إيّاد القدسي: واجبنا إيجاد مسار سياسيّ جديد يدفع الملفّ السوريّ إلى رأس أولويّات أميركا والغرب

يحلُّ المعارض السوريّ إياد القدسي، رئيس “ميثاق سوريا الوطني”، ضيفًا على مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في هذه الفسحة الحوارية، في وقتٍ تشهد فيه الساحة السوريّة كثيرًا من التحرّكات السياسيّة، كـ “لقاء عمّان” الذي جرى في الثاني من آب/ أغسطس المنصرم، ومناقشة مبادرة “القبّة السوريّة”، و”المؤتمر الوطني السوريّ لاستعادة السيادة والقرار”، و”مؤتمر الكتلة السياسيّة للهيئة الوطنيّة السوريّة”، فضلًا عن الأحداث الداميّة التي شهدتها مدينة درعا في الأسابيع الأخيرة.

ضيفنا من مواليد مدينة دمشق، وهو حاصل على شهادة البكالوريوس في علوم الكمبيوتر من جامعة هيوستن في الولايات المتّحدة الأميركيّة، وهو ذو خبرة طويلة في مجال تكنولوجيا المعلومات وإدارة المشاريع والإدارات العليا، وكان أن شغل منصب رئيس عام لقسم هندسة الاتصالات والمعلومات، ومستشار خاصّ لنائب رئيس شركة “أرامكو”، وهو حاليًا المالك والعضو المنتدب لشركة “ميناسكوب للاستشارات”.

انخرط القدسي في العمل الوطني مبكرًا، وكانت له أدوار عدّة منذ عام 2011، حيث شغل منصب نائب رئيس “الحكومة السوريّة المؤقتة” المنبثقة عن “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، حتى تاريخ استقالته في كانون الأوّل/ ديسمبر 2014، وفي تلك الفترة، تولى مهام وزير التعليم ورئيس مجلس الإدارة/ التوجيهي لـ “صندوق الائتمان لإنعاش سوريا”. وهو رئيس “مركز سورية الاستشاري” بواشنطن، وعضو في الكتلة السياسيّة للهيئة الوطنيّة السوريّة، وعضو شرف في “مجلس سوريا للتغيير”، وعضو في “مبادرة إحياء وطن”. ويُعرف عنه مشاركته في تشكيل كيانات عدّة لدعم الثورة السوريّة، منها “مجلس دمشق الوطني” الذي تأسّس عام 2015، وكان عضوًا في مكتبه التنفيذي آنذاك. وفي عام 2018، شكّل مع عدد من رفاقه “ميثاق دمشق الوطني” في باريس، وكان الهدف منه إعطاء دور للدمشقيّين، خاصّة في ظلّ عدم انخراطهم في مؤسسات المعارضة السوريّة، ومنها “الائتلاف”. لكنّ الميثاق تعرّض للهجوم باعتباره، كما وصفه البعض، ميثاقًا مخمليًّا دمشقيًّا لا يمثّل كلّ السوريّين.

وفي أواخر عام 2019، تولّدت فكرة تأسيس “ميثاق سوريا الوطني”، لدى شخصيّات كانت في “ميثاق دمشق”، وذلك بهدف تلبية الرغبة الوطنيّة الشاملة، وانضمّ إلى الكيان الجديد شخصيّات سوريّة من غير الدمشقيّين. وفي 15 آذار/ مارس 2021، تزامنًا مع الذكرى العاشرة لاندلاع الثورة السوريّة، أعلن “ميثاق سوريا الوطني” عن مؤتمره التأسيسي الأوّل، وجاء في بيانه أنّ “هذه المرحلة تتطلّب منّا الالتزام بأعلى درجات المسؤوليّة، والارتقاء بالعمل المشترك، وتوحيد الجهود من أجل الوطن وبناء دولة لجميع السوريّين، بعيدًا عن الأيديولوجيّات الشموليّة والانفصاليّة والتطرّف بكافّة ألوانه وأشكاله”.

هنا نص حوارنا مع رئيس “ميثاق سوريا الوطني”..

*نستهلّ حوارنا معكم بسؤالكم عن “لقاء عمّان” الذي جرى في مطلع الشهر الماضي، بحضوركم إلى جانب عدد من الشخصيّات الوطنيّة وبعض رجال الأعمال السوريّين الموجودين في الأردن، لنقاش المواضيع الساخنة في الساحة السياسيّة السوريّة. ما فحوى هذا اللقاء؟ وما النتائج التي توصلتم إليها لمواجهة التحدّيات التي تفرضها المرحلة، بخاصّة بعد التصعيد العسكري الأخير لقوّات النظام في درعا؟

**هذا اللقاء المصغّر جمع بعض رجال الأعمال السوريّين في عمّان، وكذلك شخصيّات سياسيّة ودبلوماسيّة من تيارات سياسيّة سوريّة مختلفة، عقدناه بُغية إنشاء جسور تعاون وتفاهم فيما بيننا، خصوصًا قبيل جولتي في الولايات المتّحدة الأميركيّة على الجالية السوريّة في ثلاث ولايات مختلفة. وأعتذر عن ذكر بعض الأسماء التي شاركت في هذا اللقاء، كونها لا ترغب في الظهور، ولقد ناقشنا العديد من المواضيع وأهمّها:

– الوضع الحالي في درعا.

– “المؤتمر الوطني السوريّ لاستعادة السيادة والقرار”.

– مبادرة “القبّة السوريّة” The Syrian Dome “ميثاق سوريا الوطني”.

– كيفية التواصل مع الداخل السوريّ الخاضع لسيطرة النظام بما في ذلك العاصمة دمشق.

وكان أن أجزنا المشاركة بـ“المؤتمر الوطني السوريّ لاستعادة السيادة والقرار”، لمن يرغب من الميثاق باسمه الشخصيّ، حسب نظام المشاركة بالمؤتمر، بعد أن أعرب بعض الأعضاء عن رغبتهم في المشاركة، لعلّ هذا المؤتمر يفتح أبوابًا كانت موصدة بين التكتّلات المعارضة المتنازعة. وفعلًا، تمّت المشاركة، حيث شارك عددٌ من أعضاء “ميثاق سوريا الوطني” بصفتهم الشخصيّة، وعلى الرغم من كلّ ما جرى في المؤتمر وفي كواليسه، من أحداث أثارت البلبلة، فإنّ أعضاءنا كانوا واضحين وصادقين برغبتهم في بناء شراكة ومدّ يدّ التعاون لبقيّة الشخصيّات والمجموعات المعارضة. وبناء على ذلك، قرّر بعضهم المشاركة في انتخابات الأمانة العامّة للمؤتمر، وفعليًّا فازت الأستاذة لمى اللبواني في الانتخابات، وهي وجه شبابي مستجد، ما تزال لديها حماسة الشباب للعمل ومحاولة تقريب وجهات النظر، ولا بأس من أن تخوض تجربتها المستقلّة عن تجاربنا السابقة، فضلًا عن أنّ كثيرًا من أعضاء المؤتمر هم أصدقاؤنا، وإن اختلفنا معهم سياسيًّا في بعض المواضع، ولكنّ الخلاف لا يفسد للودّ قضيّة.

أمّا في ما يخصّ مبادرة “القبّة السوريّة”، فإنّ هذه المبادرة هي عبارة عن قيادة جماعيّة، تتألّف من ممثّلي الكيانات المتحالفة والمتفقة على رؤية واحدة لمستقبل سورية، وهي ليست اندماجًا بين الأجسام السوريّة تحت مظلّة “ميثاق سوريا الوطني”، وإنّما هي مشروع لتوحيد الجهود والعمل والتنسيق بين الشركاء المتوافقين في الرؤية حول مستقبل البلاد، والمتفقين على مبادئ وأهداف مشتركة بهدف الوصول إلى تشكيل نواة قيادية للعمل الوطني السوريّ، لها مرجعيتها ودعمها من الداخل والخارج. وما “ميثاق سوريا الوطني” سوى شريك أخذ على عاتقه عبء التواصل والتفاهم والوساطة بين جميع الأجسام السوريّة في الداخل والخارج، لتقريب وجهات النظر، والوصول إلى نقاط التقاء وتفاهم حول آليّات الحلّ السياسيّ المأمول في سورية في ظلّ قرارات الشرعيّة الدوليّة، قراري مجلس الأمن 2118 و2254، وبيان جنيف1”، من خلال عقد مناقشات واجتماعات مطوّلة بين الميثاق وكلّ شريك محتمل، لمناقشة الخطوط العريضة للمشروع، وستتكلّل المناقشة بتوقيع مذكّرة تفاهم وميثاق شرف وعهد وطنيّ، يحتوي في طيّاته مبادئ عامّة مستمدّة من أهداف الثورة السوريّة، ورؤية عمليّة لكيفيّة الحلّ السياسيّ للقضيّة السوريّة بشكلٍ عادل منصف قابل للتطبيق، بمساعدة المجتمع الدوليّ.

مذكّرات التفاهم هذه تعدّ بدورها الأعمدة التي ستقوم عليها هذه القبّة، وستُعلن نتائجها في مؤتمر وطنيّ جامع لكلّ هؤلاء الشركاء، يقرّون فيه هذه المبادئ والرؤية، وتتمخّض عنه هيئة مصغّرة من جميع الشركاء لمناقشة وصياغة الأمور والمسائل التفصيليّة وعرضها أوّلًا بأوّل، عند التوافق عليها، على أبناء شعبنا السوريّ، وسيسهم ذلك في إشراك الشعب السوريّ في اتّخاذ القرار، فالمؤتمر سيكون ثمرة جهودنا وشركائنا جميعًا. وبعد “لقاء عمّان”، ما زلنا نتحرك بالوتيرة نفسها، علّنا نتمكّن من تحقيق مشروعنا “القبّة السوريّة”.

صورة من المؤتمر التأسيسي للتحالف الوطني الديمقراطي السوري في شهر تشرين الثاني – نوفمبر 2012 (من الأرشيف)

لا بدّ من إيجاد حلّ للوجود الإيرانيّ في المنطقة

*ما أبرز المبرّرات الوطنيّة والسياسيّة التي استدعت ميثاق سوريا الوطني؟ وما الذي سيقدّمه للسوريّين بما يحقّق تطلّعاتهم؟

**إنّ “ميثاق سوريا الوطني”، بكلّ تواضع، هو عبارة عن كتلة جديدة معارضة للنظام السوريّ ولكلّ مستبدّ على الأراضي السوريّة، استدعى وجوده رؤية مشتركة توافق عليها مجموعة شخصيّات وطنيّة، فكان لزامًا إنشاء جسد يسمح لهذه الشخصيّات بالحركة على المستوى الوطني والدوليّ، لمحاولة إيصال صوتها ورؤيتها للحلّ السياسيّ في سورية. وقد حدّدنا سلفًا الآليّات العمليّة لتطبيق رؤيتنا، وأوّلها مشروع “القبّة السوريّة”، ونأمل أن ترقى وثائقنا المنشورة على موقعنا الإلكتروني إلى تطلّعات الشعب السوريّ، نحن لا ندّعي أنّها مثاليّة، لكنّنا عملنا في صياغتها على ما يحفظ حقوق وأحلام كلّ مكوّنات الشعب السوريّ.

*ماذا عن قاعدتكم الجماهيريّة في الداخل السوريّ، وكيفية التواصل معهم بخاصّة في المناطق الخاضعة لنفوذ قوّات النظام، ومنها العاصمة دمشق؟ ومن أين يأتي الدعم المالي وتمويل أنشطة “ميثاق سوريا الوطني”؟

**تمويلنا ذاتي، فالعمل الذي أقدّمه وأعضاء الميثاق هو واجبٌ علينا تجاه وطننا، ولا نبتغي من ورائه مقابلًا. ولدينا اتّصالات عديدة مع شخصيّات وطنيّة دمشقيّة في الداخل، من رجال دين وتجّار ذوي مركز اجتماعيّ مهمّ، ونسعى من خلال تواصلنا معهم لأن نتعرّف إلى احتياجات أبناء شعبنا في الداخل، وإيصال صوتهم إلى الشخصيّات الدوليّة المؤثّرة في سياسات المجتمع الدوليّ تجاه قضيّتنا.

*بيّنت استطلاعات عديدة في السنوات الأخيرة أنّ معظم السوريّين لا يثقون بالأحزاب السياسيّة، وأن لديهم نوعًا من الحساسيّة تجاهها، كيف تواجهون مثل هذا التحدّي؟

**نعم، هذا صحيح وواقعي ولا يمكن إنكاره، فنحن نؤمن بأنّ الأحزاب التي تعكس بتشكيلها ورؤيتها السياسيّة أيديولوجيّة معينة، سواء كانت دينيّة أم يساريّة أم قوميّة، عملُها السياسيّ يكون في مرحلة الاستقرار السياسيّ ووجود البيئة المناسبة لعمل الأحزاب السياسيّة والانتخابات الديمقراطيّة، ولكنّنا الآن في مرحلة وطنيّة بحاجة إلى تضافر القوى الوطنيّة كافّة حول برنامج للانتقال السياسيّ، من خلال هيئة حكم انتقالي تضع الأسس الصحيحة لدولة سورية المستقبل، وعلينا الابتعاد الآن عن كل الرؤى والأفكار والمرجعيّات المفرّقة لنسيج الشعب السوريّ.

*ما الذي أحدثته ثورة الحرّيّة والكرامة، بعد عقد من الزمن، في نظرتكم للمستقبل السياسيّ لسورية، وللمنطقة عامّة؟

**استحضر المقولة السوريّة “تجرّأنا على الحلم ولن نندم على الكرامة”، لأقول إنّ الثورة، بالرغم ممّا يشعر به الشارع السوريّ والعربيّ بشكلٍ عامّ من إحباط نتيجة الواقع المتردّي الذي ما زلنا نعيشه، لن تموت، وعلينا في هذه المرحلة إشاعة الأمل والحرص والنضال لتثبيت ما قامت عليه الثورة من أهداف مثل: الكرامة والحرّيّة والعدالة الاجتماعيّة وحقوق الإنسان.. والعودة بكلّ ثقة وروح وطنيّة لمواصلة النضال السياسيّ وبناء الدولة العصرية، التي تحفظ كرامة الوطن والمواطن، وهو نضال عادل وحقّ مشروع في قوانين الشرعة الدوليّة، على الرغم من مساعي النظام وحلفائه للتشكيك بشرعيّة هذا النضال وتشويه صورته. ولكن يجب عدم تجاهل وجود جيوش خمس دول مختلفة المصالح على الجغرافيا السوريّة، فالثورة السوريّة بعد اشتعالها بعشر سنوات قد غيّرت سياسة المجتمع الدوليّ ككلّ تجاه المنطقة بأسرها، فمنذ عام 2003، يرزح العراق تحت السيطرة الإيرانيّة، والوضع فيها يتردّى يومًا بعد يوم، ولا استجابة من المجتمع الدوليّ، وكذلك لبنان من خلال ذراع إيران فيه “حزب الله”، لكن التدخّل الأخير لإيران في سورية هو -إن صحّ التعبير- “القشّة التي قصمت ظهر البعير”، حيث تفاقم خطر إيران على دول الخليج والأردن الحلفاء الإستراتيجيين للولايات المتّحدة الأميركيّة، وكذلك تفاقم الخطر الإيرانيّ على “إسرائيل”، حيث أصبحت تقف على حدود طويلة معها، وهذا يهدّد أمنها القومي بشكلٍ مباشر، وعليه فلم يعد بالإمكان تجاهل الوجود الإيرانيّ في المنطقة، ولم يعُد هناك بدّ من إيجاد حلّ. وعليه فإنّني أرى أنّ نهاية الحرب الدائرة في سورية ونجاح الثورة يعني خلاص المنطقة ككلّ، لا خلاص الشعب السوريّ وحده، من الأنظمة الدكتاتورية المدعومة إيرانيًّا.

*من موقعكم اليوم، كيف تقيّمون أداء القوى السياسيّة المتنوّعة في الثورة والمعارضة السوريّة في السنوات العشر الماضية؟

**بمراجعة نقديّة بنّاءة لمسار الثورة السوريّة، يجب الاعتراف بوقوع أخطاء جسيمة، سواء من صعود جماعات مسلّحة باسم الشريعة استغلّت الدين لخدمة مآربها وفرض آرائها بقوّة السلاح وأساءت إلى الثورة، وقام النظام بدعم هده الفكرة بإطلاق سراح متشدّدين إسلاميّين من سجونه، ليساعدوا في إظهار الثورة على أنّها إسلاميّة ذات طابع متشدّد، حتى مؤسّسات المعارضة السياسيّة التي نشأت خارج الحدود السوريّة فشلت في تقديم خطاب جامع وكيان واحد للمعارضة، بالرغم من الدعم الدوليّ الذي تلقّته في البداية، معتبرين أنّ إسقاط النظام مسؤوليّة المجتمع الدوليّ، فأصبحت رهينة داعميها. لكني أرى اليوم أنّ الوعي السياسيّ قد ازداد حتّى لدى شريحة الشباب، وأصبحنا أقدر -كشعب- على تحديد مستقبلنا السياسيّ، وعليه فكلّي أمل بأنّ الفرج سيكون قريبًا، وأنّنا لن نكرّر أخطاءنا السابقة.

*من منظوركم، ما أسباب فشل قوى الثورة والمعارضة في تشكيل قيادة سياسيّة موحّدة وفاعلة تواجه القوى التي تقاطعت مصالحها في بقاء نظام بشار الأسد، بخاصّة موسكو وطهران وواشنطن، بعد تخلّي الأخيرة عن مسؤوليّاتها، وعقد الرئيس الأميركيّ الأسبق باراك أوباما الصفقة المشينة مع طهران للحصول على اتّفاق في الملفّ النووي على حساب أرواح السوريّين ومستقبلهم ومستقبل وطنهم؟

**كما قلت أعلاه، علينا تفادي الأخطاء السابقة، والإيمان بأنفسنا، وإنّ حلّ القضيّة السوريّة لن يكون إلّا بأيدي سوريّة وطنيّة صادقة، لديها الحنكة السياسيّة والخبرة القانونيّة والاقتصاديّة القادرة على العمل لتقديم خطاب سياسيّ جامع يتناسب والمرحلة، وتكون قادرة على التفاوض مع الدول الفاعلة في القضيّة السوريّة وإعطاء حلول ومشاريع للقضيّة، تتناسب مع تطلّعات الشعب السوريّ وسورية التي نطمح للوصول إليها جميعًا.

*ما رؤيتكم، في “ميثاق سوريا الوطني”، للمسار التفاوضي في جنيف، ولعمل “اللجنة الدستوريّة”؟ وما التوقّعات التي ترونها في هذا المسار، بعد كلّ العثرات التي مرّت به العمليّة التفاوضيّة؟

**نرى اليوم، ونحن على أبواب الجولة السادسة لـاللجنة الدستوريّة دون تحقيق أيّ إنجاز، أنّ هذا المسار قد فشل تمامًا، وأصبح من الصعوبة إنعاشه من جديد، وعليه فلقد كان واجبًا علينا جميعًا -السوريّين- أن ننشئ مسارًا بديلًا، وهذا ما لاحظته من محاولة العديد من المجموعات السياسيّة عقد مؤتمرات وطنيّة لتحريك المياه الراكدة في الملفّ السوريّ.

*إدارة الرئيس الأميركيّ جو بايدن خفضت سقف مطالبها في سورية، والملفّ السوريّ ليس أولوية لفريق بايدن الذي يركّز فيه على ملفّين: المساعدات الإنسانيّة عبر الحدود، واستمرار هزيمة تنظيم (داعش) شرق الفرات. كيف تنظرون في “ميثاق سوريا الوطني” إلى سياسات إدارة بايدن تجاه سورية، منذ دخول الرئيس الجديد البيت الأبيض مطلع هذا العام؟ وما المطلوب منها لإحداث تغيير في مسار العمليّة السياسيّة التفاوضيّة؟

**كما ذكرت سابقًا، لا يمكننا لوم الدول على سعيها لتحقيق مصالح شعوبها وإعطاء أوطانهم الأولوية، لكنّي أرى أنّ اهتمام الإدارة الأميركيّة بملفّ المساعدات الإنسانيّة، ونجاحها في الضغط على روسيا لاستمرار دخول المساعدات للشمال السوريّ، هو موقف جيّد وقوي، ويظهر أنّ إدارة بايدن لم تتخلّ عن السوريّين ولا تزال تقيم وزنًا لمأساتهم الإنسانيّة، ثمّ لا بدّ لنا هنا من أن نتذكّر العقوبات الأميركيّة والأوروبيّة على شخصيّات ومؤسسات متورّطة في دم الشعب السوريّ، وكذلك المحاكمات التي تتمّ في أوروبا لمجرمي الحرب، التي تدلّ على أنّ الملفّ السوريّ لا يزال على قائمة أولويّات الغرب، وإن لم يعد على رأس القائمة، وبالتالي فواجبنا اليوم هو إيجاد مسار سياسيّ جديد يدفع الملفّ السوريّ مرّةً أخرى إلى رأس أولويّاتهم في المنطقة، من خلال تكثيف اتصالاتنا مع الدول الغربيّة واتّحادنا على رؤية واحدة.

ضدّ وجود أيّ قوى عسكريّة تابعة لدولةٍ أجنبيّة

*برأيكم، هل يمكن للمعارضة التعامل مع الروس، من مقاربات مختلفة، لإيجاد صيغة حلّ ترضي أطراف الصراع السوريّ كافة؟

**نعم، لا شيء مستحيل، لكن هذا متوقّف بالدرجة الأولى على اتّفاقنا كسوريّين مع بعضنا البعض، وما دُمنا متشرذمين ومتصارعين بهذا الشكل، فلن نستطيع التفاوض مع أيّ جهة دوليّة لنكون شركاءها المستقبليين بدلًا عن نظام الأسد.

*في الآونة الأخيرة، انتشرت عبر وسائل الإعلام السوريّة والعربيّة أنباءٌ عن تشكيل مجلس عسكري سوريّ مكوّن من ضباط قدامى من النظام السوريّ، وضباط منشقّين، لإدارة الأمور في سورية بعد تخلّي الأسد عن بعض صلاحيّاته، وهو ما نفته قوى معارضة سوريّة. سؤالنا: هل لديكم معلومات حول ما يدور في الكواليس بخصوص هذا الموضوع؟ ومن ثمّ ما موقفكم من تشكيل هذا المجلس، إن صحت المعلومات بشأنه؟

**فكرة تشكيل مجلس عسكري ليست جديدة، فهي فكرة قديمة منذ عام 2013، لكنها في ذلك الوقت لم تحظَ بالدعم الكافي. اليوم نحن على تواصل مع مجموعة كبيرة من العسكريين المنشقّين عن النظام، والذين قد يكونون نواة المجلس العسكري، وما نحاول القيام به هو الوصول إلى صيغة توافقيّة بيننا وبينهم، على خضوع المجلس العسكري لإدارة سياسيّة مدنية في المرحلة الانتقاليّة، وفق روح القرار 2254، ولقد نجحنا بذلك، فعليًّا.

*سُرّبت معلومات، في الآونة الأخيرة، عن نيّات دول عربيّة لإعادة ترتيب صفوف المعارضة السوريّة، وخلق أجسام جديدة بعيدة عن رؤية “الائتلاف” وتحالفه مع تركيا. ما مدى صحّة هذه المعلومات؟ وهل أنتم مستعدّون للتعاون مع هذه الدول، ليكون “ميثاق سوريا الوطني” ضمن هذه التشكيل الجديد، المرجّح أن يكون بديلًا عن “الائتلاف”، إن تلقّيتم دعوة بالخصوص؟

**ما أعلمه أنّ هذه التحرّكات هي تحرّكات سوريّة بشكلٍ خاصّ، وإن كانت قد حظيت بمباركة دول معينة، لكن لا ترغب أيّ دولة اليوم -على حدّ علمي- في سحب الاعتراف من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السوريّة”، وبالتالي فلا يمكن الحديث عن جسد معارض بديل له. وبالنسبة إلى الميثاق، فنحن لا نرغب في أن نكون بديلين عن “الائتلاف” ولا عن غيره من الكيانات المعارضة، بل نرغب في أن نكون شركاء في خدمة قضيّة الوطن.

*هل ترون أنّ الجو الإقليميّ والدوليّ يعمل على دعم تجزئة أكثر وأوسع لقوى الثورة والمعارضة، ببحثه عن أجسام معارضة سوريّة جديدة؟

**في الحقيقة، لا أرى أنّ المجتمع الدوليّ يعمل على ذلك.

*ما نظرتكم إلى الوجود العسكري الأجنبي المتعدّد في كامل الجغرافيا السوريّة الممزّقة؟ وما السبل لإنهاء هذا الوجود (خمس جيوش محتلّة “روسيّة وإيرانيّة وأميركيّة وتركيّة وإسرائيليّة”، وعشرات الميليشيّات الطائفيّة، وجحافل من المرتزقة)؟

**بالطبع، نحن في “ميثاق سوريا الوطني” نقف ضدّ وجود أيّ قوى عسكريّة تابعة بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر لدولةٍ أجنبيّة، ونحن واضحون بأنّنا نسعى في نهاية المطاف إلى دولة موحّدة ذات سيادة كاملة على كلّ شبرٍ من الأراضي السوريّة. أمّا عن رؤيتنا لإنهاء هذا الوجود العسكري، فهي لا تخرج عن الأطر المحدّدة بقرار مجلس الأمن 2254، فنحن لا ندعو لحرب شعواء ضدّ هذه القوى الأجنبيّة. ولكي نكون واقعيين، نحن لا نستطيع شنّ حرب على جيوش مدعومة من دول أجنبيّة، لذلك فسنسلك الطريق الدبلوماسي والسياسيّ الليّن، بهدف إيجاد توافقات حول طريقة الحفاظ على مصالح الدول المتدخّلة بالشأن السوريّ وكذلك أمنها القومي، بما لا يمسّ بالمصلحة الوطنيّة العليا للشعب السوريّ، فلم تتدخّل هذه الدول إلّا لغاية ترغب في تحقيقها، ووجودها العسكري الدائم مكلف بالنسبة إليها ومرهق لها ولشعبها، حتّى إنّ غالبيّة الدول، مهما طال أمد وجودها على أراضي دولة أخرى، تنسحب في نهاية المطاف، كما رأينا في أفغانستان في الأيّام الماضية، ولذلك نرى أنّ هذه الدول لن ترفض التفاوض معنا، ولكن قد يكون طريق التفاوض طويلًا، لكوننا لا نقبل التنازل بأيّ شكلٍ كان عن مصالح شعبنا، إلّا أنّنا نرى ضوءًا في نهاية النفق.

فساد النظام يدفعه إلى تضييق الخناق على الشعب

*كيف يمكن العمل على مواجهة التغلغل الإيرانيّ في بنية المجتمع السوريّ، والحدّ من سعي إيران إلى تغيير الديموغرافيا وتملكها للأراضي والعقارات، خاصّة في دمشق القديمة والجزيرة السوريّة ولا سيما في محافظة دير الزور؟

**أقول، بكلّ أسى، إنّ هذه المواجهة لا تقع على عاتق السياسيّين بالدرجة الأولى، بل تقع على عاتق الشعب السوريّ نفسه، بدءًا ببسطائه إلى أعلى الهرم الاجتماعيّ فيه. فلا يمكن لأيّة أفكار أن تغزو مجتمعًا ما، ما لم يفتح هو الباب لها. وما دام الشعب السوريّ متمسّكًا بعاداته وأعرافه وعراقته ولغته، فلن تتمكّن إيران من دخول منازل السوريّين. أمّا في ما يخصّ الأراضي والعقارات، فهنا أدعو كلّ مواطن سوريّ إلى ألّا يفضّل مصلحته الشخصيّة المادّيّة على مصلحة البلاد والوطن، وألّا يُثمّن بضع قروش اليوم -بعد انهيار الليرة السوريّة- أكثر ممّا يُثمّن مستقبل الوطن، فهو مستقبل أطفاله في نهاية المطاف. إنّنا نمرّ بمرحلة صعبة، ولا شكّ في ذلك، لكنّنا بالقليل من الصبر سنتمكّن من العبور للضفة الأخرى، وسنحظى بالوطن الذي حلمنا به عندما تمرّدنا على الاستبداد. أمّا نحن -السياسيّين- فسنسعى بكلّ جهودنا مستخدمين الأدوات الدستوريّة والقانونيّة لمكافحة تملّك الأجانب لأجزاء واسعة من الأراضي السوريّة، وهذا ممكن، وكلّ رجل قانون يعلم ذلك، ففي كلّ دولة هناك قيود على تملّك الأجانب، وبذلك لا يبقى سوى أن نمنع تجنيس الأجانب في سورية، وهذا واحد من البنود الأساسيّة التي قمنا بذكرها في وثائق “ميثاق سوريا الوطني”، حيث شددنا -بكلّ وضوح- على عدم اعترافنا بمواطنة كلّ من اكتسب الجنسيّة السوريّة بعد عام 2011، باستثناء الإخوة الأكراد الذين وُلدوا سوريّون وحالت بعض الظروف من تجنيسهم.

إياد القدسي في زيارة إلى مدرسة قادمون في إسنلار التركية عام 2014 (من الأرشيف)

*تعيش سورية والسوريّون اليوم أزمة اقتصاديّة ومعيشيّة غير مسبوقة، كيف ترون في “ميثاق سوريا الوطني” الحلّ الاقتصادي لهذه الأزمة القائمة، وتجاوز العقوبات الأميركيّة والغربيّة الاقتصاديّة التي تبيّن أنّها لا تصيب سوى عامّة السوريّين؟

**حال السوريّين في الداخل يؤلمنا حقيقةً. العقوبات -بكلّ صراحة- تستثني المساعدات الإغاثيّة الإنسانيّة، وتستهدف شخصيّات بعينها، لكن فساد النظام يدفعه إلى تضييق الخناق على الشعب السوريّ، ليغطّي جشع مرتزقته. ولا يمكن الحديث اليوم عن رفع العقوبات الاقتصاديّة عن البلاد، فهذا سيُنعش النظام السوريّ وسيزيد من قوّته، لكن ما نستطيع فعله هو الضغط أكثر على المجتمع الدوليّ، لزيادة حصّة الشعب السوريّ من المعونة الإغاثيّة، والأهمّ من زيادة المعونة هو إيجاد آليّات فعّالة وناجعة للرقابة على التوزيع العادل لهذه المعونة، ومكافحة فساد النظام في التوزيع، وهذا ثابتٌ عليه في تقارير دوليّة، لذلك أرى أن نضغط باتّجاه منع تسليم المعونات إلى الجمعيّات الإغاثيّة التابعة بشكلٍ غير مباشر للنظام، وأن نعمل لإدخال جهات دوليّة تكون مسؤولة عن عمليّة التوزيع.

*أخيرًا؛ هل عندكم تصوّر لما ستؤول إليه الأوضاع في سورية على المدى القريب والبعيد؟

**لقد اعتدتُ أن أكون صريحًا مع نفسي ومع أبناء شعبي، ولا أرغب في أن أبيعهم تفاؤلًا زائفًا، حيث إنّني لا أرى انفراجًا على المدى القريب، لكني أرى أنّ الوعي السياسيّ يتراكم لدى الشعب السوريّ بعد عشر سنوات، وأن الكفاءات الشبابيّة التي تخرّجت من أكبر الجامعات العالميّة، وانفتحت على ثقافات الشعوب المختلفة، ستستطيع أن تدفع بقوّة نحو الحلّ السياسيّ في البلاد، وستتمكّن، بل إنّها تمكّنت فعليًّا، من قلب الرأي العامّ العالميّ لصالح الشعب السوريّ، وفي كلّ يوم نسمع قصة نجاحٍ لشاب أو فتاة سوريّين تنفرج لها أساريرنا، وتشعرنا أنّنا نسير على طريق النصر.

المصدر : ” مركز حرمون للدراسات المعاصرة”

شاهد أيضاً

عالم إسباني يكشُف لماذا كان الزلزال في تركيا وسورية “مدمرًا” إلى هذا الحدّ

قال خوردي دياز عالم الزلازل في معهد برشلونة لعلوم الأرض التابع للمجلس الأعلى للبحث العلمي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *