لماذا يستثمر الأميركيون في جائحة كورونا؟


كتب وفيق ابراهيم في “الجمهورية”:

المجابهة الأميركية لجائحة كورونا ليست على قياس مخاطرها لا في التوقيت ولا في الامكانات المرصودة، والدليل انها تفتك بعشرات آلاف المواطنين وتصيب الملايين بنحو يفوق حرباً عالمية ثالثة.
هناك اذاً تدبير مرئي يحبكه الأميركيون لتحقيق مصالح لهم من خلال الضجيج الذي يثيره وباء كورونا، وبما انه يستهدف الصين حصراً فيجب البحث عن أسبابه في العلاقات الصينية ـ الأميركية حاضراً ومستقبلاً، لأنّ النزاع بين القوى السياسية الوازنة لا يعمل على طريقة التأثر التقليدية، بل يسعى الى قلب توازنات القوى بتوفير الظروف السانحة لذلك، وهذه كانت تؤدي اليها الحروب الكلاسيكية المباشرة بالسلاح التقليدي كما حدث في الحرب العالمية الأولى أو بالسلاح النووي الذي دمّر في الحرب العالمية الثانية مدينتين يابانيتين دافعاً نحو اجتياح ألمانيا.

لكنّ الحرب الباردة بين القطبين الأميركي والروسي فتحت الطريق نحو تجميد «النووي» والانتقال الى منافسات في أقاليم النفوذ وحروب غير مباشرة بواسطة الحلفاء مع احترام المحاصصات.

إنّ انهيار الاتحاد السوفياتي في 1989 أتاح للأميركيين العودة إلى الاستعمال المباشر للقوة الأميركية في العالم الاسلامي والشرق الأوسط وأميركا الجنوبية وشرق آسيا واوروبا الشرقية، الّا انّ هناك عاملين اعترضا هذه الاندفاعة العسكرية الأميركية: الاول، التوسّع الاقتصادي الصيني في العالم الذي اعتمد على رخص السلعة ونظام العولمة لوضع الصين في المرتبة الثانية من عالمية الاقتصاد. اما الثاني فكان العودة الروسية الى سورية التي عرقلت المشروع الأميركي لإعادة هندسة الشرق العربي وفقاً للمصالح الأميركية، ما استتبع ايضاً اهتزازاً في عدم هيمنتها على العراق ونفوذها في اليمن.

هذا ما دفع الأميركيين الى ابتكار نمط الحروب الاقتصادية بإيقاع عقوبات على المعترضين على نفوذها شملت ايران وسورية وروسيا وتركيا وفنزويلا ومنظمات المناخ والتجارة والصحة واليونسكو والاونروا، وصولاً الى منظمة الصحة العالمية. وهذه عقوبات إميركية أحادية تطبّقها الدولة الأميركية وحلفاؤها وتفرض عقوبات اضافية على من لا يطبقها، وبما أنها صعبة التطبيق بنتائج ممكنة على بلد كالصين، كان لزاماً على الدولة الأميركية البحث عن ادوات حرب جديدة على «تنين أصغر» يستعد لالتهام «الكاوبوي» الأميركي في اقل من عقد مقبل وربما اقل، بحسب تطورات المنافسات الاقتصادية.

للإشارة هنا فإنّ الاقتصاد الصيني يشكل 70 في المئة من الاقتصاد الأميركي، لكنه يسجل نمواً سنوياً مقداره 10 في المئة ومعدلات تضخم وبطالة أقل بكثير من مثيلاتها الأميركية. يكفي انّ الصينيين الذين هم تحت خط الفقر اقل من 10 في المئة مقابل 25 في المئة للأميركيين.

كما أنّ الصين تتجه الى الاحتفاظ الشكلي بنظامها الشيوعي، فيما يشكل قطاعها الخاص 40 في المئة معتمداً على الصناعة والتجارة والخدمات بمعدل 88 في المئة من معدلات الانتاج الصيني.

هذه المعطيات تكشف مدى الرعب الأميركي من الصين إلى جانب رعبها من روسيا التي عادت الى الشرق الاوسط بثبات سوري مميز، وإلى أوروبا الشرقية من زوايا اوكرانيا والقرم وأميركا الجنوبية عبر تحالف عميق مع فنزويلا وكوبا.

لذلك، فإنّ التصريح الذي أطلقه السياسيون الصينيون منذ عدة أيام حول أنّ الحلف الصيني الروسي لن يسمح للأميركيين بإيقاف تقدمهما، يشكل رداً على المحاولات الأميركية الجديدة للنيل من بكين. فواشنطن تبحث عن اي مادة تعينها لتفجير التقدم الاقتصادي الصيني الذي تجتاح سلعه دول الاتحاد الأوروبي بمعدل 20,4 في المئة من صادراته والولايات المتحدة 18 في المئة الى جانب اسواق اليابان وهون كونغ وبعض انحاء افريقيا وآسيا والشرق الاوسط، بينما لا تستورد الّا ما يعادل 10 في المئة من وارداتها من الاسواق الأميركية.

هناك مؤشرات تتموضَع فيها الصين على نقاط اضافية تعطيها قصب السبق في نزاعها مع الأميركيين. وترتبط بحيازتها بنية اجتماعية غير مكلفة وعمالة رخيصة، وهذا يعني قدرتها على استعمال هذه العناصر في معركة المنافسة مع السلع الأميركية المرتفعة الأثمان، يكفي انّ دخل العامل الصيني المتخصّص لا يزيد عن 2180 دولاراً سنوياً، ويكاد لا يعادل الراتب الشهري لعامل أميركي عادي.

هذه هي الاعتبارات التي تثير رعب الدولة الأميركية العميقة وتفرض عليها البحث عن عناصر تعرقل هذا الغزو الاقتصادي الصيني للعالم والقابل للترجمة العميقة على مستوى تغيير في النظام العالمي على شكل ثلاثية قطبية مع الروس والأميركيين، لا سيما انّ روسيا تمتلك 3 عناصر تدعمها في قطبيتها، وهي امتلاكها لكل انواع السلاح المتقدم التقليدي الطابع الى جانب انواع اسلحة الدمار الشامل، والثاني انها تحتوي في باطن اراضيها على 30 في المئة من موارد العالم من مختلف انواع الثروات، والثالث انها اصبحت موجودة على مستوى الجيوبوليتيك في قارة اوروبية منهارة سياسياً واقتصادياً وفي أميركا الجنوبية داخل الدولة الفنزويلية، كذلك في سورية قلب الشرق العربي المليء بالغاز والنفط والحركات السياسية التغييرية.

لذلك نصبَ الأميركيون مكمناً للاقتصاد الصيني في خضم الحرب العالمية على كورونا، ووضعوه تحت مقصلة اتهامين خطيرين جداً يكفي اقتناع الرأي العام العالمي بواحد منهما حتى تنهار سمعة السلع الصينية.

يعرض الاتهام الاول لخطأ وقع فيه مختبر صيني للأوبئة يقع قرب مدينة ووهان الصينية كان في صدد تصنيع جائحات وأوبئة للزوم حرب أوبئة صينية مقبلة تستهدف البلدان المنافسة. وأدى هذا الخطأ الى تفشّي جائحة كورونا في مدينة ووهان الصينية حيث سقط آلاف القتلى وعشرات آلاف الاصابات. وتقول الرواية الأميركية أنّ الصين تخفي أعداد قتلى فاقوا الأربعين الفاً في ووهان وملايين الاصابات. كما انه مُتفشٍ بمقدار كبير، كما يقول الاتهام الأميركي، في معظم المدن الصينية ومواقع الانتاج فيها.

اما الاتهام الإميركي الثاني فيشكل احتياطاً للاستعمال في حالة فشل الاتهام بالتصنيع، ويتحدث عن انتشار الفيروس في مدينة ووهان لكن الدولة الصينية حاولت التكتم عليه اعتقاداً منها بقدرتها على مكافحته، لكنها فشلت ما أدى الى انتقال كورونا الى بلدان اخرى من العالم، ومنها نيويورك التي تفشّت فيها مئات آلاف الاصابات بين قتيل ومصاب.

هذا ما تروّج له الدولة الأميركية على ألسنة رئيسها ومعظم المسؤولين فيها. فأين يوجد المكمن؟

يقول الإعلام الأميركي انّ البيت الابيض في صدد إعداد بنية قانونية تتيح لذوي المصابين من الجائحة الادّعاء على الصين بتهم قتل أنسبائهم او اصابتهم، وهذا يؤدي في القانون الأميركي الى مئات آلاف الدعاوى والاحكام بمليارات الدولارات غير القابلة للتحصيل. بما يجعل السلع الصينية الواردة الى الاسواق الاميركية أهدافاً للحجز لدى القضاء الأميركي.

وقد يطلب الأميركيون من المؤسسات القضائية في البلدان المتحالفة معهم، حجز السلع الصينية حتى تحصيل الحقوق الأميركية.

ألا يؤدي هذا الاهتمام القانوني الأميركي الى تقليص الاسواق العالمية امام السلع الصينية؟

هناك عناصر اخرى يرتبط بها الاعلام الغربي بجناحيه الأميركي والأوروبي بين جائحة كورونا وبين إمكانية تفشي أوبئة أخرى في السلع الصينية المخصّصة للتصدير، وذلك ربطاً ببعض انواع الغذاء الصيني المعتمد على استهلاك الحشرات والجراذين والسحالي، والوطاويط.

تكفي هذه الشائعات للاساءة الى السلعة الصينية على مستوى التصدير، خصوصاً مع برامج لإعلام غربي قوي جداً ومتمكّن يقلّده كثير من محطات التلفزة في الشرق الاوسط وافريقيا واستراليا وجنوب شرق آسيا واليابان، ويستفيد منها كل متضرر من التقدم الصيني في الهند وباكستان واليابان.

هذا هو المكمن الذي تستعجل الدولة الأميركية العميقة نصبه للاقتصاد الصيني، في محاولة اخيرة لتسديد ضربة نوعية لسرعته في الزحف نحو الزعامة الاقتصادية.

في أي حال يتبيّن انّ هذا المكمن هو من المصادفات السعيدة التي تتقاطع مع الانتخابات الرئاسية الأميركية المرتقبة في تشرين الثاني المقبل، ما يجعل الرئيس الأميركي ترامب متحفّزاً للمساهمة الكبيرة في تمتين المكمن المنصوب، في مسعى لتبرئة إدارته من الاتهامات الموجهة اليها في مجابهة كورونا، وهذا امر اساسي يراهن عليه ترامب للفوز بالانتخابات لولاية رئاسية جديدة.

هل ينجح المكمن الأميركي؟

قد يُسيء نسبياً الى السلعة الصينية لكنه لن يوقف عودتها الى اجتياح اكبر للسوق العالمي، إنما بعد انكشاف سطحية الاتهامات الأميركية وأوّلها ازدياد الفقر في العالم بعد مرحلة كورونا وإصرار الصين على تعميق حلفها مع روسيا، وهذان سببان كافيان لدفع النظام العالمي نحو ثنائية قطبية لن تستطيع تجاهل الدور الروسي في العالم.

المصدر: موقع “MTV” اللبناني

المادة تعكس وجهة نظر كاتبها وليس لها بالضرورة أن تعبر عن وجهة نظر الموقع

شاهد أيضاً

ما مصلحة السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *