إبراهيم الجبين لـ”زمان الوصل”: الأسد حوّل فخري البارودي إلى مجرد صورة للتعليق




نال الصحافي والكاتب السوري “ابراهيم الجبين” جائزة  “ابن بطوطة” لأدب الرحلة التي يمنحها سنوياً مشروع “ارتياد الآفاق” بالمركز العربي للأدب الجغرافي عن تحقيقه لكتاب “الرحلة الأوروبية من دمشق إلى روما، باریس، میونیخ، فیینا، بلغراد  بودابست، صوفیا، إسطنبول 1911- 1912” لـ”فخري البارودي”، وتشكلت لجنة تحكيم الجائزة في دورتها الـ 19 من الباحث المغربي “الطائع الحداوي” والناقد السوري “خلدون شمعة” والشاعر الفلسطيني “عبد الرحمن بسيسو” والباحث الفلسطيني-السوري “أحمد برقاوي” والكاتب العراقي “عواد علي”، إضافة إلى الكاتب السوري “مفيد نجم”.
 
ومن المقرر أن يقام حفل توزيع الجوائز في أيار مايو/2021 على أن تقام ندوة مرافقة حول أدب الرحلة والأعمال الفائزة بمشاركة نخبة من الباحثين.
 
وحول اختيار رحلة “البارودي” لتحقيقها ومن أين تكتسب هذه الرحلة أهميتها من وجهة نظره قال الجبين لـ”زمان الوصل” إن شخصية “فخري بك البارودي” تجمع كل التكوينات التي تمتاز بها الشخصية العربية المتمدنة، والسورية منها بشكل خاص، وتوقه إلى الحداثة والتنمية والتجديد لا حدود له.
 
توق لم يكن ليقاومه حين قرّر السفر رغماً عن الجميع وبخلاف إرادة والده إلى أوروبا لمتابعة دراسته في العام 2011، وكان سبب ممانعة أبيه آنذاك، هو الظروف المعقدة التي كان العالم يعيشها سواء داخل السلطنة العثمانية أو في العالم عموماً وهو على أعتاب الحرب العالمية الأولى.
 
وأضاف “الجبين” أن أهمية الرحلة تكمن بما شاهده “البارودي” هناك من فارق بين عالمين، عالم الشرق العظيم القادم من حضارة عريقة من جهة، ولكن ذلك العالم –حسب قوله-كان أسير ظروف صعبة وصراعات توشك أن تفتك به.
 
ومن جهة ثانية عالم الحضارة الغربية الصاعدة التي كانت في ذروة تألقها، خصوصاً في أوروبا.
 
واستدرك محدثنا أن “البارودي” لم يجد أن ربط الحضارتين عبر تنمية الإنسان أمراً مستحيل التحقيق. فقد ذهب إلى هناك محمّلاً بقوة ذاكرته وذخيرته التاريخية، ولم يذهب منكسراً يمدّ يده إلى الآخر كي يعلّمه. نداً لا تابعاً، ورحالة أكثر منه طالباً.
 
وأردف: “بالنسبة إلى عصرنا الحالي كلا العالمين لم يعودا موجودين تماماً، إنما ما يتطابق مع المشهد القديم الظروف المعقدة ذاتها التي يعيشها أهل الشرق”.
 
وعن مصادر “الرحلة الأوروبية” وظروف وطبيعة عمله عليها بحثاً وتحقيقاً أشار “الجبين” إلى أن بناء رحلة “البارودي” الأوروبية اعتمد على تراثه الذي تركه خلفه، وما نجا منه من الحريق الذي أصاب بيته في أرض “كيوان” قرب ساحة الأمويين بدمشق.
 
 
إضافة إلى أوراق “البارودي” التي شكلت جزءاً من مذكراته، وكذلك ما كتب عنه في المراجع والكتب والمذكرات والسير والدراسات العديدة التي أشارت إليه بالعربية والانكليزية. ومن ثم إعادة صياغة تلك القصاصات وتركها بلغة “البارودي” نفسه، مع مئات الهوامش والحواشي وملاحق تفصيلية حول الأماكن والأحداث التاريخية والشخوص والأزياء والنصوص الأدبية والقطع الموسيقية والأفلام المذكورة في النص، مضيفاً أنه اعتمد في تحقيقها منهجاً يفكك النص ويذهب إلى تفاصيله الدقيقة التي تبني تحته عدداً من الكتب الموازية بحيث تُرسم صورة واسعة ليس للبارودي ورحلته وحسب، إنما لسوريا في ذلك الزمن وما تلاه والأحداث التي جرت قبل وبعد  وصولاً إلى سيرة البارودي حتى وفاته.
 
 لذلك خرج الكتاب ضخماً وبعدد كبير من الصفحات ليغطي ذلك كله، حسب “الجبين”.
 
وكان “فخري بك البارودي” خرج من داره الشهيرة في حي “القنوات” الدمشقي على عربة تجرها الخيول إلى فندق “فيكتوريا”، ومنه انطلق بالقطار إلى فلسطين ثم ركب البحر نحو الاسكندرية ومن ثم أبحر على ظهر باخرة ألمانية إلى إيطاليا وفرنسا. وبعد فترة انطلق نحو “الإلزاس”، ثم “ميونيخ” والنمسا وشرق أوروبا وصولاً إلى بلغاريا واسطنبول.
 
ودوّن في رحلته -كما يقول محدثنا- كل ما وقعت عيناه عليه، إضافة إلى المواقف التي تعرض لها والأماكن التي زارها والمسرحيات التي حضرها والأشخاص الذين قابلهم خلال رحلة دراسته الشاقة.
 
 وأردف “الجبين” أن البارودي حوّل هذه الرحلة إلى رحلة متعة ثقافية وسياسية وفنية، مؤكدا أن البلدان التي يمرّ بها أو يقيم فيها شطراً من الزمن، فرصة له كي ينهل كل ما يستطيع من المعرفة متصلاً بالمناخ السياسي والاجتماعي في كل بلد.
 
وعن الصعوبات والعراقيل التي واجهته أثناء تحقيق “الرحلة الأورويية” أشار مؤلف “عين الشرق” إلى أن عملاً كهذا كان يمكن أن يكون أكثر سهولة لو أنه عكف على إنجازه في بيته في دمشق، كما في الماضي، حيث كان يمكن له ملاحقة المزيد من التفاصيل والحصول على المزيد من الوثائق ومن تبقى من شهود تلك المرحلة، على الأقل من أدرك “البارودي” حيّاً منهم، لكن من حسن الحظ -كما يقول- أن الزمن الماضي “أتاح لي أن أحظى بأصدقاء مشتركين مع البارودي، رحل معظمهم مع الأسف ومنهم المحامي والموسيقي الأستاذ نجاة قصاب حسن وآخرون”.
 
علاوة على ما تبقى من المخطوطات الثمينة في المكتبة الظاهرية، ودار الوثائق من أوراق خاصة بالبارودي، ولكن لم يتسنَّ له الإطلاع عليها بسبب غربته، ومع ذلك فقد كانت المصادر العديدة التي اعتمد عليها أكثر من كافية لتؤدي الغرض من الكتاب.
 
وأضاف إن رحلة البارودي امتازت بشيء مختلف عن رحلات غيره من الرحالة  وهذا الأمر متأتٍ من تميّز البارودي ذاته، الزعيم الوطني والشاعر والموسيقي والتنموي والناشط الاجتماعي المؤثر.
 
ولفت “الجبين” إلى أن نظام الأسد الأب والابن حولا المفكر والسياسي “فخري بك البارودي” وغيره من الشخصيات الوطنية الكبيرة الثرية بعطائها وحضورها إلى مجرد صور للتعليق على الجدران تذكر في المناسبات وحسب. فولكلور لا أكثر. بينما هي في الواقع ذات فعل وتأثير قويين كان يجب أن لا يسمح النظام لهما بالعمل في المجتمع السوري كي يبسط هيمنته على وعي الناس.
 
وأردف أن استعادة تلك الكنوز لا تختلف عن سعينا لاستعادة المفاهيم الأخرى التي سرقها النظام منا، مثل الحرية والعروبة وغيرها.
 
وأحال كل شيء إلى ملكية خاصة به حتى تشوهت تلك المعاني وباتت ملتصقة به فكرهها الناس.
 
أما عن قلة الاهتمام بأدب الرحلات التي تعد فناً قائماً بحد ذاته باستثناء ما يقوم به مشروع ارتياد الآفاق وما أسباب هذا الإهمال فقد أوضح “الجبين” أن أدب الرحلة الذي انصب اهتمام مشروع “ارتياد الآفاق” عليه هو صنف خاص، تتراكب فيه صنوف من الفنون والآداب والعلوم نادراً ما تجدها في غيره.
 
هذا الحقل يتطلب صناعة خاصة، ويتطلب رعاية كبيرة لا تتوفر دوماً، ناهيك عن أن نسبة قراء هذا النمط من الكتابة أكبر من غيرها، لأنها تشمل العديد من الفضائل، ومن بينها متعة السرد والحكايات وتدفق المعلومات الجغرافية والوقفات التاريخية واختلافات اللغة والأساليب.
 
وتمكن مشروع “ارتياد الآفاق” الذي يكمل عامه العشرين هذه السنة -كما يقول- من طبع مئات الكتب والمخطوطات في أدب الرحلة، وحول اهتمامه بأدب الرحلات في غمرة انشغالاته الأدبية الأخرى وهل ينوي التفرغ لها أبان الكاتب الذي يعيش في بريطانيا منذ سنوات أن عالم الرحلة أغواه ولكنه لا يعرف إن كان قادراً التفرّغ لرحلة جديدة وإنجازها بالدقة والجودة التي اعتبرها المأمولة، فالمهمة -حسب قوله- جادّة وشاقة، غير أن الأفق مفتوح.
 
وختم “الجبين” بأمنيته أن يكون هناك اهتمام أكبر من مراكز الأبحاث والمختبرات في العالم العربي بأدب الرحلة، فهو أدب يتجاوز التراث إلى ما هو أبعد وأشمل.

 

فارس الرفاعي – زمان الوصل

أدناه رابط المادة 


https://www.zamanalwsl.net/news/article/133598/

 

شاهد أيضاً

المجلس العسكري لـ”نيوزويك” الرومانية: سنطيح بنظام الأسد..إنه واجب شرف

سورية: “سنطيح بنظام الأسد. إنه واجب شرف “إعداد أدينا موتارمنشقون عسكريون اجتمعوا في سورية: “سنطيح …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *