الحموي في حوار مع “حرمون”: ندفع باتّجاه تبنّي بريطانيا نموذجًا مشابهًا لـ”قانون قيصر”

يستضيف مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في هذه الفسحة الحوارية، المعارض السوري والمعتقل السياسي السابق الدكتور هيثم الحموي، رئيس “المجلس السوري البريطاني”.

حديثنا مع الدكتور الحموي يأتي بعد أن أصدرت الخزانة البريطانية قرارًا يقضي برفع العقوبات المفروضة على رجل الأعمال السوري البارز طريف الأخرس، المتّهم بدعم نظام الأسد خلال فترة الثورة وخرق العقوبات، وهو عمّ أسماء الأسد، وكذلك بعد تزايد الحراك السوري في المملكة المتّحدة وفي الأوساط السياسية المعارضة، لدفع الحكومة البريطانية لمحاكمة أسماء الأسد قضائيًا، باعتبارها مسؤولة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، مثل زوجها، وتجريدها من الجنسية البريطانية، كونها تخضع لعقوبات من المملكة المتّحدة والاتّحاد الأوروبي منذ عام 2012، وبعد أن شملتها منتصف العام الماضي عقوبات “قانون قيصر” الأميركي، الحدث الذي وصفه تقرير لموقع “ميدل إيست مونيتور” البريطاني -آنذاك – بـ “التطور الكبير”، كونها المرة الأولى التي يُدرج فيها اسم شخص متخرج في كلية الملك (التابعة لجامعة لندن)، إحدى أعرق الجامعات البريطانية. وكانت الرسالة التي وجهتها شخصيات سورية معارضة إلى الحكومة البريطانية، في 26 كانون الأول/ ديسمبر 2020، من أبرز فصول هذا الحراك، حيث طالب الموقعون عليها “بفرض عقـوبات على أسماء الأخرس زوجة بشار الأسد، ووالديها وأخويها، على غرار العقـوبات الأميركية الأخيرة التي طالت أسماء وأفرادًا من عائلتها”. وفي أحدث تحوّل منذ عام 2011، فــتحت شرطة لندن، في 14 آذار/ مارس 2021، تحقـيقًا أوليًا في مزاعم تورط أسماء الأسد في “التحريض على ارتكاب أعمال إرهــابية”، خلال الحرب في بلدها.

هنا نصّ حوارنا مع رئيس “المجلس السوري البريطاني”، حيث نقف وإياه على دور “المجلس” وأنشطته في مجال المناصرة والحشد للقضية السورية في المملكة المتّحدة، ولمعرفة موقف الحكومة البريطانية من نظام بشار الأسد، وما يجري في الساحة البريطانية من حراك قضائي وقانوني، للحدّ من خطر أسماء الأسد وعائلتها (الأخرس)، بخاصّة بعد فتح تحقيق رسمي من قبل وحدة مكافحة الإرهاب في شرطة مدينة لندن، في اتّهامات لزوجة رأس النظام مجرم الحرب بشار الأسد، تزامنًا مع الذكرى العاشرة للثورة السورية.

في مستهلّ حوارنا، نرجو منك تعريف قرّاء مركزنا بنفسك، وأين تقف الآن، بعد مضي أكثر من عشر سنوات على انطلاق الثورة السورية؟

هيثم الحموي من أبناء مدينة دمشق، عشت معظم حياتي في مدينة داريّا في ريف دمشق. تخرجت من كلّية الطب البشري في جامعة دمشق عام 1999، وأصبحت معيدًا في قسم “طب المجتمع”، ونلت شهادة الماجستير من الجامعة نفسها في اختصاص “الصحة المهنية”.

كنتُ أحد ناشطي “مجموعة داريا”، وأغلبها من طلاب الشيخ عبد الأكرم السقّا، التي بدأت منذ عام 1999 بمجموعة من الأنشطة المدنية والمجتمعية، التي تهدف إلى توعية الناس بأهمّية المبادرة والفعالية في الشأن العامّ، وعند وفاة حافظ الأسد واستلام ابنه بشار رئاسة سورية، رفضت المجموعة المشاركة في الفعاليات التي واكبت وفاة الأب وتنصيب الابن، وأدّى ذلك إلى اعتقال الشيخ السقا في شهر تموز/ يوليو 2011، والتضييق على نشاطات طلابه والتهديد باعتقالهم. تابعت المجموعة نشاطاتها المدنية، وتوّجتها عام 2003 -عقب الغزو الأميركي للعراق- بمجموعة من النشاطات المدنية التي كانت تهدف إلى إظهار أنّ ضعف أي دولة أمام أعدائها هو ناجم عن ضعف الشعوب في معالجة أخطائها، وإلى كبت الحكومات لأي عملية إصلاحية جدّية. فقمنا بتنظيم تظاهرة مناهضة للغزو الأميركي، وحملة للنظافة، وحملة لمكافحة التدخين الأميركي، وحملة لمكافحة الرشوة وبيان خطرها على المجتمع ككلّ. كانت نتيجة هذه النشاطات أن اعتقل النظام 24 شابًا من أفراد “مجموعة داريا”، وكنت واحدًا من المعتقلين، وقد حكمت عليّ المحكمة الميدانية بالسجن أربع سنوات، قضيت منها سنتين ونصف معظمها في سجن صيدنايا، ومن ثمّ خرجت آخر عام 2005، عندما تمّ إخراج حوالي 90 معتقلًا سياسيًا بعفو رئاسي.

سافرت إلى بريطانيا في أواخر عام 2007 لدراسة الدكتوراه، وحصلت عليها عام 2012. حاولت منذ بداية الثورة السورية أن أكون صوتًا للسوريين في الخارج، وأنّ أبين حقيقة ما جرى ويجري في البلاد، وأصبحت مطلوبًا في سورية نتيجة نشاطي هذا، لذلك لم أعد بعد تخرجي، وتابعت حياتي في بريطانيا مديرًا لجمعية “فكر وبناء” التي تعمل لخدمة الجالية السورية في بريطانيا، وأسهمت في تأسيس المجلس السوري البريطاني أواخر عام 2018، وحاليًا أنا رئيس مجلس إدارته.

حدّثنا عن تفاصيل تلك الأيام التي قضيت معظمها في سجن صيدنايا، السيئ السمعة والمعروف عالميًا باسم “المسلخ البشري”، وماذا بقي في الذاكرة من جحيم معتقلات الأسد الابن؟

السجون السياسية في سورية هي سجون سيئة، وتسودها الإهانة والتعامل القاسي والتعذيب الذي قد يصل إلى الموت في كثير من الأحيان، ولا توجد عمليًا أي حقوق للسجين، وكلّ ما يحصل عليه في يوم قد يتغيّر في يوم تالي، والوضع في سجن صيدنايا كان متذبذبًا في تلك السنوات التي قضيتها فيه، إذ كانت الإجراءات تصعب في شهور، وتنفرج قليلًا في شهور أخرى، لكن الأوقات الأصعب التي قضيتها فيه كانت الشهور السبعة التي أمضيتها في الزنزانة الانفرادية في قبو سجن صيدنايا، وذلك بإيعاز من قاضي المحكمة الميدانية، لأنّني رفضت التراجع عما كنت أمارسه من نشاط مدني. كانت تلك الشهور صعبة، لأنّه لم يكن لدينا أي شيء في تلك الزنزانة ولم أرَ فيها الشمس إلّا مرّة واحدة طوال تلك الأشهر، وكانت الزنزانة عبارة عن براد حقيقي، لعدم وجود أي نوع من أنواع التدفئة، وقد تعرّضت للضرب الجسدي والإهانة مرّات عدّة في تلك المنفردة. لكني أستطيع القول، ونحن نعيش القصص الرهيبة التي يعانيها المعتقلون في سجن صيدنايا اليوم، إنّني لم أشهد إلّا فصولًا بسيطة جدًا من الإجرام الأسدي في تلك المعتقلات.

“المجلس” صوت السوريين وأصدقائهم الطامحين لرؤية سورية حرّة

بصفتك رئيس المجلس السوري البريطاني، أرجو أن تحدثنا عنه؛ النشأة، الغايات، والأهداف؟

تأسس “المجلس” في أواخر عام 2018، بمبادرة من مجموعة من الناشطين وقادة عدد من المجموعات السورية العاملة في مختلف المدن البريطانية. كانت غاية “المجلس” الرئيسية أن يكون صوتًا للسوريين وأصدقائهم الطامحين لرؤية سورية حرّة وديمقراطية.

يعمل “المجلس” بشكلٍ رئيسي في مجال المناصرة والحشد للقضية السورية، ويعمل على توضيح الصورة الحقيقة لما جرى ويجري في سورية ولما يمكن عمله من قبل المجتمع الدولي، بخاصّة الحكومة البريطانية، لمساعدة الشعب السوري في نضاله من أجل الحرّية والعدالة واحترام حقوق الإنسان. ويقوم “المجلس” بذلك عن طريق التواصل مع صُنّاع السياسات والقرار في بريطانيا، وعن طريق رفع سوية الوعي لدى المجتمع البريطاني حول الوضع في سورية، عن طريق عقد الندوات والفعاليات وعن طريق التواصل مع المؤسّسات الإعلامية ومجموعات الضغط ومختلف المؤسّسات المدنية ذات الصلة.

من يموّل “المجلس السوري البريطاني”؟ وهل هذا التمويل كاف للقيام بالمهام المنوطة به؟

في البداية، اقتصر تمويل “المجلس” على أعضاء مجلس الإدارة الذين التزموا بمبالغ شهرية لضمان انطلاقته خلال الأعوام الأولى. بعد انطلاقة “المجلس” ومأسسته، توجّهنا إلى بعض السوريين المتضامنين مع رسالة “المجلس”، وقد تكفّل بعضهم مشكورًا بالتبرع بمبالغ شهرية متفاوتة لدعم عمل “المجلس”.

حاليًا، نحاول التوازن بين التمويل والمستحقات المالية، وما زال الاعتماد الأكبر على أعضاء مجلس الإدارة، لكننا نطمح إلى زيادة عدد المتبرعين السوريين، كي يتمكّن “المجلس” من تطوير عمله وزيادة نشاطاته، مع الحفاظ على استقلاليته السياسية والمالية.

هل من تعاون بين “المجلس” وقوى وأطياف الثورة والمعارضة السورية، في مجالات معينة، بخاصّة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية والهيئة العليا للمفاوضات، واللجنة الدستورية؟

“المجلس” منفتح على التعاون مع كلّ أطياف الثورة ومجموعاتها وتنظيماتها، السياسية منها والمدنية. وهناك تواصل بين “المجلس” وبين الائتلاف”، وحدثت لقاءات عدّة فيما بيننا، وتواصلنا مرّات مع الجهات المذكورة، وذلك لضمان وحدة الصوت السوري المعارض عند التواصل مع الجهات الدولية وبخاصّة الجهات والمؤسّسات البريطانية. وهناك أيضًا تواصل دائم ومستمرّ مع اللجنة الدستورية، خصوصًا أنّ المدير التنفيذي للمجلس الأستاذ مازن غريبة هو أحد أعضاء اللجنة المصغرة في اللجنة الدستورية عن قائمة ممثلي المجتمع المدني. وبالطبع، لا تنحصر علاقتنا مع الأجسام السياسية المذكورة سابقًا، خصوصًا أنّ “المجلس” موجود في عدد كبير من التحالفات المدنية السورية العاملة في المهجر، إضافة إلى تنسيقه المستمرّ مع عدد كبير من منظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية، داخل سورية وخارجها.

ما نوع الدعم الذي من الممكن أن يقدّمه “المجلس” للاجئين السوريين في بريطانيا؟

تركيز “المجلس” الأساسي هو على نصرة القضية السورية، بأبعادها السياسية والحقوقية والإنسانية، لكنّه لا يغفل أي مجال لإيصال صوت السوريين إلى الحكومة البريطانية، سواء في قضايا تخص بلدهم الأم سورية أو في قضايا متعلّقة بوجودهم في بريطانيا، وكمثال على ذلك، يتواصل “المجلس” حاليًا مع أعضاء البرلمان، بخصوص مقترح قوانين اللجوء الجديدة الذي تسعى وزيرة الداخلية بريتي باتيل لتمريرها، وهي قوانين يمكن أن تؤثّر سلبيًا في أوضاع طالبي اللجوء الجدد من السوريين وغيرهم.

د. الحموي في إحدى الندوات بالمملكة المتّحدة

كيف تنظر إلى مسار العملية السياسية، بعد تمثيلية الانتخابات الرئاسية السورية التي وصفها الغرب بأنّها “غير شرعية وزائفة”؟

السماح لبشار الأسد بالقيام بهذه المهزلة الانتخابية هو دليل على عدم وجود أي اهتمام غربي حالي بحلّ القضية السورية بشكلٍ عاجل. لكني في الوقت ذاته لا أعتقد أنّ هذه الانتخابات ستغيّر شيئًا من الموقف السياسي المعلن للدول الغربية تجاه نظام الأسد. المشكلة أنّه حتّى الآن لا توجد أي عملية سياسية جدّية، وكلّ المفاوضات التي جرت بين النظام والمعارضة لم تصل -برأيي- إلى نقطة البدء، فضلًا عن أن نقول إنّ هناك مسارًا جدّيًا للعملية السياسية. وفي هذا السياق، قام “المجلس” بلقاء عدد من البرلمانيين البريطانيين في مجلسي العموم واللوردات، إضافة إلى تواصله مع الفريق السوري في الخارجية البريطانية. وقد أدى هذا الضغط دورًا أساسيًا في إصدار البيان الخماسي لوزراء خارجية بريطانيا وأميركا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، في 25 أيار/ مايو، حول المهزلة الانتخابية في سورية، التي وصفها البيان بأنّها “انتخابات غير شرعية وزائفة”، ولن تؤدّي إلى أي تغيير حقيقي في السياق السوري.

بريطانيا عمليًا غير مهتمّة بإيجاد حلّ للقضية السورية

ما هو تقييمكم في المجلس السوري البريطاني” لسياسات الحكومات البريطانية المتعاقبة منذ عشر سنوات تجاه النظام السوري؟

سياسات الحكومة البريطانية المعلنة لم تتغيّر منذ قيام الثورة، لكنها عمليًا لم تتجاوز التصريحات، باستثناء الدعم المادّي الإنساني. ويعدّ الموقف البريطاني من أشدّ المواقف المتصلبة ضدّ الأسد، لكن بريطانيا عمليًا غير مهتمّة بإيجاد حلّ للقضية السورية، وهي تستند بشكلٍ رئيسي إلى الموقف الأميركي. التصويت الذي قام به البرلمان البريطاني عام 2013، للعمل العسكري ضدّ نظام الأسد بعد استخدامه السلاح الكيميائي ضدّ شعبه، كان كارثيًا، حيث إن عدم موافقة البرلمان آنذاك على التدخل أعطى ذريعة للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما للتريث والخروج من خطوطه الحمراء بإبرام اتّفاق مع روسيا لنزع السلاح الكيميائي الذي بحوزة نظام بشار الأسد. كان ذلك التصويت وتداعياته إشارة خضراء للأسد بالاستمرار في ذبح شعبه بكلّ الوسائل، ورسالة مفادها أنّ المجتمع الدولي لن يتدخل عسكريًا لوقف مجازر الأسد، مهما تعاظمت. لذلك أكرر أنّ الموقف البريطاني ممتاز جدًا، من حيث التصريح، لكنه خاوٍ تمامًا من حيث إحداث أي أثر على أرض الواقع.

تزامنًا مع الذكرى العاشرة للثورة السورية، خرجت تقارير عن تحقيقات في بريطانيا عن تهم بالتحريض على ارتكاب جرائم حرب، بحقّ زوجة رأس النظام السوري أسماء الأسد، بريطانية المولد. التحقيقات صحبتها تكهنات بإمكانية إسقاط الجنسية عنها، ومنذ العام 2012، انضمت أسماء إلى قائمة المسؤولين السوريين الذين تُطبق عليهم قائمة العقوبات الأوروبية. وفي أكثر من مناسبة، أثيرت مسألة سحب الجنسية منها، غير أنّ ذلك لم يحصل حتّى الآن. ما هي الأسباب؟ وهل فعلًا يمكن تجريدها من الجنسية البريطانية؟

التجريد من الجنسية البريطانية قد يحصل، في حال إثبات أنّ صاحب الجنسية يمثّل خطرًا على أمن المملكة المتّحدة، وهذا ما يصعب إثباته حتّى الآن بحقّ أسماء الأسد. في سياق آخر، بدأ في بريطانيا منذ أشهر عدّة تحقيق رسمي، من قبل وحدة مكافحة الإرهاب في شرطة مدينة لندن، في اتّهامات لأسماء الأسد بالترويج لجيش النظام السوري المتهم بجرائم حرب، وقد ضجّت الصحف البريطانية بهذا الخبر. هذا الاتّهام، في حال إثباته، قد يمهّد لإدانة أسماء الأسد وتجريمها، وربّما محاكمتها أمام محكمة بريطانية، كونها ما تزال تحمل الجنسية البريطانية، لكن هذا -حسب فهمي المتواضع في الشؤون القانونية- أمرٌ مختلف عن سحب جنسيتها. و“المجلس” يقوم بمتابعة هذه القضية مع البرلمان وعدد من أعضاء الحكومة، وليس هناك تصريح رسمي حتّى الآن، كون القضية ما تزال تخضع للتحقيق وجمع الأدلّة.

في حزيران/ يونيو الماضي، قال وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، عن أسماء الأسد بالتحديد، “إنّها بدعم من زوجها وأفراد من عائلتها (عائلة الأخرس) أصبحت واحدة من أكبر الرابحين مادّيًا من الحرب وأصحاب السمعة السيئة. هل لمثل هذه التصريحات الصادرة عن مسؤولين أميركيين أيّ تأثير في تغيير المزاج الرسمي البريطاني، يدعم التوجّه في تجريدها من الجنسية وفرض مزيد من العقوبات عليها؟

أعتقد أنّ الأمر له علاقة بالحلّ في سورية؛ فإن كان المطلوب، أميركيًا وبريطانيًا، ألّا يكون لأسماء الأسد أي دور فيه، فيمكن أن تحاول بريطانيا التضييق عليها أكثر وأكثر. التصريحات وحدها من قبل الأميركيين لن تغيّر شيئًا في بريطانيا، أما إن قرّرت أميركا التصعيد تجاه أسماء الأسد، سياسيًا واقتصاديًا، فغالبًا ستلحق بها بريطانيا. وتجدر الإشارة إلى أنّ عددًا من الصحف البريطانية، مثل “التايمز” و”التيليغراف” و”الغارديان”، نشرت تقارير حول التورّط المباشر لأسماء الأسد في جرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان في سورية، وأعتقد أنّ هذا الأمر قد يكون مؤشرًا على المزاج البريطاني العامّ الذي بات يرى أسماء الأسد على حقيقتها كشريك أساسيّ في كلّ الجرائم التي تجري في سورية.

د. الحموي يلقي كلمة في أحد أنشطة المجلس السوري البريطاني

أصدرت الخزانة البريطانية، في الآونة الأخيرة، قرارًا يقضي برفع العقوبات المفروضة على رجل الأعمال السوري البارز طريف الأخرس، المتّهم بدعم نظام الأسد، خلال فترة الثورة وخرق العقوبات، وهو عمّ أسماء الأسد. وعلّلت الخارجية البريطانية هذا الإجراء بأنّه جاء بعد مراجعة عادية لعقوبات المملكة المتّحدة المفروضة بموجب قواعد المجموعة الأوروبية للتعاون الإقليمي (EU Exit) التي تمّ تبنّيها عام 2019. وهذه هي المرّة الأولى التي تشطب فيها الحكومة البريطانية اسم شخص من قائمة العقوبات المفروضة بموجب القواعد الجديدة التي تمّ تبنّيها بعد “بريكست” لدعم العقوبات ضدّ الأفراد المرتبطين بحكومة النظام السوري. سؤالنا: ما دلالات إزالة الحكومة البريطانية العقوبات عن طريف الأخرس؟ ولماذا تمّ الأمر خلسة بتقديركم؟

ما تزال أسباب إزالة طريف الأخرس من قائمة العقوبات البريطانية غير واضحة لنا. لكنّ هذا القرار يبدو أنّه قرار منعزل، متعلّق بطريف الأخرس نفسه، لا بالتوجّه العامّ للحكومة البريطانية، التي لا تزال تدرج شخصيات مرتبطة بالنظام بشكلٍ مستمرّ في قائمة عقوباتها. وقد صرّح المجلس السوري البريطاني” لصحيفة “التيليغراف”، المقربة من الحزب الحاكم، عقب إزالة العقوبات عن طريف الأخرس، بأنّ قرار الحكومة البريطانية يتنافى مع سياستها الرامية لمحاسبة ومعاقبة كلّ الأفراد المتورّطين بأنشطة إجرامية داعمة للنظام السوريّ، خصوصًا أنّ دعم طريف الأخرس لنظام الأسد يُعزّز قدرة النظام على ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان. وهنا أؤكّد أنّ هناك رجال أعمال سوريين أقلّ شهرة من طريف تمّ إدراجهم اعتمادًا على تلك المعايير، عندما كانت المملكة المتّحدة جزءًا من الاتّحاد الأوروبي، وتمّ نقلهم لاحقًا إلى العقوبات البريطانية بعد خروجها من الاتّحاد الأوروبي، علمًا أنّ هناك عددًا كبيرًا من الأدلّة تثبت تورّط طريف الأخرس بدعم النظام في حربه ضدّ الشعب السوري.

هل ترون هذا الإجراء تغييرًا في سياسة الحكومة البريطانية تجاه نظام بشار الأسد بشكلٍ من الأشكال؟ وهل يمكن أن يكون له تبعات على صعيد تحسّن العلاقات بين المملكة المتّحدة والنظام السوري؟

لا يوجد أي تغيير في سياسة الحكومة البريطانية تجاه النظام السوري. الموقف الرسمي للحكومة والبرلمان هو موقف حازم تجاه النظام وأفعاله الإجرامية تجاه السوريين. ولا توجد أي رغبة أو سياسة لإعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري. الأمر الذي كان واضحًا في البيان الخماسي الصادر في 25 أيار/ مايو الرافض لمسرحية الانتخابات في سورية، والذي أكّد على أنّه لن يعترف بشرعية هذا النظام. والأمر الإيجابي هنا أنّ الأحزاب المعارضة أيضًا، مثل “حزب العمال”، تتبنى هذا الموقف من القضية السورية.

تأثير فواز الأخرس على السياسات البريطانية ضعيف ومحدود

بعد إصدار “المجلس السوري البريطاني بيانًا أكّدتم فيه “استمرار العمل خلال الفترة المقبلة مع عدد من نواب البرلمان، في مجلس العموم ومجلس اللوردات، لإعادة طريف الأخرس إلى قائمة العقوبات البريطانية”؛ ما هي الآليّات التي ستمكّنكم من تحقيق هذا الهدف؟ وما مدى تعاون نواب البرلمان في مجلسي العموم واللوردات معكم لنصرة القضية السورية؟

نقوم حاليًا بإجراء لقاءات واسعة مع عدد من النواب في مجلسي العموم واللوردات حول هذه القضية. ويبدو أنّ هناك تجاوبًا مبدئيًا منهم. قد يقوم بعض النواب بتقديم رسالة رسمية إلى الخزانة البريطانية تطلب منهم إبداء تبرريهم لرفع العقوبات عن طريف الأخرس، وعلى أساس هذه الإجابة، سنبني تحرّكًا أوسع. علمًا أنّ “المجلس السوري البريطاني”، بالتعاون مع عدد من التحالفات والمنظّمات السورية في بريطانيا وخارجها، قاموا بإرسال رسالة موقّعة من قبلهم إلى الخارجية البريطانية، تطالبهم بإعادة النظر بقرارهم. واستطعنا بذلك أن نحوّل هذه القضية إلى قضية سوريّة عابرة للحدود البريطانية، الأمر الذي قد يخلق مزيدًا من الضغط على الحكومة في بريطانيا.

ما موقفكم من “مجموعة عمل سورية للدعاية والإعلام، واللوبي الداعم لنظام بشار الأسد في بريطانيا، الذي يقف خلفه “الجمعية البريطانية السورية(BSS) بإدارة فواز الأخرس (والد أسماء الأسد) الذي أكّدت مصادر صحفية غربية أنّه “وراء حملة تضليل روسية بشأن كيمياوي دوما”؟ وهل هناك أي تحرّك لتجريم فواز الأخرس وفرض عقوبات عليه بموجب “قواعد المجموعة الأوروبية للتعاون الإقليمي (EU Exit

أرى أنّ تأثير فواز الأخرس والجمعية التي يرأسها على السياسات البريطانية هو تأثير ضعيف ومحدود. خصوصًا أنّ معظم الأحزاب البريطانية، إن كان “حزب المحافظين” أو “حزب العمال”، لديها سياسات واضحة تجاه نظام الأسد، ولم يستطع فواز الأخرس إحداث أي تغيير حقيقي فيها. حتّى حملة التضليل الإعلامي التي يقوم بها مع عدد من الأكاديميين البريطانيين، حول موضوع مجزرة الكيمياوي في الغوطة، باتت مكشوفة، وقد أُشير إلى خطورتها في عدد من الصحف والقنوات الإعلامية في بريطانيا.

أعلنت بريطانيا، منتصف آذار/ مارس الماضي، عقوبات جديدة تستهدف 6 أعضاء في (الحلقة الضيّقة) للرئيس بشار الأسد وزوجته أسماء، بينهم وزير الخارجية فيصل المقداد، والمستشارة في القصر الرئاسي لونا الشبل. ما الذي تقوله مثل هذه الإجراءات لأسر الضحايا والنازحين واللاجئين، ولكلّ السوريين، بعد عَقد من المعاناة؟ وهل يمكن لهذه العقوبات أن تؤدّي إلى إسقاط نظام بشار الأسد، حسب تقديرك؟

بداية، من الضروري ضبط سقف التوقّعات بما يتعلّق بقضية العقوبات المفروضة على النظام السوري. حيث إن هذه الإجراءات، على الرغم من أهمّيتها البالغة، كأحد أهمّ أوراق الضغط السياسية على الأسد، ليس لها -مع الأسف- أيّ تأثير مباشر وسريع على الوضع السوري، وكثير منها غايته ذرّ الرماد في العيون وتأكيد المواقف وإرسال الرسائل للأسد وحلفائه. ونحن في “المجلس السوري البريطاني” نرى أنّ العقوبات المفروضة على أفراد مرتبطين بنظام الأسد وميليشياته يجب أن تستمرّ، فأي تضييق اقتصادي أو دبلوماسي على هذه الفئة قد يزيد من ضعف النظام، الأمر الذي قد يُرغمه على تقديم تنازلات سياسية واسعة، قد تكون إحدى مداخل الانتقال السياسي في البلاد. إن العقوبات وحدها قد لا تؤدّي إلى سقوط النظام بالشكل الذي نأمله، لكنها ورقة ضغط مهمّة، ويجب علينا استغلال كلّ المسارات والأدوات المتاحة لنا حاليًا.

ما أبرز التحرّكات التي اتّخذها “المجلس السوري البريطاني في السنوات الماضية، للضغط على البرلمان البريطاني بما يتعلّق بقضية العدالة والمحاسبة لمجرمي الحرب ومنتهكي حقوق الإنسان في سورية؟ وهل من نتائج ملموسة تحقّقت في هذا السياق على أرض الواقع؟

بعد اجتماعات عدّة، بين “المجلس السوري البريطاني” وعدد من البرلمانيين ووزراء الحكومة ووزراء الظل البريطانيين، أعادت الحكومة والبرلمان في المملكة المتّحدة تأكيد التزامهما بقضية الملاحقة الجنائية للأفراد البريطانيين المرتبطين بأنشطة إجرامية داعمة للنظام السوري. وبناء على جهود “المجلس”، طرح النائب كونور مكجن، وزير الظل للداخلية البريطانية، سؤالًا برلمانيًا، في يوم 6 تموز/ يوليو، حول ماهيّة الخطوات التي تتخذها وزارة الداخلية البريطانية تجاه الأفراد في المملكة المتّحدة، من الذين لديهم ارتباط مباشر بالنشاطات الإجرامية للنظام السوري. وقدّمت الحكومة جوابها الرسميّ عن طريق النائب كيفن فوستر، يوم 16 تموز/ يوليو، حيث شدّد على أنّ وزارة الداخلية والشرطة والنيابة العامّة في المملكة المتّحدة ستحاسب جميع الأفراد المتورّطين في أي نشاط إجرامي داعم للنظام السوري، بالإضافة إلى منعهم من تحريك أموالهم عبر البنوك البريطانية، أو الاستفادة بأي شكل من الأشكال من اقتصاد المملكة المتّحدة. ويشيد “المجلس السوري البريطاني” بالتحقيق الذي تجريه حاليًا (وحدة مكافحة الإرهاب) التابعة للشرطة البريطانية، بشأن زوجة رأس النظام في سورية، أسماء الأسد، بعد أن قدّمت منظمة Guernica 37 أدلّة إلى الشرطة تظهر دعمها للإرهاب في سورية. وسيواصل “المجلس” انخراطه الدائم والفاعل مع الحكومة والبرلمان وأجهزة الشرطة المختلفة في المملكة المتّحدة، من أجل محاسبة ومعاقبة كلّ مجرمي الحرب على أفعالهم الإجرامية المنهجية بحقّ المدنيين في سورية.

ما معلوماتكم عن عمل فريق من المعارضين السوريين، حول دفع الحكومة البريطانية إلى سنّ قانون عقوبات بريطاني شبيه بـ“قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية؟ وما رؤيتكم في “المجلس السوري البريطاني تجاه هذه الخطوة؟

يقوم “المجلس السوري البريطاني”، من خلال عدد من أعضائه الحقوقيين المختصّين، إضافة إلى حلفائه من مؤسّسات قانونية وحقوقية، سورية وغير سورية، بتقديم النصح والمشورة بشكلٍ دائم إلى الحكومة البريطانية، بما يتعلّق ببرنامج العقوبات الخاصّ بها. خصوصًا أنّ بريطانيا، بعد خروجها من الاتّحاد الأوروبي، أصبح لها نظام عقوبات خاصّ بها منفصل عن العقوبات الأوروبية. إننا نرى أنّ كلّ هذه العقوبات، تحديدًا تلك التي تنال أفرادًا وكيانات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بنظام الأسد، هي أوراق ضغط سياسية ودبلوماسية أساسية قد تصبّ في مصلحة السوريين على المدى البعيد. ندفع باتّجاه أن تتبنّى بريطانيا نموذجًا مشابهًا لـ “قانون قيصر” الأميركي، تحديدًا بما يتعلّق بفرض عقوبات على أطراف ثالثة، غير سورية، ذات علاقات اقتصادية أو استثمارية داعمة للأسد وميليشياته. لكنّ هذا الأمر يبقى أمرًا داخليًا لدى الحكومة البريطانية، ويتبع لكثير من الحساسيات والمفاوضات بين الأحزاب السياسية المختلفة في البلاد.

عقوبات أميركية لمنع أسماء الأسد من لعب دور سياسي

برزت في المشهد السوري ظاهرة مثيرة للجدل، وهي وضع صور لأسماء الأسد، في بعض الدوائر الحكومية ومكاتب الوزراء، في خطوةٍ تُعدّ الأولى من نوعها. ما تحليلك لهذه الظاهرة؟ وهل تتوقّع أن تلعب دورًا بارزًا في الحياة السياسية السورية، في المستقبل المنظور، بدعم روسي؟

يبدو أنّ العام الماضي شهد تحرّكًا مدروسًا، بشأن إيجاد دورٍ ما لأسماء الأسد في الحياة السياسية السورية، وظهر هذا الأمر بأشكال عديدة، وقد بات الدور الاقتصادي لأسماء الأسد كبيرًا، وبخاصّة ما ظهر أخيرًا في النزاع مع رامي مخلوف وتأسيس شركة الاتصالات التي أخذت اسم أسماء (إيماتيل). ما يجعلني أعتقد أنّه كان هناك ترتيب ما لإدخال أسماء الأسد في المعادلة السياسية من قِبل روسيا، فكان أن سارعت أميركا لفرض العقوبات عليها، كما سارعت بريطانيا لفتح التحقيق في جرائمها.

ما تفسيرك للادّعاءات المتكرّرة التي ينشرها القصر الجمهوري حول الأوضاع الصحية لأسماء الأسد؛ مرّة مصابة بالسرطان، ومرّة أصيبت وزوجها بفيروس (كوفيد-19)، ثمّ يُعلن أنّها تماثلت للشفاء. أهو نوع من استدرار التعاطف الشعبي وتقريبها من الشارع المحتقن الذي يشهد تردّيًا في الأوضاع الاقتصادية، ويعاني ارتفاع الأسعار، بعد أن أرهق المواطن الفسادُ وكثرة الفاسدين وتفشي الواسطة والمحسوبية، وانتشار الفقر والبطالة… أم ماذا؟

نعم، بكلّ تأكيد، إنّ نشر الأخبار عن هذه الإصابات، وإنْ صحّت هذه الادّعاءات، غايتُه استدرار التعاطف الشعبي، وإظهار أنّ هؤلاء المجرمين هم بشر طيبون يمرضون ويتعافون، وذلك لتخفيف الاحتقان ضدّهم، وبخاصّة بعد أن تنامى الاحتقان ضدّهم حتّى من الفئات المؤيدة لهم، بسبب الأوضاع الاقتصادية المأساوية التي تعيشها مناطق سيطرة النظام. لكن في الحقيقة، لم ألمس تعاطفًا من الرأي العامّ البريطاني تجاه أسماء الأسد ومرضها.

سؤال مهمّ يواجه السوريين اليوم، من دون أن يحظى بالاهتمام المطلوب: لماذا يتعاون السوريون، على اختلاف أطيافهم، مع القوى الإقليمية والدولية التي تسعى إلى السيطرة عليهم، وتحويل بلادهم إلى ساحة صراع دولي، ولكنّهم لا يبدون استعدادًا كافيًا للتعاون في ما بينهم، لتحقيق المصلحة الوطنية المشتركة. كيف تنظر إلى الأمر؟

التعاون مع الأطراف الخارجية بعضُه حسن النية ناجمٌ عن إيمان بأنّنا ضعيفون، وعلينا إرضاء تلك الدولة أو ذلك الفريق لعلّهم يقدّمون دعمًا يعود بالنفع على الشعب السوري، وبعض هذا التعاون هو بيعٌ للذمم، والبائع لا يهمّه مصلحة الوطن، بل مصلحته وما يدرّ عليه أموالًا أكثر. وكي نكون واقعيين، فإنّ الملفّ السياسي السوري أصبح ذا أبعاد إقليمية ودولية بالغة التعقيد، تفوق استطاعة السوريين وحدهم على إدارته أو التأثير عليه. لذا لا بدّ من الانخراط المباشر مع الفاعلين الدوليين في الملفّ السوري، لإيصال صوت السوريين أوّلًا، ولتوجيه سياسات تلك الدول بما يخدم الصالح السوري العامّ، وليس المصالح الإقليمية الضيّقة فحسب.

وهناك أسباب عديدة، لعدم استعداد السوريين للتعاون فيما بينهم، منها الخلافات الأيديولوجية وتغليبها على التوافق الوطني، ومنها حبُّ الزعامة والسيادة، ومنها الفساد والاستئثار بالتمويل، وطبعًا من الأسباب المهمّة غياب ثقافة الحوار والتعاون، نتيجة عقود من التصحر السياسي ومن غياب العمل المدني والمجتمعي المستقلّ.

لو انتقلنا للحديث معك عن أوضاع اللاجئين السوريين والعرب والمسلمين بعد سلسلة الهجمات الإرهابية في فرنسا والنمسا وألمانيا وبريطانيا في العام 2020. نسألك: ما تأثير تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا على أوضاع اللاجئين، بخاصّة السوريين؟ وما تحليلك للهجمات الإرهابية التي تعرّضت لها عواصم هذه البلدان الغربية؟

لا شكّ في أنّ تصاعد الخوف من الإسلام سيؤثّر في كلّ الجاليات المسلمة في الدول الغربية، ومنها مجموعات اللاجئين السوريين. حتّى الآن، ما تزال الأمور في معظم الدول الغربية ضمن السيطرة، لكن الحشد السياسي في كثير من البلدان الذي يستسيغ استثمار قضايا شعبوية، كقضايا المهاجرين واللاجئين والتخويف من الإسلام وبخاصّة عند اقتراب المناسبات الانتخابية، هذا الحشد قد يخرج من السيطرة مع الزمن، وعندئذ ستكون النتائج كارثية، ليس على الجاليات المهاجرة في الغرب فحسب، بل على استقرار الدول الغربية نفسها. وهذا ما نحاول دومًا توضيحه للمجتمعات والمؤسّسات الحكومية الغربية في كلّ مناسبة نستطيع فيها إيصال صوتنا.

كثير من الهجمات الإرهابية التي تعرّضت لها هذه الدول يثير الريبة، ولا يسهل فهم من المستفيد من هذه الهجمات، فحتّى المجموعات الإرهابية التي تنسب إليها هذه الهجمات لا نستطيع رؤية أي استثمار منها لهذه الهجمات الإجرامية. ولذلك نشدد على مقاربة شاملة لحلّ جذور مشكلات الإرهاب في العالم، وذلك بالمقاربة العادلة لقضايا العالم عمومًا والشرق الأوسط خصوصًا، وبدعم الديمقراطية في مختلف دول العالم؛ فانعدام الأمل الذي يخلقه التسلّط والدكتاتورية هو من العوامل المؤجّجة للإرهاب، وأيضًا دراسة قضايا اندماج الجاليات المسلمة في الغرب بشكلٍ علمي وواقعي وغير متعال، كي نصل إلى واقع يشعر فيه أبناء الجاليات المسلمة في الغرب بشكلٍ حيوي وعاطفي بمواطنتهم.

هناك توجّسات غربيّة خيفة من الراديكالية الإسلامية، وبعضهم يخشى من استفحال الوجود الإسلامي في الغرب وتهديده للحضارة الغربية وقيمها. كيف تنظر إلى هذه التوجّسات؟

أرى أنّ هذه التوجّسات مبالغ فيها للغاية، وبخاصّة في عالم يجنح أكثر وأكثر نحو المادّية والليبرالية. زيادة عدد المسلمين في الغرب أمرٌ حقيقي، لكن كثيرًا من المسلمين يتبنى قيم الحضارة الغربية ولا يتصارع معها، وكثير من الذين لا يتبنّون قيم الحضارة الغربية الحالية لا يريدون الاصطدام معها، بل يريدون حياة وادعة محتفظين بقيمهم في مجتمع مسالم متعايش، وأما القلّة الذين يريدون الصراع مع هذه القيم فهم الآن أضعف وأقلّ من أن يكون لهم أي تأثير سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي حقيقي، فضلًا عن أن يكون مهدّدًا للحضارة الغربية.

أخيرًا، ما الذي يمكن أن نتعلّمه اليوم من العقد السوري الأخير، خصوصًا الجيل الشاب؟

برأيي، إن أهمّ ما نتعلّمه من العقد السوري الأخير، ومن الربيع العربي عمومًا، هو أنّ المشكلات الاجتماعية والثقافية هي الوقود الحيوي للمشكلة السياسية، وإنْ كانت المشكلة السياسية هي الأكثر ظهورًا على الساحة. كلّنا رأينا أنّ زوال سلطة الأسد عن بعض المناطق لم يحرّرها، وإنّما أوقعها تحت سلطة مستبدّين آخرين أو فاسدين مستعدّين لفعل أي شيء لتحقيق مصالحهم، لذلك أشدد على أهمّية التربية، وعلى أنّها ليست ترفًا في أي زمن من الأزمان، وأنّ على الجيل الشاب أنْ يتعلّم كيف يتعاون على المشتركات، وكيف يدير حوارًا حول الأمور الخلافية، بحيث يخلص إلى نتائج وسطية، يمكن قبولها من معظم الأطراف المختلفة.

المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة

شاهد أيضاً

عالم إسباني يكشُف لماذا كان الزلزال في تركيا وسورية “مدمرًا” إلى هذا الحدّ

قال خوردي دياز عالم الزلازل في معهد برشلونة لعلوم الأرض التابع للمجلس الأعلى للبحث العلمي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *