وقفات احتجاجية رفضا لواقع المعلم والتعليم في مدينة إدلب وريف حلب شمال سورية

سوريتنا-ريف حلب-عبير الحسين

نفذ المعلمون وقفات احتجاجية في الأيام القليلة الماضية عمت مختلف ارجاء المناطق “المحررة” في ريف حلب شمال سورية..

وجاءت هذه الاحتجاجات التي شهدتها مناطق الباب وإعزاز وكذلك إدلب المدينة على خلفية الأوضاع الصعبة والمأساوية التي يعيشها المعلم ,العنصر الأساسي في العملية التربوية ,وقد حمل المحتجون لافتات تشير إلى مايعانوه، وهي المعاناة التي لا تخفى على أحد بالمطلق ومع ذلك إذن من طين وإذن من عجين.

تجدر الإشارة إلى أن الحال السيء الذي يعيشه المعلم في مناطقنا هو جزء من حال العملية التعليمية برمتها, والتي تزداد سوءا وفداحة يوميا بعد يوم، من غير أن تجد حلا لها أو استجابة حقيقية الى الآن من قبل الجهات القائمة على المؤسسة التربوية أكان في مدينة إدلب أو في مناطق ريف حلب .

لابد من التنوبه إلى أن العديد سبقني في تسليط الضوء على الحال المزري للعملية التعليمية والمعلمين في مناطقنا “المحررة”، ونظرا لصعوبة وقساوة الوضع، نعيد تناوله مجددا ,كونه وصل للحالة المأساوية و ينذر بانهيار تام للعملية التربوية والتي بدأ التراجع فيها يظهر منذ سنوات ,منذ ان بدأ الدعم لهذه العملية بالتضاؤل تدريجيا حتى وصلنا إلى الحال الذي هو عليه الآن .

وللوقوف على تفاصيل ما يجري التقينا مدير مدرسة في ريف حلب الغربي، الذي تحدث لموقع “سوريتنا”، ردا على سؤال طرحناه عليه، وهو ذو خبرة طويلة في العملية التعليمية تزيد على 40 عاما، قضى 30 منها في الإدارة، : أن العملية التعليمية في تراجع واضح، خاصة إن المنظمات التي كانت تولي أهمية واهتمام واضحين ,بدأ دعمها يتضاءل في السنوات القليلة الماضية، الأمر الذي انعكس على كامل العملية التعليمية، فالدعم كان يشمل رواتب المعلمين التي تضاءلت كثيرا (فقد أصبحت الرواتب تقتصر على بعض الأشهر من السنة، إضافة إلى أنه قليل جدا قياسا على الجهد الذي يبذله المعلم ,وربما كان تطوعيا كامل السنة ) وكذلك الدعم اللوجستي للمدارس التي تشمل التدفئة والأدوات اللازمة للعمل وما شابه ذلك، كل ذلك بدأ يتضاءل فظهرت معه تلك المشاكل وكل هذا التراجع الواضح .

وأضاف انعدمت الوسائل التعليمية تماما ,والتي تعتبر أدوات ضرورية ومساعدة للطالب على الفهم ,وبانعدامها يصبح الطالب متلقي لمعلومات جافة وصعبة الفهم نسبيا ,وخاصة في المراحل الأولى من التعليم, إضافة الى نقص حاد في عدد الكتب المدرسية.

وأشار في سياق حديثه إلى خطورة ذلك على العملية التربوية قائلا: إذا أردنا أن نجري مقارنة بين ما يتلقاه الطالب لدينا من العلم مع الطالب في بلدان أخرى نجد أن طالبنا يتلقى من العلم المفروض والطبيعي في سنه بنسبة تقريبية لا تتجاوز من 15 الى 20 بالمئة, وهذا أمر له عواقب وخيمة على مستوى أولادنا في المستقبل .

وتابع المدير حديثه: لاحظنا في السنوات القليلة الماضية وبسبب تراجع مستوى التعليم والعجز الواضح في هذا القطاع ,انتشار ظاهرة المدارس الخاصة المجهزة بشكل جيد وبكادر تدريسي جيد وتسارع الأهالي لتسجيل أولادهم فيها ليتلقوا تعليما جيدا ,لكنها مكلفة ولا يقدر على تكاليفها سوى الأغنياء ,وهذا الامر سيؤدي بعد أعوام قليلة إلى أن يصبح التعلم حكرا على الأغنياء فقط وسيحرم الفقير منه , وهذه كارثة على الأجيال القادمة .

واردف المدير قائلا: إن أكثر ما يمكن أن يؤلم اليوم حقا هو التراجع الملحوظ في منظومة القيم التي يجب أن تغرس في الطفل في هذا العمر، مضيفا ولا ننسى أن الكثير من الطلاب يتركون التعليم للاتجاه للعمل بسبب الفقر أو فقد المعيل وهذه من أكبر المظاهر خطورة أيضا.

وبالنسبة للوضع المعيشي للمعلم ,فهو اكثر ما يمكن اعتباره كارثة، لان قوام التعليم هو المعلم، وهو من يجب أن ينصب عليه الاهتمام وتقديم الدعم بحيث يمكنه أن يعمل ويقدم ويصنع الجيل، وهذا ما لا يمكن أن يتحقق في ظل ما يعانيه المعلم حاليا من وضع معيشي سيء .

وبهدف التوسع أكثر عن الحال المزري الذي يعيشه المعلم، كان لنا حديث مع إحدى المعلمات التي حدثتنا مع طلب عدم ذكر إسمها لأسباب خاصة بها بالقول: إن الراتب لا يكفي لأكثر من 10 أيام فقط من الشهر ,هذا إذا اردنا أن نعيش حياة متوسطة , الرفاهية لا يمكن أن تكون في ظل الواقع الذي نعانيه الآن.

معلمة أخرى قالت لموقع “سوريتنا” : إن الراتب حاليا لا يكفي لأكثر من 30 بالمية من احتياجاتنا فقط ,ومسؤوليات عائلاتنا تزداد يوميا ,ونحن لا نستطيع أن نقدم لأطفالنا كل ما يحتاجونه .

إلى ذلك التقينا معلمة ثالثة قالت: لا نعلم كيف يمكن لنا أن نتعامل مع هذا الوضع ,الكثير منا وبسبب سوء الوضع يبحث عن عمل آخر ربما يكون بعيد تماما عن التعليم ,لكنه يضمن دخل أفضل يتلاءم مع صعوبات الحياة ,وهذا ربما ينال من كرامة المعلم ومكانته الاجتماعية .

وتأسيسا على ما سبق، يستجوب الأمر طرح أكثر من سؤال وهي: 

ماهي النتائج المتوقعة لهذا الوضع؟؟، وما الذي يمكن أن يحمله التردي الكبير في مستوى التعليم على الفرد والمجتمع ؟؟

إن أول ما يمكن أن نتوقعه هو التردي الكبير في مستوى الوعي الذي ستكون عليه الأجيال المقبلة، التي ستعاني من خلل في منظومة القيم التي يجب أن تكبر فيه منذ الآن ,سيكون لدى الأجيال المقبلة عدم إيمان بنفسها ووطنها وثورتها وأهداف ثورتها النبيلة ,هذا عدا عن المشاكل الاجتماعية التي ستزداد فداحة وقوة اكثر مما هي عليه الآن من بطالة وانتشار كبير للسرقة وارتفاع نسبة الجريمة وغيرها كثير ..

إن اصلاح أي مجتمع يبدأ من التعليم ,والقضاء على أي مجتمع أيضا يبدأ من التعليم .

ولذلك يجب أن تكون هذه القضية من أولى اولوياتنا إن أردنا ان نحافظ على أطفال جيل المستقبل للوصول إلى بناء سورية الجديدة التي نحلم بها.. وبغير ذلك على الدنيا السلام..

شاهد أيضاً

وفاة صاحب مقولة لا تخذلوا الثورة السورية

توفي، اليوم الأربعاء، وزير الإعلام الأردني السابق صالح القلاب عن عمر ناهز 79 عاماً، الذي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *