تصعيد روسي في الباب السورية: رسالة لتركيا؟

المعطيات الميدانية إلى أنّ القصف الجوي الروسي الذي استهدف مدينة الباب السورية الواقعة ضمن السيطرة التركية بريف حلب الشرقي، مساء أول من أمس الأربعاء، كان رسالة من موسكو إلى أنقرة، في خضم تنافس معلن بين الجانبين على توسيع دائرة نفوذهما في مجمل الشمال السوري، حيث إن هذه المدينة الخالية من أي وجود لتنظيمات متشددة لطالما كانت الذريعة الجاهزة للروس لاستهداف المدنيين السوريين وفصائل المعارضة السورية المرتبطة بالجيش التركي.

وقتل طفل وأصيب ثمانية مدنيين، جلهم أطفال ونساء، مساء الأربعاء، جراء قصف جوي روسي استهدف تجمعات سكنية وسط مدينة الباب بريف حلب الشرقي، مساء الأربعاء، في حادثة مفاجئة، كون منطقة الباب تحت النفوذ التركي، ويتوقع أنّ ذلك يجبنها الغارات الروسية. وقالت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، إنّ الطيران الحربي الروسي استهدف مركز المدينة بغارتين جويتين، الأولى استهدفت مستشفى “السلام”، والثانية مركز توزيع لمادة الغاز، أسفرت عن انهيار مبنى سكني بأكمله، واشتعال حرائق ضخمة.

الائتلاف السوري: القصف الروسي على مدينة الباب يمثّل خرقاً خطيراً وتصعيداً يهدد الاتفاقات والتفاهمات في المنطقة

من جانبه، دان “الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة” القصف الروسي، مشيراً في بيان، إلى أنّ هذا القصف الذي “نفذته طائرات الاحتلال الروسي على مدينة الباب بريف حلب الشمالي، يمثّل خرقاً خطيراً وتصعيداً يهدد الاتفاقات والتفاهمات التي حافظت على هدوء نسبي في المنطقة خلال الفترة الماضية”. وأضاف الائتلاف أنّ “الاستهداف الذي طاول مركز مدينة الباب، وأسفر عن استشهاد طفل وسقوط جرحى بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى دمار طاول مناطق عدة قرب مركز المدينة، هو إجرام جديد يضاف إلى سجل النظام وروسيا الحافل بالجرائم والمجازر البشعة”. وحمّل الائتلاف “الاحتلال الروسي كامل المسؤولية عن هذه الجريمة، وأي نتائج خطيرة يمكن أن تترتب على هذا التصعيد غير المسؤول بما يمثله من تهديد للتفاهمات التي تم التوصل إليها لضمان خفض التصعيد”.

وكانت فصائل المعارضة السورية قد انتزعت بمساعدة الجيش التركي مدينة الباب التي تبعد عن الحدود السورية التركية نحو 35 كيلومتراً، من تنظيم “داعش” في فبراير/ شباط من عام 2017 بعد معارك طاحنة وقصف جوي من الطيران التركي. وتقع مدينة الباب ضمن الحدود الإدارية لمحافظة حلب، وتعد من أبرز مدن الريف الشمالي الشرقي لهذه المحافظة مترامية الأطراف. واليوم تتموضع مدينة الباب في قلب المنطقة التي باتت تعرف اصطلاحاً بـ”درع الفرات”، عنوان العملية العسكرية التركية التي شنها الجيش التركي على تنظيم “داعش” في منتصف عام 2016، وانتهت في بدايات عام 2017.

إلى ذلك، لا يمكن عزل القصف الروسي على مدينة الباب عما يشهده الشمال السوري من تناكف سياسي وميداني بين الجانبين الروسي والتركي، إذ من الواضح أنّ الغارتين كانتا رسائل مباشرة من موسكو لأنقرة التي لا تزال تحاول دفع الجانب الروسي إلى إبداء مرونة حيال ملف محافظة إدلب، شمال غربي سورية، وخصوصاً على صعيد تسهيل عودة النازحين إلى ريفي إدلب الجنوبي والشرقي.

وفي السياق، أشار مصدر في “الجيش الوطني” التابع للمعارضة السورية في تصريحات صحافية، إلى أنّ “الهدف الأول للقصف الروسي هو استطلاع أماكن انتشار الجيشين الوطني والتركي على الأرض، وكشف تموضع منظومات الصواريخ والدفاعات الجوية التي نشرتها تركيا أخيراً في المنطقة”. كذلك، رجح المصدر ذاته أن تكون الغارتان رداً على تفجير استهدف، الثلاثاء، دورية روسية تركية مشتركة على الطريق الدولي أم 4 في محافظة إدلب، إذ من المتوقع أن تكون موسكو حمّلت أنقرة المسؤولية عن الحادث كون هذه المحافظة باتت تحت النفوذ التركي بعد نشر عشرات آلاف الجنود الأتراك في أرجائها.

وكانت “كتائب خطاب الشيشاني”، وهي فصيل متشدد يعلن للمرة الأولى عن نفسه في الشمال الغربي من سورية، قد أعلنت مسؤوليتها عن استهداف الدورية الروسية التركية بين أورم الجوز ومدينة أريحا على الطريق الدولي الذي يربط الساحل السوري في غربي البلاد بمدينة حلب، كبرى مدن الشمال السوري.

من جانبه، أعرب الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني، الرائد يوسف حمود، عن اعتقاده بأنّ القصف الروسي “ربما يعكس خلافاً تركياً روسياً في عدة ملفات، سواء في سورية أو ليبيا”، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد”: “أعتبر ما جرى في مدينة الباب رسائل روسية للجانب التركي يدفع ثمنها المدنيون السوريون”. وقال حمود إنّ “كل شيء متوقع” في الشمال السوري، مضيفاً: “من الممكن أن يكتفي الروس بهذه الرسالة، وربما يشهد الشمال غارات أخرى”.

حمود: القصف الروسي ربما يعكس خلافاً تركياً روسياً في عدة ملفات، سواء في سورية أو ليبيا

وكانت طائرات حربية روسية قد نفذت منذ أيام غارات وهمية في سماء مدينتي الباب وأعزاز بريف حلب الشمالي، ما أثار حالة خوف وهلع لدى السكان المحليين. ويعدّ استهداف الباب، مساء الأربعاء، هو الثاني خلال هذا العام من قبل الجانب الروسي، إذ قصفت طائرات حربية روسية، مطلع فبراير/ شباط الماضي، هذه المدينة مستهدفةً حينها مسجداً بالقرب من سوق المدينة الرئيسي، ما تسبب باحتراق المسجد، فضلاً عن أضرار مادية لحقت بالممتلكات.

وفي سياق متصل، شهد ريف مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي، المتاخم لريف مدينة الباب، اشتباكات وصفها “المرصد السوري لحقوق الإنسان” بـ”العنيفة”، فجر أول من أمس الأربعاء، بين “مجلس منبج العسكري” التابع لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) من جهة، وفصائل المعارضة السورية من جهة أخرى، وذلك على محاور قرية الياشلي الواقعة في ريف منبج الغربي. وأشار “المرصد السوري” إلى أنّ فصائل المعارضة السورية قصفت قريتي الياشلي وأم عدسة بقذائف المدفعية.

ومدينة منبج الواقعة في غربي نهر الفرات تحت سيطرة “قسد” منذ منتصف عام 2016، عقب انتزاعها من تنظيم “داعش” تحت غطاء ناري من طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. ومنذ ذلك الحين، يحاول الأتراك السيطرة على منبج، ولكن الجانب الأميركي يحول دون ذلك، على الرغم من اتفاق أنقرة وواشنطن أكثر من مرة على دفع “قسد” إلى منطقة شرقي الفرات، والسماح لفصائل المعارضة السورية بدخول مدينة منبج، كبرى مدن الريف الحلبي.

عن العربي الجديد

شاهد أيضاً

أعْذَرَ مَنْ أَنْذَر.. العبيدات يحذر

موقف المواطن العربي العادي وخاصة السوري من إسرائيل بدأ في التغير بعد ثورات الربيع العربي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *