أين نحن من الصراع الإقليمي والدولي شرق الفرات؟

كتب د. باسل معرواي

مهما تكن الأسباب أو الأهداف فقد بات المحور الإيراني أمراً واقعاً على الأرض.. ما تَمّ التحذير منه في بدايات الألفية الجديدة من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ودَقّه ناقوس الخطر لملامح تَشكّل هلال شيعي في الجزء العربي من الشرق الأوسط بات ممكناً خاصةً بعد أن هدم الأميركان الجدار الشرقي العراقي الذي كان يقف حائلاً دون الفيضان الإيراني المُدمّر.

ولكن بعد أن قُضيَ الأمر وأصبح لإيران إطلالة على قلب العالم (البحر الابيض المتوسط).. يُمكن أن نُعزي أسباب ذلك لعدم وجود مشروع عربي يقاوم هذا التمدّد و(أو) تخادم أميركي إسرائيلي وتوظيف المشروع الفارسي المذهبي لخدمة أجنداتهم، فقد بات أمراً مسلماً به أنّ إيران باتت تُطلّ على البحار الأربعة، بحر قزوين والخليج العربي ومضيق هرمز الحيوي و البحر الأحمر ومضيقه الأكثر حيوية واهمية من السابق (مضيق باب المندب) مع امتلاك الساحل السوري اللبناني على البحر الأبيض المتوسط.

ونظراً لامتلاك إيران المضيقان البحريان المهمان (هرمز وباب المندب) كان لابد وأن تستكمل عملية ربط محور إيران الإقليمي جغرافياً، فقد كان الهدف الإيراني يَتركّز على معبر البوكمال السوري الذي يربط بلاد الشام مع بلاد الرافدين، وكان كل جهد الحرس الثوري مُمثلاً بفيلق القدس وقائده المقتول قاسم سليماني يتركّز في السيطرة على هذا المعبر.

تَمّ التخادم الإيراني مع القوتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي في تقاسم المناطق التي استولى عليها تنظيم “داعش” بحيث تمّ رسم الخرائط وتقاسم النفوذ فاكتفى الأميركان وحلفاؤهم المحليون بشرق الفرات مُفضّلين النفط والثروات الأخرى، في حين احتل الروس والإيرانيون غرب الفرات بما فيها مدينة البوكمال، وبذلك تأمن معبر هرمز البري بين الشام والعراق وتَحقّق أهمّ الأهداف الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة.

وبما أن الأميركان يحسبون حسابات المستقبل حيث سيأتي يوم ليس ببعيد تنتهي فيه المصالح (أو تتغير) التي أدّت لرسم الخرائط المؤقتة فقد عملوا على إبقاء الشريان البري الإيراني بين فكّي كمّاشة.

الفكّ الأول هو التمركز الأميركي في منطقة حيوية، وهي نقطة التقاء الحدود العراقية السورية الأردنية في منطقة التنف، والفكّ الثاني الواقع على بعد مئات الأمتار من منطقة تواجد القوات الأميركية شمال غرب البوكمال في نقطة الباغوز السورية آخر معاقل داعش في سورية.

ومن المعروف أنّ الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة لا تُخفي أهدافها بإخراج القوات الأميركية من منطقة غرب آسيا كُلها (كما تَرِدْ تسميتها بالخطاب الإيراني) وبالطبع التواجد الأميركي في شرق الفرات أضعف مناطق التواجد الأميركي في الإقليم، حيث بخروج الأميركان من المنطقة يصفو الأمر لها.

إن ما نفذته ميليشيا الحرس الثوري ممثلة بالحشد الشعبي العراقي من عمليات كر وفر، الأمر الذي جعل الوجود الأميركي في العراق مكلفاً مادياً وبشرياً، وأدّت بالنتيجة إلى انسحاب للجيش الأميركي من العراق عام 2011 وإبرام اتفاق إطار استراتيجي مع الحكومة العراقية بإبقاء بعض القواعد العسكرية والمستشارين لتدريب القوات العراقية النظامية.

وبالتالي أخذ الأميركان درساً قاسياً بعد الدرس الفيتنامي خلال حربي العراق وأفغانستان، آخذين في حسبانهم عدم التدخل مباشرة على الأرض، بل بواسطة حليف محلي تَجنّباً لتورّط مباشر ووقوع خسائر بشرية أميركية، وبذلك النهج حاربت الولايات المتحدة تنظيم داعش في سورية والعراق عبر حلفاء محليين على الأرض تَحمّلوا عبء الخسائر البشرية، فيما اقتصرت المشاركة الأميركي على التغطية الجوية عبر الدعم التقني واللوجستي والاستخباراتي.

ولأسباب عديدة منها نضوج المشروع الإيراني بالإقليم وانتقاله لمرحلة تثبيت أركانه، وعدم إمكانية تحقيق ذلك إلا بترك الأميركان للمنطقة، وإخفاق مفاوضات العودة للاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة، ورغبة إيران في وراثة الدور الروسي في سورية والسيطرة عليها منفردةً دون منافس.

بالمقابل يرى الأميركان أنّ قطع التواصل البري لمحور إيران الإقليمي، يَشلّ قدرة الحرس الثوري الإيراني على خوض معركة حقيقية خارج إيران، كما أنّ التحالف الروسي/الإيراني الذي تَمظهر عسكرياً في الحرب الأوكرانية/الروسية سيعمل على تحقيق نصر عسكري على الولايات المتحدة خارج أوكرانيا، وبالتالي كانت تسريبات الـ “واشنطن بوست” عن مصادر استخباراتية أميركية مؤخراً بزج اسم روسيا في مخطط بالتعاون مع الميليشيا الإيرانية في سورية باستعمال القوة المميتة ضد الأرتال الأميركية لإيقاع خسائر بشرية فيهم عبر تدريب عناصر تلك الميليشيا على استخدام تقنيات متطورة للدرونات إضافةً إلى عبوات متفجرة ضخمة تُوضع على خط مسير المدرعات الأميركية.

تلك التهديدات الإيرانية الحقيقية استدعت من القوات الأميركية إرسال المزيد من شحنات الأسلحة وخاصةً النوعية منها كمنظومات راجمات الصواريخ “هايمرس” وتمركزها في مناطق دير الزور، إضافةً لتكثيف الاتصالات مع القوات والقبائل العربية سواء المتعاونة مع “قسد” (كالاتصالات الأخيرة مع ميليشيا الصناديد التي تتبع لقبيلة شمر) أو تفعيل الاتصالات مع لواء ثوار الرقة (العربي)، أو بإجراء تغييرات هيكلية وتدريبات نوعية لـ”جيش سورية الحرة” في التنف، والرغبة بإجراء تعاون لها مع القوات شرق الفرات.

ومن المعروف أنه يوجد تفاهم ضمني وغير معلن بين القوات الأميركية و “قسد” على عدم استعداد الأخيرة لقتال الميليشيات ذات التبعية الإيرانية، وبالتالي تحتاج القوات الأميركية للدفاع عن مناطق نفوذها أمام الميليشيات الايرانية إلى قوات عربية، وتحتاج لتلك القوات أكثر فيما لو خرج السر المعلن إلى حيز التطبيق العملي على الأرض وهو إغلاق معبر البوكمال البري في وجه الميليشيا ذات التبعية الإيرانية عبر وصل منطقتي التنف مع مناطق النفوذ الأميركي في دير الزور.

بالتأكيد تستفيد الإدارة الأميركية من تسريبات السر المعلن وتُوظّفه في إطار الضغط على القيادة الإيرانية بالمحاولات الأخيرة للوصول لتفاهم نووي معها، ولكن لا تكفي التسريبات الإعلامية فلابد من وجود حركة على الأرض تشي بذلك.

ولن تستطيع القوات الأميركية القيام بتأمين القوات البرية اللازمة لذلك إلا عبر تجنيد قوات من الجيش الوطني السوري الموجود في الشمال الغربي الآن في مناطق النفوذ التركي.

وقد يكون عدد 5000 جندي يذهبون للتنف ومثلهم إلى منطقة دير الزور وتكون غالبيتهم من أبناء المنطقة بحيث يكون هدفهم النهائي تحرير مناطقهم من الاحتلال الإيراني مع ما ينتج عنه من تغيير لميزان القوى كله على الأرض السورية، الأمر الذي ينعكس إيجاباً بالوصول لحل سياسي يبدأ من رحيل نظام الأسد المجرم.

وتَتَردّد بعض التكهنات ومعلومات محلية أنه من الممكن أن تكون الولايات المتحدة طلبت هذا العدد من الدولة التركية وأنّ الأخيرة رفضت أو تَريّثت للحصول على ثمن ذلك، ومن المرجح حينها رفع الفيتو عن مناطق بعينها تخضع للنفوذ الأميركي، حيث كانت أنقرة قد طلبت السماح لها بشن عملية عسكرية قد تكون عين العرب ومنبج وعين عيسى ووصل منطقتي نبع السلام ودرع الفرات ثمناً يُغري أنقرة بالموافقة على إرسال المقاتلين ومن دون المشاركة من قبلها بأي جهد عسكري في عملية التحالف الدولي والتي ستكون كسيناريو طرد “داعش” من المناطق التي وصل إليها جهد جوي وتسليحي واستخباراتي وقوات محلية حليفة على الأرض تُمسك بها بعد تطهيرها من فلول الميليشيات.

إن ما يتوجب على السوريين عمله هو عدم تفويت تلك الفرصة حيث تتقاطع مصالحهم مع مصالح الولايات المتحدة وكل الدول الراغبة بتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة عموماً، وعدم القتال فقط لتحقيق أجندة الآخرين بل القتال لتحقيق أجندة سورية والاشتراط للمشاركة بالعملية وتأييدها وإعطائها المشروعية السورية الوطنية الشعبية هو أخذ تعهدات مكتوبة بأن تكون الخطوة التالية لطرد الميليشيا الإيرانية هو العمل على تطبيق القرار الدولي 2254 بنصوصه وتفسيراته الحقيقية، وتحقيق الانتقال السياسي حيث تكون عندها قد أزيلت العقبتان الرئيسيتان من طريقه وهما أفول الاحتلال الروسي وطرد الميليشيا الإيرانية، ولا علاقة للقوات السورية التي ساهمت بطرد الإيرانيين من وطنها بقتالهم بأماكن أخرى كلبنان والعراق (فيما إذا كانت توجد خطط لذلك) حيث تضم تلك البلدان آلاف الشباب الراغبين بذلك.

لن يَتمكّن أحد من طرد الاحتلال الإيراني من سورية سوى الشعب السوري وقواه العسكرية بدعم تحالف دولي، وللسوريين تجربة ناجحة وقريبة بذلك حيث تمكنوا بأسلحة بدائية ودون تنظيم أو وجود حليف دولي من هزيمة فيلق القدس الإيراني وكان المنقذ الوحيد له من الهزيمة النكراء والإبقاء على الأسد سوى الاستنجاد بالجيش الروسي.

نقلاً عن “نينار برس”

شاهد أيضاً

ما مصلحة السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *