نظام الأسد بين مِطرقة لاهاي وسَندان بروكسل

كتب د. باسل معرواي لـ”سوريتنا”

إن كان في نِيّة واشنطن إيجاد حَلّ للقضية السورية بالتعاون مع موسكو، فقد إنتهى ذلك عملياً عندما حاول الروس الإنقلاب على كُلّ التفاهمات المعلنة وغير المعلنه معهم، وساروا بمنحى حسم القضية عسكرياً وخلق أمراً واقعاً على الأرض سَيُتحتّم على الجميع القبول به ولو على مضض…

أفشل الأميركان المسعى الروسي وتموضعوا عسكرياً شرق الفرات وحالوا دون تحقيق نصر عسكري روسي يتبعه حل سياسي تُفصّله موسكو على مقاس لحليفها الأسد ولحرمان الروس من تَثْمير نجاحهم العسكري إلى مكاسب سياسية وإقتصادية فأصدروا قانون قيصر وأتبعوه بضغوطات على الأصدقاء لمنع التطبيع السياسي مع نظام الأسد.
حاول الروس بعد أن نجحوا بإجتذاب الأتراك إلى صفّهم والتخادم معهم وتبادل المنافع من السير بمسارات سياسية بديلة لفرض حل سياسي روسي … وكان الفشل حليفهم للمرة الثانية، ورغم أن مسار استانة وتفاهمات سوتشي حققا لهم كل أهدافهما، ولكن لم تُحقّقا أي حل سياسي للإنقلاب على الحل الأممي الذي تتمسك به واشنطن وحلفاؤها الغربيون وفق القرار الدولي 2254..
لكن ماكان يُعيب واشنطن الكلام الدائم عن ضرورة إستناد أي حل سياسي للقضية السورية للقرلر الدولي …وينتهي القول والفعل…إذ لم تُقدّم واشنطن أي مبادرة حقيقية لحل القضية السورية وكانت تكتفِ بالتعطيل لأي مبادرة وبالواقع كانت مصالحها تقتضي إدارة الأزمة وليس حلّها أو حتى حلحلتها وتَرْك سورية ساحةً مفتوحةً للمساومات بالملفات الإقليمية بل كان بإمكان واشنطن تطبيق سياسة الثواب والعقاب للأطراف المُتدخّلة بالشأن السوري نظراً لإمتلاكها قدرات هائلة في التأثير
وكانت واشنطن لاتُخفِ سياستها إزاء سورية وتؤكد على مقاربة إنسانية للملف بِرمّته إلى جانب خفض التصعيد وعدم إندلاع معارك كبرى تساهم في زيادة معاناة السوريين وكان حرصها على تجميد الصراع وخطوط القتال إلى حين بروز معطيات وظروف دولية وإقليمية جديدة…
لكن بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وقطع شعرة معاوية بين الروس والأميركان بحيث لم يعد التفاهم ممكناً ولا بأي ملف وفعلياً دخل البلدان بحالة حرب معلنة…وتحول الملف السوري إلى ملف صراع بينهما في ظل رغبة كل واحد منهما في تسجيل نقاط على الآخر وتخسيره خارجياً وإستراتيجياً….
وتحاول روسيا الضغط على واشنطن في سورية عبر إستمالة الأتراك لصفّها وإنجاز المسار الرباعي والذي جوهره مصالحة بين أنقرة ودمشق تتيح للدول الأربعة (روسيا…إيران…تركيا…نظام الأسد) الضغط على الوجود الأميركي والتضييق عليه تمهيداً لإنسحاب عسكري أميركي من شرق الفرات
بالمقابل لا تَكفّ الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيون المنخرطون بقوة بالصراع مع روسيا في أوكرانيا من شيطنة الرئيس الروسي وجيشه دولياً والولوج من البوابة السورية حيث إرتكبت روسيا الكثير من جرائم الحرب ودعمت بكل قوة الأسد بكل أعماله وإرتكاباته …وحرصاً من واشنطن وحلفاءها على تحريك الملف السوري سياسياً لكن من أبواب مختلفة…تَقدّمت كلاً من هولندا وكندا بشكوى إلى محكمة العدل الدولية تتهم النظام السوري بإرتكاب عمليات تعذيب ممنهجة بحق المدنيين، وبما يخالف كل القوانين الدولية والأعراف الإنسانية مع أن محكمة العدل الدولية ليست صاحبة إختصاص حيث هي إحدى المنصات القانونية للأمم المتحدة والتي تَنْظر في الخلافات بين الدول الأعضاء..ومع أنّ نظام الأسد وقّع على ميثاق المحكمة عام 2004 ولم يُوقّع على معاهدة إنشاء محكمة الجنايات الدولية والتي من الصعب تقديم شكوى ضده أمامها…كان طريق لاهاي القانوني والذي سيستغرق سنين لإتمام أصول التقاضي وتحضير الأدلة والشهود وما إلى ذلك من إجراءات ..والمهم الآن إستثمار الحدث سياسياً وتجميع الأوراق بوجه من يحاول التطبيع مع الأسد لإحراجه وإفراغ محتوى أي تطبيع من قيمته لمن نال ذُلّ التطبيع مع الأسد والمقصود هنا بدرجة كبيرة كلٍ من المملكة العربية السعودية وتركيا ومن تُسوّل له نفسه بتحدي الإرادة الغربية
أيضا تَحوّل مؤتمر بروكسل الذي يعقده الاتحاد الأوروبي دورياً كل عام لدعم الشعب السوري والمجتمعات المضيفة له في الخارج بنسخته السابعة إلى تظاهرة سياسية واضحة ..فدونما عن تقديم المساعدات المقررة للشعب السوري والبالغة 1.6 مليار يورو لهذا العام…حيث كان واضحا عدم توجيه الدعوة لأيّ حضور رسمي لنظام الأسد…مع الإصرار على ضرورة إبقاء المعابر الحدودية مفتوحة لدخول المساعدات لمستحقيها والتمديد لعام جديد قادم لآلية إدخال تلك المساعدات في مجلس الأمن، وذلك تهديد لعدوهم الروسي إذ أنهم إجتمعوا وجمعوا المساعدات وسيدخلونها سواء رضي الروس أم لم يرضوا، حيث من المقرر التصويت على آلية إدخال المساعدات الأممية في مجلس الأمن الشهر المقبل …وكانت كل تصريحات جوزيف بوريل (الذي يعد بمثابة وزير خارجية الاتحاد الأوروبي) كلها مُنصبّة على التأكيد على السياسة الأوروبية المعلنة برفض التطبيع مع نظام الأسد بل والعتب على كل من قام بذلك وإعتبار ذلك خطأً فادحاً…لإنه تمّ خارج مظلة القرار الدولي 2254 الناظم للحل السوري
لذلك بين لاهاي وبروكسل يتمّ شد الحبل حول عنق الأسد في موقف ثابت وواضح بأن الأسد بالنسبة للمجموعة الغربية لم يعد شريكاً بأي شكل من الأشكال في مستقبل سورية السياسي .

شاهد أيضاً

ما مصلحة السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *