سورية… تساؤلات و”مقبرة التوقعات” (تحليل إخباري)

فتى سوري يعمل بتصليح السيارات يُظهر يديه في ريف حلب شمال البلاد في 11 الشهر الجاري (أ.ف.ب)

لندن: إبراهيم حميدي

“الشرق الأوسط”

هل سحبت روسيا بعض قواتها من سورية بعد الحرب الأوكرانية؟ ما مستقبل التطبيع العربي مع دمشق؟ ما جدية مرسوم العفو الرئاسي الأخير في سورية؟ ما مصير العقوبات الأوروبية؟ وكيف التعاطي مع الأزمة الاقتصادية والغموض الروسي حول قرار تمديد الآلية الدولية للمساعدات الإنسانية عبر الحدود؟

كانت هذه بعض «الأسئلة العلنية» التي حاول مبعوثو الدول الأوروبية للملف السوري الإجابة عنها في اجتماع غير معلن في قبرص الأسبوع الماضي، مع إدراك أن سورية هي «مقبرة التوقعات» كغيرها من دول الشرق الأوسط.

في لارنكا، على شواطئ البحر المتوسط، وعلى بُعد عشرات الكيلومترات من القاعدتين الروسيتين غرب سورية، عقد المبعوثون اجتماعهم «السري» لتبادل المعلومات حول الوقائع السورية، وأفق السياسة الأوروبية تجاهها، وانعكاسات الحرب الأوكرانية. وقبل بدء اجتماعهم المغلق، كان لا بد للمبعوثين الضيوف من زيارة إلى نيقوسيا، وسماع «شكاوى الخارجية القبرصية من قيام تركيا بإرسال سوريين عبر البحر إليهم، أو جواً إلى قبرص التركية، للضغط عليهم وعلى أوروبا في ملف الهجرة».

وفي اليوم التالي، عقد الأوروبيون، بمشاركة جميع المبعوثين أو ممثلي الحكومات، بمن فيهم ممثلو ألمانيا وفرنسا والسويد وآيرلندا، جلسات مناقشات محددة تخللتها مداخلة من المبعوث الأممي غير بيدرسن، وهنا أهم محاورها:

ماذا عن العفو الرئاسي؟

العفو الذي أصدره الرئيس بشار الأسد عن «جرائم الإرهاب»، وتضمن إطلاق نحو 2000 شخص، وإلغاء مذكرات مراجعة أمنية أو اعتقال لنحو 200 ألف شخص، سعى ممثلو الحكومة السورية إلى تقديمه على أنه «خطوة غير مسبوقة»، بل إن وزير الخارجية فيصل المقداد بعث رسائل خطية إلى بعض وزراء خارجية دول عربية، بينهم الأردني أيمن الصفدي، للإشادة بـ«المرسوم غير المسبوق».

في لارنكا، انقسم الحاضرون إلى رأيين:

الأول، اعتبر المرسوم الذي يحمل الرقم 19 منذ عام 2011 «خطوة إيجابية»، وأنه يختلف عن المراسيم الـ18 السابقة «لأنه يتناول المتهمين بالإرهاب، أي السياسيين». وهنا نقل أحد المشاركين عن المقداد قوله في اجتماع رسمي، إن هناك «قراراً بإفراغ السجون من المعتقلين». وتحدث آخرون عن ضرورة «عدم إغلاق الباب أمام النظام»، وأنه «يجب تشجيعه للقيام بمزيد من الخطوات المماثلة للعفو، الذي يبدو أن قراره اتخذ تلبية لطلبات عربية وحاجات داخلية». وتبلغ المقداد أنه «في حال استمرت الحكومة بهذا المسار، سيتم اعتباره خطوة أساسية لبناء الثقة».

أما الرأي الثاني، فدعا إلى عدم المبالغة في الترحيب بالمرسوم، واعتبر أنه «يجب التأكد من أنه ليس خطوة دعائية»، وأنه «يجب الضغط للسماح لمؤسسات مثل الصليب الأحمر الدولي بزيارة السجون والتأكد من الأرقام» الفعلية للناس الذين أُطلق سراحهم. كما تحدث أحد الحاضرين عن وجود أكثر من 100 ألف شخص معتقل أو مفقود في السجون السورية، وقال إن «العفو لن يغير وجه سورية».

ماذا عن التطبيع العربي؟

كان هناك إجماع على أن التطبيع العربي مع دمشق قائم، والسؤال «ليس ما إذا كان سيحصل، بل متى». وقال أحد الحاضرين إنه إذا كانت الدول الأوروبية ستنتظر تطبيق القرار 2254 قبل التطبيع ورفع العقوبات والمساهمة بالإعمار، فإن هناك مخاطر بأن يفوتها القطار، لأن الدول العربية مستمرة بالتطبيع.

وظهرت توقعات باستمرار خطوات تطبيع ثنائية «غير عاجلة» مع دمشق، وصولاً إلى القمة العربية في الجزائر، بداية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بحيث يتم اتخاذ قرار عربي جماعي، حسب المسار السياسي – الإقليمي من الآن وحتى ذلك الوقت.

وحضّ ممثلو دول كبرى، مثل ألمانيا وفرنسا، على ضرورة عدم القيام بأي خطوة مع دمشق قبل التقدم في تنفيذ القرار الدولي 2254، وبضرورة الدعوة إلى إجراء إصلاحات في الأمن والجيش، ضمن تصورات المبعوث الأممي بيدرسن لمقاربة «خطوة – خطوة».

ولم يتحدث أحد عن رفع العقوبات الأوروبية عن دمشق، لكن تصاعدت الأصوات المطالبة بالمساهمة في دعم مشروعات «التعافي المبكر» في سورية، لتخفيف أعباء الأزمة الاقتصادية، وسط انسداد أفق الحل السياسي، والتحدث مع روسيا لتمديد آلية المساعدات الإنسانية عبر الحدود، قبل العاشر من الشهر المقبل.

ماذا عن روسيا وإيران؟

تبادل الأوروبيون المعلومات حول صحة سحب روسيا بعض قواتها من سورية، وسط تأكيدات عن حصول انسحابات عسكرية فعلية لطيارين وقوات روسية، وتقديرات عن وجود نحو أربعة آلاف عنصر روسي في سورية. وقال أحد المشاركين: «هناك معلومات بأن إيران تملأ فراغ الانسحابات الروسية، وأن تركيا تسعى لتغيير المعادلات في شمال سورية»، فيما تحدث آخرون عن ضرورة التريث أشهراً أو سنة، قبل الوصول إلى معرفة دقيقة لآثار الحرب الأوكرانية على سورية.

الشعور العام الذي خرج به أكثر من مبعوث أوروبي، هو «قلة الحيلة أمام ما يحصل»، وكأن سورية مقبلة على استمرار الوضع على ما هو عليه: جمود مستمر ومعاناة متواصلة بانتظار اختراق. الأمل الوحيد الذي طرحه أحد الحاضرين، أن «الشرق الأوسط وسورية تحديداً، مقبرة التوقعات».

شاهد أيضاً

ماذا بعد الانبهار بـ”حمـ.ـاس” والانهيار في إسـ.ـرائىل… مَن يمسك بزمام المبادرة ومَن يخشى الانزلاق؟

في حال اضطرت إدارة بايدن إليها – أن تثبت جديّة الخيارات العسكرية. هناك في سوريا يمكن قطع الطريق على برنامج إيران الإقليمي للامتداد من إيران إلى العراق وسوريا وإلى لبنان على الحدود مع إسرائيل وعلى البحر المتوسط. وهناك في سوريا يمكن للوسائل العسكرية الأميركية والأوروبية إسقاط الرئيس السوري الحليف لإيران، بشار الأسد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *