لماذا لا يموت الجنود الروس في سورية؟

د. ممتاز الشيخ

بين فترة واخرى تنتشر اخبار عن مقتل جنود روس في سورية و كشفت صحيفة روسية عن وجود شركة أمنية محلية خاصة جديدة تلعب دورًا في الأنشطة العسكرية بسوريا، وفي حزيران الماضي ذكرت صحيفة “نوفايا غازيتا” الروسية أن ثلاثة  جنود روس قتلوا في سوريا، جراء تعرضهم للقصف، ولا يملك المسؤولون الروس أي معلومات حول القتلى”. فهل حقا يستهين القادة الروس إلى هذا الحد بأرواح جنودهم؟

بالطبع لا. فقد أشارت المصادر إلى أن القتلى المأجورين ينتمون لشركة تسمى “شيت” (الدرع) الأمنية الخاصة الروسية وهي شركة غير مسجلة رسمياً في روسيا على غرار شركة “فاغنر” الأمنية العسكرية ذائعة الصيت. وتنتشر في سوريا عدة شركات أمنية عسكرية روسية؛ مثل “مجموعة فاغنر”، و”فيغا”، و”اتحاد سلاف”، و”موران، ووفق الصحيفة نفسها، فإن الجنود المأجورين الملقبين بـ”تانكيست”، و”شامان”، و”كايرات”، قتلوا في اشتباك وقع شمال مدينة تدمر وسط سوريا. ومع أن صاحب الشركة الأمنية “الدرع”  لم تكشف عنه المصادر إلا أن تقارير أشارت إلى وقوف موظفين في وزارة الدفاع وضباط سابقين في روسيا وراء الشركة.

تشير المصادر إلى أن عدد عناصر واحدة من أهم الشركات الأمنية الروسية “فاغنر” وصل إلى  3 آلاف مواطن روسي، تقاتل في سوريا وشرقي أوكرانيا وهي مرتبطة فعليا بالكرملين ولو بطريقة غير مباشرة، وبحسب وسائل إعلام روسية فإن مجموعة “فاغنر” ممولة من يفغيني بريغوجين وهو رجل أعمال  مشهور بـ “طباخ بوتين” وقد جمع ثروته  من خلال عقوده  مع  الجيش الروسي. ورغم ان عدد القتلى الروس كان كبيرا إلا أن ذلك لم يأخذ صدى مدويا في الرأي العام الروسي على اعتبار ان القتلى هم من المرتزقة الذين يعملون في شركة فاغنر ومهنتهم الأساسية هي الحماية والقتل. وهم معرضون بالطبع للموت لذلك يقبضون أجورا عالية قد تصل إلى 5 آلاف دولار في الشهر الواحد.  والمعروف عن شركات الأمن الروسية أن جميع مهماتها الموكلة إليها من قبل الحكومات تكون غير أخلاقية وتتضمن جرائم حرب.

وقد انتشر فيديو شنيع وصادم لجنود روس يقومون بقطع رأس أحد السوريين وعلقوا جثته وصبوا عليها الوقود وأحرقوها وسط ضحكاتهم وقهقهاتهم خلال الفيديو المسرب، وصحيح أن المتحدث باسم الرئيس الروسي ديميتري بيسكوف رفض الإقرار بهذا الفعل الشنيع إلا أن كثيرين يدركون أن المرتزقة الذين يعملون  لدى شركة فاغنر الأمنية الخاصة والتي تستمد أوامرها مباشرة من السلطات الروسية..

وينكر القادة الروس وجود شركات أمنية تابعة لهم وتعمل بأمرتهم لكن الواقع في سورية يؤكد حضورهم وبفاعلية كبيرة وقد قال الرئيس الروسي بوتين إن تلك الشركات لم تتدخل في القتال وإنما يتمثل وجودها في حل المشكلات الاقتصادية المتعلقة بحقول النفط وتطوير إنتاجها، إلا أن هذا الاعتراف في مثل هذا الوقت، يعتبر خطوة مغايرة عما كانت تنتهجه التصريحات الرسمية الروسية في التعتيم على تواجد تلك الشركات الأمنية في سوريا.

وفي اكبر خسارة مفضوحة للروس في سورية حدثت في 7 /2/ 2018 عندما أعلنت الولايات المتحدة أن غاراتها الجوية على منطقة دير الزور أوقعت مئة قتيل خلال هجومهم على منشآت نفطية وردا على استهداف مقر للمقاتلين الأكراد المدعومين من واشنطن .

وقد شاع استخدام الشركات الأمنية كثيرا خلال العقد الأخير بعد أن تكبدت دول كبرى خسائر كبيرة في جنودها خلال حروب مع دول صغيرة مثل هزيمة الأميركان في فيتنام وهزيمة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان 1989.

تطورت عبر التاريخ أدوات الحروب ، ومن المواجهة المباشرة التي ينتصر فيها الشجاع على خصمه إلى القتال غير المباشر باستخدام الطائرات والصواريخ والأسلحة الكيميائية بل والذرية كما حدث في الحرب العالمية الثانية عندما قامت الولايات المتحدة بإجبار اليابان على الاستسلام بعد أن قصفت هيروشيما في 6 آب 1945 وناغازاكي في التاسع من الشهر نفسه، وبعد ستة أيام من تفجير القنبلة على ناغازاكي أعلنت اليابان استسلامها لقوات الحلفاء.

وفي الحروب الأخيرة قد يجلس القائد في مكتبه أو سرير نومه ويراقب كيفية القضاء على خصومه عبر الأسلحة الموجهة (تفاخر الرئيس الأميركي في متابعته لمقتل أبو بكر البغدادي في إدلب 27 تشرين الأول 2019) على الشاشات مباشرة ومن على بعد آلاف الكيلومترات .

مع ذلك تمكنت فيتنام مثلا من إلحاق هزيمة شنيعة بأقوى دولة في العالم (الولايات المتحدة الأميركية) بعد عشرين عاما من حرب العصابات 1955 -1975 وكان سقوط سايغون في قبضة الجيش الفيتنامي الشمالي – نيسان 1975 بمثابة نهاية الحرب وإعلان الانتصار على أميركا.

الاتحاد السوفييتي الدولة العظمى الثانية اضطرت إلى الانسحاب من أفغانستان في أيار 1988 بعد خسائر كبيرة تكبدتها الجيوش السوفييتية على أيدي الأفغان بعد تسع سنوات من الاحتلال السوفييتي. مثل هذا الكلام يمكنه أن يقوض معادلة القوة وامتلاك التقنيات الهائلة.

لا تطيق الدول الكبرى خسائر بشرية كبيرة بعد أن صار المجتمع المدني والراي العام يضغط عند خسارة حياة جنود بالعشرات وبعد  مثل تلك الدرويس القاسية أجبرت القوى الكبرى أن تتجنب الهزيمة على أيدي دول صغيرة فابتدعت فكرة الشركات الامنية التي تحارب عنها بالوكالة من أجل الحفاظ على سمعتها .

ويشير مفهوم صناعة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة بصورة عامة إلى شركات تجارية تبرم عقودًا قانونية، تهدف بالأساس إلى تحقيق الربح مقابل ما تقدمه من خدمات تتعلق بالمجال الأمني ويشمل نشاطها تقديم خدمات عسكرية متعلقة بالتخطيط الإستراتيجي والاستخبارات والتحقيق والاستطلاع البري أو البحري أو الجوي، وكذلك عمليات الطيران أيّا كان نوعها، والدعم المادي والتقني للقوات المسلحة، وغيرها من الأنشطة ذات الصلة.

وفي العام 2003 خلال غزو العراق دخلت الشركات الاميركية الخاصة حتى بلغ فاق عددها الستين شركة أشهرها طبعا بلاك ووتر Black Water   وتختلف الشركات الأمنية عن الجيوش النظامية في أن عناصرها من المرتزقة بكل ما تحمله الكلمة من معنى .

وقد عدَّ القانون الدولي منذ عام 1899 صور المرتزقة كافة عملاً غير مشروع طبقاً للقانون الدولي مهما كان الهدف منها كما  صدرت العديد القرارات عن الأمم المتحدة تحرم عمل المرتزقة وتجرمه في صوره كافة.

شاهد أيضاً

وفاة صاحب مقولة لا تخذلوا الثورة السورية

توفي، اليوم الأربعاء، وزير الإعلام الأردني السابق صالح القلاب عن عمر ناهز 79 عاماً، الذي …

تعليق واحد

  1. هم مشاركون في العمليات العسكرية في سوريا منذ البداية ومن خلالل خبراء ووحدات قتالية تتبع لشركات قتل مأجورة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *