا للفرع الثاني للمحكمة الخاصة لما يعرف بالفساد الاقتصادي، وأميناً لـ“هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، وله في سجله الطويل قائمة طويلة بمختلف أشكال الأحكام التي اتخذها من السجن لسنوات طويلة للنشطاء السياسيين والصحافيين وغيرهم من الشخصيات المدنية المستقلة، إلى جانب أحكام الإعدام التي أصدرها بحق السياسيين، وخاصة أولئك الذين كان لهم الدور البارز في احتجاجات العام 2009.

مصير الإصلاح

النظام الإيراني يبدو غير مكترث بما يعانيه شعبه جراء تلك السياسة القمعية التي ينتهجها منذ تأسيسه وحتى اليوم، ولا تزال الذهنية ذاتها مسيطرة على أصحاب القرار في طهران، ومن هنا تنطلق قرارات اختيار هكذا قضاة على شاكلة زرغر، ورغم العقوبات التي يتعرض لها النظام ويدفع ثمنها الشعب بسبب تلك السياسة على المستويين الداخلي والخارجي، إلا أنه يواصل غلوّه في قمع الأصوات الداعية إلى تغيير سلوكه ونهجه وقمعه بحق دعاة التغيير والإصلاح، ومع ذلك لم يغير من مساره الإجرامي في إسكات الأصوات من خلال ما يسمى بـ”لجنة الموت” التي نفذت عمليات إعدام جماعية بحق المعارضين السياسيين في نهاية الثمانينات وتكتمت عليها السلطات الإيرانية.

” سجل زرغر يضم قائمة طويلة تحفل بمختلف أشكال الأحكام التي أصدرها بحق السياسيين، سواء بالسجن لسنوات عديدة أو بالإعدام شنقاً”

وتشير تقارير حقوقية إلى أنه تم إعدام أكثر من خمسة آلاف شخص في السجون الإيرانية في صيف عام 1988، من مختلف المشارب والاتجاهات والأيديولوجيات السياسية بدءا من مجموعات يسارية معارضة، ومنظمة “فدائيي الشعب” الماركسية اللينينية، وأيضا حزب “توده” الشيوعي، إلى جانب نشطاء من مختلف القوميات وفي مقدمتهم عرب الأحواز والتركمان والكرد والبلوش وغيرهم، حيث باشرت محاكم الثورة الإيرانية مهمتها بهدف تثبيت أركان النظام السياسي الجديد، عبر أساليب دموية انتهجتها هذه المؤسسة القضائية بحقهم.

ولعل أكثر الشعوب التي تدفقت دماؤها بسبب هذه المحاكم الثورية كان الشعب العربي في الأحواز، إذ تعرض المئات من أبناء هذا الشعب إلى حملات إعدام جماعية، رغم الوعد الذي كان قد قدم لهم من قبل الخميني بإنهاء الاحتلال الفارسي للأراضي العربية الأحوازية مع سقوط نظام الشاه، إلا أن هذا الوعد كنسته الرياح مع وصول الخميني إلى طهران.

 وكان تقرير وجد في أرشيف منظمة العفو الدولية قد كشف بشكل صادم ومريب عن أن جميع مستويات السلطات الإيرانية كانت على علم بتلك الإعدامات، بما في ذلك حتى سفراؤها في الخارج، ما يبرهن على أن الجسم القضائي الإيراني، وبدل أن يكون هو الحامي والضامن لأرواح البشر، تحول إلى صاحب القرار في إنهاء حياة الناس، بوجود هكذا نماذج من القضاة.

الأمر ليس مقتصرا على زرغر وحده، بل كثر أمثاله في الجسم القضائي الإيراني، وها هو القاضي الآخر محمد مقيسة سيء السمعة والصيت، والذي نقل من محكمة الثورة في طهران إلى المحكمة العليا، والخاضع هو الآخر لعقوبات دولية من الولايات المتحدة يقول “اليوم تم تعيين شخص قوي، لا يمكن التأثير عليه رئيسا للمحكمة الثورية، ونحن سعداء جدا بذلك”.

وتشير المصادر إلى أن مجموعة مكونة من ستة قضاة وفي مقدمتهم زرغر يعملون بتنسيق تام مع أجهزة الاستخبارات الإيرانية، وأنهم يتلقون الأوامر والتعليمات منها، ووفقا لصحيفة “الغارديان” البريطانية فإن القضاة الستة متهمون بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان، وبحسب شهادات لمعتقلين سابقين خلال اللقاءات مع الصحيفة، وكذلك تقارير متعددة لمنظمات حقوقية وتلك العاملة في مجال حقوق الإنسان، تحدثوا فيها عن أن انتهاكات أولئك القضاة الستة ومن ضمنهم زرغر تتلخص في جلسات محاكم وراء الأبواب الموصودة المغلقة، بعيدا عن أعين الإعلام والصحافة، إلى جانب قيام هؤلاء القضاة بزرع الرعب والخوف والهلع في نفوس المتهمين، وأكثرهم حدية وشراسة يعد هذا القاضي الذي فعلا يستحق لقب دموي وبجدارة.

الجرم السياسي ومحاربة الله

“المحاكم الثورية الإيرانية يعود تشكيلها إلى فترة الإعلان عن قيام ما يسمى بثورة الخميني في السبعينات، وقد رأسها آنذاك صادق خلخالي المعروف لدى الدوائر الغربية بـ”القاضي الأحمر””

المشكلة لا تتوقف عند ممارسات زرغر الذي منحه الدستور الإيراني هامشا، لكل هذه الانتهاكات التي ارتكبها، حيث مصطلح “الجرم السياسي” غير محدد المعالم في هذا الدستور، إلى درجة أن أي شخص يخالف النظام الإيراني، لا توجه له تهمة الإساءة للنظام، بل يأخذ الأمر جانبا خطيرا، إذ توجه له التهمة من قبل محاكم الثورة بمحاربة الله والإفساد في الأرض وعلى هذا الأساس يتم إعدامه.

ومن أكثر ضحايا زرغر شهرة في الآونة  الأخيرة، شهناز أكملي، الناشطة في مجال حقوق الإنسان ووالدة مصطفى کريم بيغي، الذي قتل في احتجاجات يناير 2010. أكملي نالت بفضل زرغر حكما بالسجن، وحظرا على السفر واستخدام الإنترنت لسنتين، ومنعا من الانتماء إلى الجماعات السياسية، بتهمة “الدعاية ضد النظام“. وكل جريمتها أنها تسعى منذ سنوات للتقاضي بشأن وفاة ابنها کريم بيغي، لكنها لم تحقق حتى الآن أي نتائج في القضاء. وقد تم اعتقالها بعد رفضها تهديدات المؤسسات الأمنية بالسكوت، وأفرج عنها بكفالة قيمتها 100 مليون تومان. ولكن زرغر أعطى أوامره في القضية. فكانت النتيجة الحكم الآنف عليها بالسجن والحظر والمنع من السفر.

في النهاية ما تريد طهران قوله من خلال تعيين زرغر في هذا الموقع الحساس، رسالة ذات شقين، الأول موجّه إلى الشعب الإيراني ذاته الذي تتعمّد إفهامه أن النظام لا يزال يتمتع بقبضته الحديدية، وأنه قادر على البطش بكل من تسوّل له نفسه الاعتراض على أي قرار أو توجّه يراه خامنئي أو الحرس الثوري أو بقية أجهزة السلطة، أما الشق الثاني فموجّه نحو العالم الخارجي، وبالذات الولايات المتحدة وأوروبا وكل من يطالب النظام الإيراني بالإصلاح مقابل تخفيف العقوبات، أو من يتوسم في مرحلة جديدة من العلاقة مع إيران من خلال نتائج الانتخابات الأميركية مع الرئيس المنتخب جو بايدن إن نجح في تجاوز اعتراضات الرئيس دونالد ترامب على فرز الأصوات. والرسالة باختصار تقول ”نحن في طهران كما نحن، ولتفعل أيها العالم ما تشاء“.

شاهد أيضاً

لعنة الانقسام وأثرها في انسداد شرايين الثورة

المحامي عبد الله السلطان محامي وكاتب سوري حالة التفكك السورية إلى أين؟ متى نودع حالة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *