نظرية استراحة الكون








إبراهيم الجبين 
العناوين يمكن أن تعبث بالعقول

قد يعتقد البعض أنّ هذا التعبير فلسفي أو أنّ له دلالات ميتافيزيقية؛ “استراحة الكون”. وقد يظن آخرون أنّ له علاقة بزمن ما بعد ترامب. ولكن من بين العديد من الأسماء العجائبية المستعملة في مناطق نائية من العالم الثالث، يمكنك أن تجد مطعما فقيرا يبيع الفلافل والشاي البارد على طريق الحافلات والسيارات وسط الصحراء، ممّا تُعرف باستراحات المسافرين، ويكون عنوانه مثلا “استراحة الكون” أو “استراحة المجد” أو “استراحة صلاح الدين” إلى آخر ذلك.

والعناوين ألعاب خطيرة للغاية، ويمكن لها أن تعبث بالعقول على “كيف كيفك”. الأمر ذاته تجده حين تحلّل أسماء كل شيء. سأضع أمثلة وهمية حتى لا تبدو دعاية، أحيانا تجد قناة فضائية سمّيت “تلفزيون التنوير” بينما تكون محطة لبث الجهل والتخلف وإطفاء الأنوار على النقيض من اسمها، أو “راديو الأمل” بينما هو إذاعة لنشر الكآبة والأسى واليأس.

ماذا يفعل من يمتلك حساسية خاصة وقوية تجاه اللغة؟ مع الوقت ستختلط الإشارات والأصوات، وتنشأ لغة جديدة، واللغة هي الحياة في الحقيقة، طباقها وجناسها ومنتهاها ومرآتها.

وعلى ذكر المرآة، رصدتُ اهتماما قبل فترة على تويتر بما أطلق عليه نظرية “مرآة المصعد”، وهي ظاهرة لافتة، تلازمت مع ابتكار المصاعد، بعد أن لامس صُنّاع المصاعد الكهربائية خوف الناس من استخدام تلك الآلات المتحركة البطيئة، فقرّروا وضع مرآة في كل مصعد، كي تؤنس الناس بصورهم، ولينسوا خوفهم من الارتفاع والهبوط. وقد اعتُبر ذلك نوعا من التلاعب بالعقول.

وقد نقبل هذا إن اتفقنا على أن التلاعب بالعقول أمرٌ ليس سلبيا دوما، بل ربما يكون الفنّ كلّه تلاعبا بالعقول، كما حين يروي الممثل المصري الراحل عبدالله غيث أداءه للمشهد الشهير الذي يصوّر وصول حمزة بن عبدالمطلب في فيلم “الرسالة”، وكان نظيره في النسخة الإنجليزية الممثل العملاق أنتوني كوين، وأثناء التصوير تحلّق الآلاف من البشر من ممثلين وكومبارس وفنيين وسكان أصليين في المغرب حيث صوّر المخرج السوري مصطفى العقاد فيلمه قبل أن يقتله المتطرفون، مكافأة له على ما قدّم لصورة الإسلام.

المهم، كان هؤلاء الآلاف يراقبون وهم يحبسون أنفاسهم، يصف غيث ما حدث بالقول “أديت دوري وقبل أن أنتهي، لطمتُ بيدي زميلي الممثل الذي يقوم بدور أبي جهل، لطمة قوية أوقعته أرضا، وقلت له: رُدَّها عليّ إن استطعت. وعندها قطع هؤلاء الآلاف الصمت والتصوير بالهتافات والصياح: اللهُ أكبر. اللهُ أكبر”. صدّق هؤلاء المشهد وكأنه يحدث حقا. وهكذا لا يعود هناك فارق كبير بين الحقيقة والتمثيل وبين الأشياء وأسمائها. وهو جوهر نظرية “استراحة الكون”، في كونٍ مثل هذا.


                إبراهيم الجبين 

Welcome

شاهد أيضاً

بوليفيا تقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.. وتشيلي وكولومبيا تستدعيان سفيريهما للتشاور

أعلنت وزارة الخارجية في بوليفيا،  الثلاثاء، أن الحكومة قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل متهمة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *