ثقافة العولمة أم عولمة الثقافة في زمن “كورونا ؟؟..

وجهة نظر
————
بقلم الصديق عماد طحينة 

ثقافة العولمة أم عولمة الثقافة في زمن “كورونا”؟؟..

أضحت العولمة في زمن انتشار فيروس كورونا واقعاً حتمياً… فها هي الظاهرة التي كانت تشكّل مصدر خوفٍ للعديد من شعوب العالم، تتجسد اليوم في كل أشكالها ومستوياتها فكراً وممارسةً…

فيما يتعلق بالعولمة الاقتصادية فالأمر مفروغ منه… فمع بدايات انتشار الفيروس القاتل اهتزت المؤشرات الحمراء على لوحات أسواق المال العالمية والمحلية، وتهاوت أسعار النفط العالمية، وتوقفت المشاريع الاقتصادية الكبرى (أو جرى تأجيلها)، ودخلت الاقتصادات المحلية، ومعها الاقتصاد العالمي، في دوامة التراجع والكساد… وهذا ليس موضوع نقاشنا…

العالميات 

ما أود التحدث عنه هو العولمة الثقافية في عصر جنون كورونا…
تنوعت آراء العلماء والفلاسفة في تعريفهم للثقافة، وهنا لا أود أن أقتبس أياً من الآراء تلك، وإنما سأكتفي بكلمات عبَّرت فيها عن رؤيتي المبسطة لمفهوم الثقافة، وهي بطاقة تعريف لترجمتي العربية لكتاب “تاريخ الثقافة العالمية” الصادر في العام 2014 عن “مشروع كلمة” بهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة: “تعدُّ الثقافة ذلك الوعاء الذي يصب فيه أفراد أي أمة عصارة فكرهم وجهدهم، وتمثل الإنجازات الثقافية الكنز الأمثل والأكثر ديمومة وحيوية في تاريخ الأمم، وهي أسلوب الحياة الذي يتشربه الأفراد منذ ولادتهم عاداتٍ وتقاليد وإبداعاً، وينقلونه من جيل إلى آخر، ومن هنا تأتي مفاهيم “الهوية الثقافة” والتفرد الثقافي و”تنوع الثقافات”.
إذن، بما أن الثقافة هي تجسيد لمحتوى فكر الإنسان، فهي متغيرة بمجرد تغير هذا الفكر… لكن الثقافة في عصر انتشار كورونا استطاعت أن تقحم إلى عناصر الثقافة الثلاثة، العموميات والخصوصيات والبدائل والمتغيرات، عنصراً ثالثاً غطى على تلك العناصر الثلاثة، هو “العالميات”.
العموميّات تعرف بالعناصر التي يشترك فيها أفراد مجتمع بعينه، من لغة ودين وقيم؛
والخصوصيّات هي العناصر التي تشترك فيها مجموعة معينة من أفراد المجتمع، مهنية كانت أو طبقية؛
والبدائل والمتغيرات هي العناصر التي تظهر حديثاً، فيتبناها المجتمع أو يتركها.


استوعب عنصر “العالميات” عناصر الثقافة الرئيسية الثلاثة، وبغضون أيام قليلة أصبح المهيمن… فالمتتبع لشبكات التواصل الاجتماعي في هذه الأيام، يدرك حقيقة أن عنصر “عالميات الثقافة” لم يترك لإنسان، أو لمجتمع، خيار لأن يتبنى أو يترك، وأن كوكبنا المسكين أصبح بالفعل قريةً صغيرةً، متماثلةً ببيوتها وشوارعها وسكانها، وأن النمط السلوكي لسكان كوكبنا أصبح موحَّداً، وأن طرق التعبير عن حالة الخوف التي يمرّون بها موحدة، ولا تتباين إلا بتباين الأدوات اللغوية التي يستخدمها الناس في هذا البلد أو ذاك…

الشيء الذي لفت انتباهي على صفحات الانترنت هو تشابه، بل تماثل، ثقافة الناس في التعامل مع الكارثة… فخلال تصفحي للأخبار والمنشورات على المواقع الإلكترونية، باللغات التي أعرفها بدرجة أو بأخرى (العربية والروسية والإنكليزية والألمانية)، أدركت أن الفكر الإنساني أصبح موحداً، وشعرت بأن ما يُكتب ويُنشر هو بلغة موحدة، لغة الإنسان، ويُترجم إلى اللغات التي نعرفها… حتى أنني عندما أشاهد أخبار الكورونا على شاشة التلفاز، يترسخ لدي ذلك الشعور… فمبا أن الثقافة تتعلق حتماً بسلوك الإنسان، والناس في زمن كورونا أصبحوا بسلوكهم موحدين و”متماثلين”، أصبحت الثقافة العالية موحدة أيضاً…

لن “أفلسف” الأمور… بل سأقوم باستعراض أمثلة سريعة:
– ثقافة “اللباس الموحد” التي فرضها الفيروس على الناس في شتى بلدان العالم؛
– ثقافة الشراء وتهافت الناس على اقتناء المواد التي يرونها مناسبة لمثل هذه الأزمات، حتى أصبحت السلع المفقودة في أسواق بل ما، هي نفسها المفقودة في أسواق بلدٍ آخر؛
– ثقافة التعبير التي يجسدها الناس في كتاباتهم ورسومهم، وحتى في “نكاتهم”؛

– ثقافة اللجوء إلى الخالق بعد أن استنفذ الناس الوسائل الدنيوية للتغلب على الكارثة. وفي هذا السياق يتوحد الناس أيضاً، والمثال الجلي على ذلك هو التصريح الذي ينسب إلى رئيس الوزراء الإيطالي: “انتهت حلول الأرض والأمر متروك للسماء”؛

– ثقافة التشجيع والتعاضد لمواجهة المحنة، فالأهازيج والأغاني الجماعية التي نسمعها ونشاهدها في العديد من البلدان، تذكرنا بالدحية أو الدحة في بلداننا العربية التي يلجأ إليها الناس لإثارة الحماسة فيما بينهم لمواجهة الخطر.
هل هي “عالمية الثقافة”؟

أم هي “العموميات المعولمة للثقافة” التي خرجت عن حدود مجتمع بعينه، لتغطي خطوط الطول والعرض على كوكبنا؟
ولو بسطنا العرض، فإننا نقصد أن فايروس كورونا على الرغم من أنه كرَّس وأغلق الحدود الإقليمية بين الدول، بل وبين المدن في البلد الواحد، وحتى بين الأحياء في المدينة الواحدة، إلا أنه في الوقت ذاته تمكَّن من أن يصهر شعوب الأرض، على تباين ثقافاتها، في ثقافة موحَّدة، هي ثقافة عصر كورونا…
على الرغم من هذه الثقافة العالمية الموحدة، يلتزم “زعماء” وساسة العديد من البلدان “ثقافة التعتيم”، فهم منفصلون عن الواقع… يتكتمون على عدد المصابين بالفيروس في بلدانهم، كما تكتموا على عدد ضحايا “فايروساتهم” ومعتقليهم….

البوست منشور بموافقة الصديق والزميل عماد طحينة مشكوراً …ننشره كوجهة نظر كما أسماه الصديق عماد …والموقع يضع نفسه بتصرف جميع الأصدقاء والزملاء لنشر مساهماتهم السياسية والفكرية والثقافية والاقتصادية 

شاهد أيضاً

أمريكا وضياع بوصلتها في رمال الشرق الأوسط المتحركة

د. عبد الله خليفة الشايجي استاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت (بتصرف) منذ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *