روسيا تنتهج سياسة استعمارية جديدة في الدول الإفريقية

ستنعقد القمة الروسية الإفريقية الثانية في سان بطرسبرغ خلال الفترة ما بين 26 إلى 29 تموز/ يوليو الجاري تحت شعار “من أجل السلام والأمن والتنمية”، وذلك بحضور رؤساء الدول والحكومات الإفريقية الذين يتراوح عددهم بين 10 و15 رئيساً، إذ تعول موسكو على هذه القمة لتعزيز نفوذها في القارة الإفريقية، وذلك وسط العزلة الدولية التي تعاني منها روسيا..

عملياً أنه منذ فرض العقوبات على روسيا جراء ضمها لشبه جزيرة القرم وبدء العمليات العسكرية في شرق أوكرانيا عام 2014، تحاول موسكو أن تقدم نفسها في القارة السمراء بأنها تقاوم الاستعمار الغربي.

إنها تلعب على وتر نضال البلدان الإفريقية من أجل الاستقلال، رغم نها تسعى إلى إرجاع دول الاتحاد السوفيتي سابقاً تحت مظلتها، وهذا ما يؤكده ليس فقط العدوان الروسي على أوكرانيا بل أيضاً تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن انهيار الاتحاد السوفيتي كان أكبر كارثة جيوسياسية في القرن الماضي، فضلاً عن تصريحات السياسيين ومروجي الدعاية الروسية بأن روسيا ستستولي على جمهوريات سوفيتية سابقة أخرى بعد استيلائها على أوكرانيا.

منذ الحقبة السوفيتية يعتبر الكرملين بلدان القارة السمراء متخلفة حيث يمكن تنفيذ إجراءات معادية للنظام الديمقراطي، في الحقيقة كان ما يسمى بـ”الأممية” السوفيتية بمثابة أبويةَ المقنعة أي معاملة الأفارقة كبشر أقل تطوراً يجب إرشادهم على الطريق الصحيح، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي تحولت أبوية  روسيا إلى عنصرية ظاهرة.

اليوم، تتنامى ظاهرة رهاب الأجانب بين المواطنين الروس الذين يعادون أصحاب البشرة السوداء من شمال القوقاز وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وخاصة الوافدين من إفريقيا بحيث سجلت على مضي السنين حالات كثيرة من الهجمات على الطلاب الأفارقة ذوي البشرة السوداء. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن نسبة أنصار شعار “روسيا للروس” وصلت إلى 55% من السكان وهو أعلى مستوى من التأييد له خلال 30 عاماً.

لا تزال روسيا الاتحادية إمبراطورية استعمارية تستنسخ أسوأ ممارسات شن الحروب الاستعمارية. منذ أكثر من عام تشن روسيا حرباً واسعة النطاق على أوكرانيا بغية الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من أراضيها منتهكة بذلك مبدأ حرمة حدود الدول لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي يمكن أن يخلق تأثير الدومينو في شتى أرجاء العالم، بما في ذلك إفريقيا.

إن تغيير الحدود الحالية للبلدان الإفريقية يمكن أن يؤجج العداء بين الدول ويزيد من التوتر السياسي في القارة وبالتالي يصرف انتباه الغرب عن الحرب في أوكرانيا. تسعى روسيا إلى إنشاء تحالف من الدول الإفريقية الخاضعة لموسكو قد يشمل بوركينا فاسو وتشاد وإريتريا وغينيا ومالي والنيجر والسودان.

كما تحاول روسيا السيطرة على حكومات البلدان الإفريقية وسياساتها عن طريق إحداث تمردات وانقلابات فيها. وحتى يمكن لموسكو أن تلجأ إلى تصفية الزعماء الأفارقة الذين يعرقلون توسعها في القارة. ولهذا الغرض تستخدم روسيا الشركات العسكرية الروسية الخاصة، ولا سيما مجموعة “فاغنر” ، إذ أكد الرئيس الروسي نفسه إثر تمرد زعيمها ضد القيادة الروسية أنها تمول من قبل الدولة.

وبالتالي، تعتبر موسكو بلدان إفريقيا مصدراً للموارد. على سبيل المثال، تسيطر الشركات العسكرية الخاصة الروسية على احتياطيات كبيرة من النفط والمعادن، بما في ذلك الذهب والأحجار الكريمة، في جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان. ومن الواضح أن طموحات روسيا لن تقتصر على هذه البلدان. ومن إولويات موسكو هو القضاء على الديمقراطية في البلدان الإفريقية وتأسيس أنظمة خاضعة لها في هذه القارة.

أما تلك المساعدة التي تقدمها روسيا إلى البلدان الإفريقية الفقيرة فهي مجرد رمزية وعادة ما تقدم على شكل الإعفاء من الديون أو مساهمات في مواجهة الأزمات الإنسانية إذ لا تشكل الاستثمارات الروسية أكثر من 1% من الاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا، وهي نسبة أقل بكثير من تلك التي تقدمها أوروبا وأميركا الشمالية والدول الآسيوية. 

تكاد تدمر روسيا نظام المنظمات والمؤسسات الدولية ما يشكل خطراً على البلدان الإفريقية إذ أنها قد تفقد الدعم الدولي المنتظم في مكافحة الجوع وتغير المناخ.

اليوم، تحاول موسكو عن طريق المشاريع الاقتصادية والاتجار بالأسلحة والمرتزقة الحصول على أصوات الدول الإفريقية في الأمم المتحدة لمعارضة الغرب. وهذا هو الهدف من عقد القمة الروسية الإفريقية وما شاكلها حيث تحاول القيادة الروسية التأثير على الحاضرين من “الأصدقاء الأفارقة”. ولذا، لا بد لقادة الدول الإفريقية من رفض زيارة الدولة التي تنتهج اليوم السياسة الاستعمارية الجديدة تجاه البلدان الأخرى وتزدهر فيها العنصرية.

مصدر:

24 بروكسل على الانترنت

24 Brussels online

شاهد أيضاً

عن الاصطفاف الأميركي- الأوروبي مع إسرائيل

خطار أبودياب شكلت مفاجأة تخطي جدار غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، منعطفا في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *