الافتتاحية: في عصر الأقليات يظهر “التحالف العربي”


كتب د. ممتاز الشيخ افتتاحية لموقع التحالف العربي الديموقرطي، رصدها موقع ” سوريتنا “، أشار فيها إلى أن الأسئلة كثيرة ومتعددة التي تطرحها وطرحتها الثورة السورية، ولاتزال أغلبيتها من دون إجابة مقنعة حتى اللحظة، مستعرضاً التطورات التي استجدت منذ لحظة انطلاق الثورة، وحجم ما واجهته من قبل ما يسمى بالمجتمع الدولي، والأطراف الأقليمية وميليشيات من كل حدب وصوب، وفق لعبة قذرة أدراها نظام الأسد الذي جميع شذاذ الأفاق للإجهاض على الثورة، وأمام هذا الاستهداف الخطير ليس للثورة وحدها وتدمير سورية وتهجير شعبها، بل باتت الهوية برمتها هي المستهدفة، من هنا كان لابد من استنهاض الهمم وشحذها لرفع صوت الحق عالياً، فجاء النداء لتأسيس التحالف العربي الديموقراطي في الجزيرة والفرات، كصوت صارخ من أجل الدفاع عن هذه المنطقة، كونها تمثل الخاصرة المؤلمة لسورية ومستقبلها .


د. ممتاز الشيخ

كثيرة هي الأسئلة التي طرحتها الثورة السورية، لكن غالبيتها بقي بلا إجابات مقنعة، ولو جمعنا تصريحات المحللين السياسيين منذ 2011 بخصوص تطور مسارات الثورة وأحداثها لما عثرنا على رابط منطقي ينسجم ونتائج الثورة اليوم.

لا إجابات منطقية طالما أن الثورة مستمرة، فبعد بضعة أشهر قادمة سيحتفي السوريون بالعقد الأول حين أغرقوا شوارع مدنهم بأجسادهم مرددين “الشعب يريد إسقاط النظام”. دون أن يخفى عليهم كمية الدم اللازم مقابل تجسيد مطالبهم وإسقاطهم ركائز مملكة الصمت.

ولم تمر أسابيع كثيرة منذ انطلاقة الثورة حتى أدرك السوريون أن السقوف الزمنية لنجاح ثورتهم تمددت لأسباب تخص تنظيم العمل الثوري وأسباب أخرى خارجة عن إمكاناتهم، وحينها فقط أدركوا أنهم في مواجهة مباشرة مع نظام عالمي ينادي  بالحرية لكنه يعشق الديكتاتوريات، على الأقل لأن الديكتاتور على استعداد دائم لتقديم ثروات بلاده كاملة لخدمة من يحمي بقاءه، وفجأة اكتشف السوريون أن تصحيح اعوجاجات النظام العالمي اجتمعت في ثورته ليس فقط بسبب الموقع الجيوسياسي لسورية ومحاذاتها لإسرائيل، بل ولدورها الوظيفي الذي نسجه النظام السوري عبر تشابكات مصلحية عجيبة، ولهذا تسابقت الدول المتناقضة أيديولوجيا وسياسيا للتدخل فيها من أجل حيازة مفاتيح التحكم بأهم بقعة جغرافية في المنطقة، وبالفعل تدخلت دول عظمى وكبرى في الملف السوري (الولايات المتحدة وروسيا) وأخرى إقليمية مثل تركيا وإيران، وعلى السوريين بعد ذلك كله مواجهة ميليشيات متجذرة في التخلف والإرهاب بدءا من حزب الله إلى الميليشيات العراقية والإيرانية وصولا إلى ميلشيات  جبال قنديل وعناصر الـPKK وعناصر تنظيم الدولة والنصرة وتفريخاتها الأخرى.

بعد تلويث الثورة السورية وتشويه صورتها بكل ما سبق، لم يعد إسقاط النظام الطائفي شرطا كافيا لوحده لانتصار الثورة وإن بقي على رأس أولوياتها، وصار لزاماً بعد تشعب مسارات الثورة أن تتوسع مروحة نضالها الثوري على عدد من الجبهات الأخرى، ولعل استجلاب تنظيم الدولة والميليشيات الطائفية الإيرانية وعصابات الـ PKK  أحد العوامل الأساسية في نزع أحقية الثورة الأساسية وإعادة توجيه نشاطها لتشتيتها والإثقال على السوريين في مهمتهم.

لا جدال في تواطؤ النظام السوري مع جميع العناصر الدخيلة وخاصة لجهة عناصر الـ PKK واستجلابهم من جبال قنديل (شمالي العراق) لمساندته في التحكم بشمالي وشرقي سورية وقمع الثوار من العرب والأكراد، حتى أن تقاريرمختلفة المصادر أكدت بأن عبد الله أوجلان نصح الأكراد السوريين ببقاء ولائهم لعائلة الأسد.

وبالفعل، شكل 900 شخص من PKK العمود الفقري لتنظيم سسيظهر لاحقا بقناع جديد في سورية تحت اسم PYD (حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي) وجناحه المسلّح – وحدات حماية الشعب – أو ما يُعرف بـ”YPG”. وبعد قضاء PYD على المعارضين لسياساته في الحسكة وريف حلب بدأ النظام السوري بسحب قواته من مناطق عفرين وعين العرب والقامشلي، ليترك إدارتها لهم .

لم تكتف العناصر الدخيلة من جبال قنديل إلى سورية بفرض سيطرتها على البلدات تحت رعاية النظام السوري ولاحقا تحت الدعم الأميركي اللامحدود بل وتوسعت سيطرة تلك الميليشيات إلى البلدات والمدن العربية حتى أن محافظة مثل الرقة التي لا تزيد نسبة الكرد فيها عن 4-5% باتت تتحكم بها مجموعة من عناصر قنديل لا يعدون بضع عشرات، ولم تقتصر ممارسات الـ PKK وتوابعها على الاحتلال أراضي الغير بل وأمعنوا في سياسة التغيير الديموغرافي وتهجير العرب واتهام كل من يخالف أيديولوجيتهم بأنهم موالون لداعش….. الخ

أمام مثل تلك الممارسات الرهيبة بحق أبنائنا الذين يشكل غالبيتهم من العرب في الشمال الشرقي من سورية كان لابد من الاحتماء بعوامل الهوية الأساسية كجدار صد والانطلاق منها للتعبير عن حق الأغلبية الساحقة في حقهم الأول بالحياة في أرض أجدادهم و إدارة مناطقهم .

وفي هذا الوقت الذي افتقد فيه العرب لأي مشروع سياسي أو نهضوي جعلهم في موقع التبعية وأوصل بعضهم حد التنكّر للأصل، وربما لهذا السبب استغرب كثيرون ولادة تيار سياسي يحتمي بالهوية الأولى ويتمترس بالانتماء للعروبة بعد إحساسهم بأبعاد المخططات التي تستهدف وجودهم بالكامل.

وبالفعل، ضج البعض بعد أن نشر التحالف العربي الديموقراطي نداءه في حزيران الماضي حول دواعي ذكر “العربي” عنوانا عريضا لاسم تياره في زمن الاحتفاء بالأقليات! وضج آخرون من الحكمة في التصاق النداء باسم “العربي” حتى أن غالبية التساؤلات لم تتوقف كثيرا عند أفكار التحالف وتوجهاته العامة للسوريين كل السوريين، بقدر ما أثار حضور كلمة “العربي” في اسم التحالف الشاب. (التحالف العربي الديموقراطي)، ولم تلفت كلمات النداء عن أهمية تقديم خطاب وطني جامع وتصورات جديدة عن الهوية العربية تقطع مع الاستبداد ومع الصورة النمطية، و”على محاربته كل أشكال التطرف الديني والعنصرية القومية وردع الممارسات الشوفينية الهمجية … أياً كان مرتكبوها.”

وصحيح أن الوطنية السورية تقتضي أن ترسم دولة المواطنة نسيجها بتلويناته المختلفة التي لا أفضلية فيها لعرق على آخر أو لطائفة على سواها في إطار بقعة جغرافية، لكن ليس شرطاً أن يكون اعتزاز الفرد أو أي مجموعة بشرية بانتماءاتها فضاءاها القيمي أنه انتقاص لدور الآخرين أو يعني استهدافهم أو تهديدهم، وقد تمكن النظام السوري عبر نظامه التدجيني من زرع نقيصة في السوريين من أن لسانهم يتعثر كل مرة يريد فيها السوري أن يعبّر افتخارا بأحد وجوه هويته عرقية كانت أم طائفية على الرغم أن التنوع العرقي والطائفي مدعاة للارتقاء المجتمعي لا العكس.

إن قضية الهوية العربية ليست مجرد لافتة أو شعار مرحلي يستخدمه التحالف بقدر ما هي خيار استراتيجي اقتضته ممارسات حقيقية على الأرض تستهدف اجتثاث أكبرأعراق المنطقة وأقدمها وجوداً في سورية وأكثرها إسهاماً في الحضارة الإنسانية بشكل عام، كما ان الهوية العربية ليست هوية عابرة أو ثانوية ترتبط بواقع سياسي معين أو حزب أو مهنة لتنتهي بزوال شروطه، بقدر ما هي مجموعة من العناصر الحية الدائمة التي لا تبتدئ بالقيم الحضارية العليا ولاتنتهي باللغة أو الدين العالمي الذي أوجدته قبل قرون.

وفي حالة الثورة السورية وتعقد مساراتها، لم يكن للانتماء العربي أي دور في تعقيداتها، وعلى العكس يقتضي تفكيك مثل تلك الأزمة المركبة التمترس وراء رابط أو فكرة جامعة تجتذب غالبية حاملي لواء التغيير نحو تأسيس خطة متكاملة مغلفة برؤية تاريخية تتماشى وواقعنا وقيمنا ومستقبلنا، وتؤسس هذه الخطة لمعنى مغاير للعقد الاجتماعي على أساس رابط المواطنة وسيادة القانون والمساواة في الحقوق والفرص كأحد الشروط الاساسية للعبور إلى المستقبل.


المصدر : موقع ” التحالف العربي الديموقراطي” 

شاهد أيضاً

وجهة نظر..ما هي احتمالات الحرب في سورية؟

كتب العميد الركن أحمد بري لـ”سوريتنا” يستدل المراقب لما يجري على الساحة السورية من شمالها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *