تصريحات أردوغان الأخيرة تضع المنطقة على صفيح ساخن

بقلم رئيس التحرير

تنذر التصريحات النارية التي أطلق سهامها يوم أمس الأول الأربعاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بمرحلة تبدو مؤشراتها خطيرة جداً على العالم عامة و منطقتنا على وجه الخصوص، وتعيد رسم معالم طريق جديدة ومهمة في مسار الصراع السوري المعقد والمتشابك داخلياً وإقليمياً ودولياً، إذ جاءت هذه التصريحات لتكشف تعقيدات ومفاعيل الوضع السوري وتحولاته من ثورة شعب تواق للحرية والكرامة إلى كما لو أنه اقتتال بين أبناء البلد الواحد ومن ثم إلى صراع دولي إن تفاقم وتعمق أودى بالمنطقة بإكملها إلى حرب لاتحسب عقباها.
وما يزيد من تعقيد الوضع سوءاً أن الجانب الروسي ليس قادراً حتى اللحظة كما هو جلي أمامنا على أن يتخذ الموقف الصحيح بما يعطي ويعيد لموسكو مكانتها كدولة كانت في يوم ما جزءاً من دولة عظمى اسمها( الاتحاد السوفييتي )، ويمكنه بالتالي من أن يتسامى ويتخذ القرار السياسي الصائب في هذه البقعة الجغرافية القلقة، ورغم تمكنه عبر قوته العسكرية، أن يعيد سيطرة نظام الأسد على أكثر من نصف مساحة سورية على الأقل جغرافياً، إلا أنه يسعى لابتلاع كامل الجغرافية، سيما وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يمارس دوره كرجل دولة، بل يمارس غطرسة شخصية وبلطجة مافيوية، ومن يدقق في المصطلح الذي خرجوا علينا به وأعني بذلك “مناطق خفض التصعيد” وما رافقها من عمليات ترحيل مبرمجة وممنهجة للثوار بينهم شيوخ ونساء وأطفال من مناطق مختلفة وحشرهم في بقعة جغرافية معينة في الشمال السوري، يدرك تماماً أن الخطة مدبرة ومعدة مسبقاً تهدف لإنهاء الثورة والقضاء على ثوارها، وصولاً إلى قضم كامل الجغرافية، كي يتمكن الروسي من فرض إجنداته على كامل التراب السوري، وفي حساباته محاصرة الأميركي والدخول في مساومة معه، لكن ثمة سؤال مفاده: هل كان بوتين يعتقد أنه بعد أربع سنوات ويزيد من خوضه الحرب وانتهاجه سياسة الأرض المحروقة..أن يواجه بالمحصلة بموقف تركي متشدد وأميركي داعم صلب لهذا الحد….؟ !!!.

يبقى السؤال هنا إلى ما يهدف بوتين من وراء هذه الغطرسة المافيوية. في معرض الإجابة على هذا السؤال، بإمكاننا القول أنه يريد تحقيق ثلاثة أهداف في غاية الأهمية وهي:

1- التحكم بالموقع الجغرافي لسورية بما يمنحه ورقة ضغط وذراع قوية في المنطقة الدافئة.

2- السعي لامتلاك أوراق ضغط لتوظيفها في مبادلات وملفات سياسة بمناطق أخرى على سبيل المثال أوكرانيا والقرم.

3-عدم خسارة المعركة التي يخوضها مقحماً نفسه وبلده فيها، بما أن ذلك سيقود إلى خسارته سياسياً واقتصادياً( وخاصة خطوط الغاز ..)، وتفادياً للخسارة من وجهة نظره لن يتحقق له ذلك إلا بفرض سيطرته كاملة على الجغرافية السورية، ويغفل بوتين بذلك  مسألة في غاية الأهمية ألا وهي أن تحقيق هذا الأمر يتطلب محاصرة وتطويق الأميركي ودفعه لسحب قواته من المنطقة، وبتقديري أن الروسي أعجز من أن يستطيع تحقيق ذلك .

وبالعودة إلى ما بدأنا به نطرح السؤال التالي مفاده: هل بلع التركي الطعم المعلق في الصنارة وبات سهل الاصطياد؟
ندرك تماماً ويدرك ذلك التركي أيضاً أن اتفاقات سوتشي وأستانه ما هي في الحقيقة إلا سوى لعبة من الروس، هدفت في النهاية إلى تجميع الثوار السوريين في إدلب، ومن ثم القضاء عليهم هناك، كي تصبح عملية سقوط إدلب بيد النظام السوري أمراً لا مفر منه.

يبدو أن التركي كان قد قبل ما يسمى بـ “مناطق خفض التصعيد” على حدوده الجنوبية، مقابل أن تترك له حرية التصرف بحلب وإدلب؛ إلا أن الأمور سارت بعكس ما أتفق عليه أو على عكس ما كان يعتقده، ووصلت الأمور لمرحلة يمكن توصيفها بـ “الحالة الصفرية”، بحيث تنبه التركي أن في الأمر نوع من الضحك على اللحى من قبل الجانب الروسي، لذلك ذهب للتصعيد، كونه لا يقبل المساس بإمنه القومي والتخلي عن الحدود الجنوبية لمن يعبث بها، خاصة وأنه يعي أبعاد الحالة القلقة في سورية، ويدرك أيضاً أنه هناك حد وطني للدول التي تحترم نفسها، وليس بمقدورها التخلي عن هذا الحد؛ في هذا السياق جاءت تصريحات أردوغان الأخيرة، لا سيما وأن الجانب الروسي وضع الشريك التركي في سوتشي وأستانه أمام خيارين أحلاهما مر وهما ، إما الألتزام بسوتشي ومخرجاتها أو أن الحرب واقعة لا محالة.

في الحقيقة إننا قادمون على أيام صعبة، وما تصريحات اردغان هذه إلا أن تقود إلى حالة من التصادم بين أطراف سوتشي واستانه، فهل سيرضى الروسي بإبتلاع الضربة غير الموجعة التي تلقاها من أردوغان عبر هذه التصريحات النارية غير المتوقعة، إلا أنه من الصعب على بوتين القبول بذلك، كونه يعتبر الأمر إهانة لشخصيته وتمريغ أنفه بالتراب، وبالتالي ستضاعف من خسارته وتنعكس على إخفاق طموحاته.  ليس في سورية والمنطقة فحسب، بل قد يمتد الأمر إلى ساحات أخرى…قادم الأيام كفيل بكشف ما ذهبنا إليه.
 يبقى المهم والأهم ماذا عنا نحن السوريين ..؟؟!!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *