أمريكا وضياع بوصلتها في رمال الشرق الأوسط المتحركة

د. عبد الله خليفة الشايجي

استاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت

(بتصرف)

منذ إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما ـ الاستدارة نحو آسيا عام 2012 ـ بعيداً عن حروب أمريكا الدائمة والمستمرة في الشرق الأوسط وحروب الرئيس بوش الابن الاستباقية ضمن الحرب العالمية على الإرهاب ـ وخاصة حربي واحتلال كل من أفغانستان والعراق، ليطالب الرئيس ترامب بإنهاء حروب أمريكا الدائمة في الشرق الأوسط التي ملها الأمريكيون إدارة وشعباً، واستنزفت قدرات الولايات المتحدة، واستفزت الحلفاء في المنطقة بسبب الانحياز والصلف الأمريكي.
واضح لم يعد هدف إسرائيل القضاء على حماس فقط، ولكن تحقيق الحلم القديم بترحيل سكان غزة إلى سيناء وتدميرها على رؤوس سكانها المنهكين والمحاصرين، وقطع إمدادات الماء والكهرباء والإنترنت ومنع دخول الفيول والغذاء والدواء، هذا  تكرر أمريكا وقوفها ودعمها الكامل لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها!

تبدو إدارة بايدن تائهة ومنحازة مع الأوروبيين لإسرائيل بلا مواربة أو تحفظ، ما يزيد من حجم النقمة على الولايات المتحدة من شعوب ودول المنطقة.وأصبحت، فعليا وعمليا، منغمسة في حرب غزة، بعد إعلان البيت الأبيض مقتل 24 أمريكياً مزدوجي الجنسية ومواطنين أمريكيين وخطف وأسر حماس 17 أمريكياً آخر.
تبدو إدارة بايدن تائهة ومنحازة مع الأوروبيين لإسرائيل بلا مواربة أو تحفظ، ما يزيد من حجم النقمة على الولايات المتحدة من شعوب ودول المنطقة.

مسار التطبيع العربي – الإسرائيلي
من الواضح أن مجازر إسرائيل  نسفت أي أفق للحل السياسي وفرملت التطبيع العربي مع إسرائيل وجمدت خطوات التطبيع مع السعودية قبل نهاية العام ليسوقه بايدن كإنجاز تاريخي في حملته الانتخابية للرئاسة القادمة. وكذلك أن تجميد إدارة بايدن أرصدة إيران (6 مليارات دولار) التي تحولت من كوريا الجنوبية إلى بنوك قطرية ـ يعيق التهدئة مع إيران.
مجمل ذلك يزيد كراهية إسرائيل في الشارع العربي، بوصفها وحشاً لا يشبع من دماء الأبرياء ومن حكومة أقصى اليمين المتطرفة. تمثل الغضب الشعبي العربي ـ بالتظاهرات والحشود الغاضبة في عدة عواصم عربية.
الاصطفاف الأمريكي مع إسرائيل هو جزء من فقدان السياسة الأمريكية بوصلة واقعية وعقلانية قراراتها تجاه قضايا وأزمات الشرق الأوسط، ما يعمق تراجع ثقة الحلفاء بالولايات المتحدة الأمريكية لتناقض مواقفها.

 وفيما تبقى استراتيجيتها في الصراع العربي ـ الإسرائيلي ـ حل الدولتين، تحول لشعار ينسفه سلوك إسرائيل بالقمع والقتل والحروب والتنكيل والتهجير وتوسع سرطان الاستيطان، دون أي ضغط وانتقاد أمريكي لسلوك إسرائيل المشين، بل تفهّم واصطفاف ودعم. وفي المقلب الآخر تريد الولايات المتحدة خفض وجودها العسكري في الشرق الأوسط والخليج لتولي أهمية أكبر لمواجهة الصين وهزيمة روسيا استراتيجياً في أوكرانيا وأوروبا. لكن تعود أزمات وحروب الشرق الأوسط لتجذب أمريكا للمنطقة، بزيادة عديد قواتها وأسطولها البحري ومعداتها لمواجهة التهديدات، لتغرق أمريكا مجدداً في رمال الشرق الأوسط المتحركة وتفضح تناقضات وضياع بوصلتها!

شاهد أيضاً

ماذا بعد الانبهار بـ”حمـ.ـاس” والانهيار في إسـ.ـرائىل… مَن يمسك بزمام المبادرة ومَن يخشى الانزلاق؟

في حال اضطرت إدارة بايدن إليها – أن تثبت جديّة الخيارات العسكرية. هناك في سوريا يمكن قطع الطريق على برنامج إيران الإقليمي للامتداد من إيران إلى العراق وسوريا وإلى لبنان على الحدود مع إسرائيل وعلى البحر المتوسط. وهناك في سوريا يمكن للوسائل العسكرية الأميركية والأوروبية إسقاط الرئيس السوري الحليف لإيران، بشار الأسد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *