على هامش محاكمة السوريين في أوروبا (1)

د. ممتاز الشيخ

أوروبا والحراك في سورية

منذ بداية الحراك السوري خلال الربيع العربي 2011 علّق السوريون آمالاً عريضة على دعم الدول الأوروبية للثورة السورية، وتحزموا في مساندة أميركا ودول الاتحاد الأوروبي لهم خاصة بعد زيارة سفيري أميركا روبرت فورد،  وفرنسا اريك شوفالييه ( تموز 2011 ) مدينة حماة في عزّ الحراك الجماهيري السلمي ضد نظام الأسد.

وقرأ السوريون مهاجمة السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد، نظام الأسد بشدة في بيان نشره على موقع فيسبوك 6 أيلول 2011 مندداً بما أسماه “الذرائع التي تسوقها السلطات السورية لقمع المتظاهرين”.

بعد ذلك بأيام قليلة منتصف  أيلول 2011 قام سفراء كل من فرنسا وأميركا واليابان وألمانيا والدانمارك بالمشاركة في عزاء شهيد الثورة السورية السلمية  غياث مطر، الذي لاقى مقتله تحت التعذيب تفاعلاً دوليا.

التقط الشعب السوري تلك الإشارات الصريحة ومضى قدما في حراكه السلمي ومواجهة النظام المدجج بالسلاح يقيناً منه أنه (النظام) لن يستطيع اليوم كما في السابق استخدام السلاح نهاراً جهاراً بعد الإشارات الواضحة في مواقف الدول الأساسية ذات التاثير الدولي مع قضيته.

وأذكر كما يذكر الكثيرون تلك اللحظة المفصلية من عمر الثورة السورية، فنظام الأسد كان ما زال يدرس خياراته الأخيرة في مواجهة الثورة بكل ما أوتي من قوة لكنه ابقى على  خيار المناورة والتخفي المرتكز على اتهام الطرف الاخر (الثوار) في ممارسة العنف وبالغ آنذاك في استهلاك مصطلح المندسين كسباَ للوقت وجسّاً للنبض الدولي بعد خياره الوحيد الممكن، مواجهة الحراك بكل ما لديه من سلاح.

حينها،  صار من المتأخر جدا العودة إلى المربع الأول لكلا الطرفين الشعب، والنظام وفي تلك الفترة تحديدا انكفأت أميركا والدول الأوروبية عن دعم الحراك الصريح تحت ذريعة نزعة التطرف التي تفاقمت بين الثوار مرة، وتحت ذريعة عدم توحد أطياف المعارضة السورية مرة أخرى ، واكتفى هؤلاء بإصدار بعض البيانات التي تدين عنف النظام وبعض القرارات المتواضعة التي تشدد العقوبات الاقتصادية عليه فضلا عن وضع بعض مسؤوليه على قائمة الممنوعين من السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن السمة الغالبة على هذه البيانات وتلك الإجراءات هي افتقارها إلى الآليّات التي تسمح لها بأن تكون ذات تّأثير على جهاز الدولة السورية وعناصره الأساسيّة.

بدا أن السوريين أُخِذوا عَلَى حِينِ غِرَّةٍ، عندما تُركوا لوحدهم عُزّلا في مواجهة آلة القمع الرهيبة وحينها أدركوا أنهم وقعوا في الفخّ .. وكان كل إجراء آخر متأخرا في العودة إلى الوراء ولو خطوة واحدة.

وبالنسبة للطرف الآخر فقد نجح في دس المتطرفين بين الحراك السلمي حين أطلق سراحهم من السجون وترك لهم الساحة خالية ليعيدوا ترتيب أمورهم في مراهنة ناجحة منه على سحب الدعم العالمي والأوروبي من الحراك، ولعل هذا ملخص لما جرى واقعاً خلال الفترات اللاحقة.

من الواضح أن الوقت سيطول قبل أن تتمكن دول الاتحاد الأوروبي الأساسية (فرنسا وألمانيا) عمليا من امتلاك زمام المبادرة في الملف السوري خاصة وان دولا كبرى مثل روسيا وأميركا قد دخلت إلى حلبة الصراع هناك وخطفت منها قدرة الفعل السياسي بعد أن ترددت دول الاتحاد الأوروبي  في اتخاذ تدابير حاسمة منذ البدايات باتجاه الزاوية الذي تراها صائبة.

 وإن كان لها من دور لاحقاً فلن يكون أبعد من تفعيل ثقلها الاقتصادي وحتى هذا  لن يكون قبل إعلان التفاهم الروسي- الأميركي على الحل الممكن في سورية، وحتى ذلك الحين ستكتفي دول الاتحاد الأوروبي بأدوار محدودة جداً، لا تتعدى إثارة بعض القضايا الهامشية،  في ملف حقوق الإنسان وتحريك دعاوى ضد متهمين صغار بانتهاك هذه الحقوق في سورية خاصة من الذين وصلوا إليها عبر مسيرة اللجوء القاسية دون أن تطال هذه الدعاوى مرتكبي الجرائم الحقيقيين فهم خارج نطاق تأثيرها الجغراقي والسياسي على المديين القريب والمتوسط .

شاهد أيضاً

ما مصلحة السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *