الاقتصاد السوري ومعادلة خاسر خاسر

كتب عدنان عبدالرزاق في “العربي الجديد”

ليست السياسة وتقلباتها قبلتنا ها هنا، رغم ما ستعكسه على الاقتصاد وملامح المنطقة برمتها، بعد “الهرولة المشروطة” نحو النظام القاتل في دمشق، إذ بعد الذي يقال ونراه، من تحضير لدعوة بشار الأسد إلى القمة العربية المقرر عقدها في السعودية الشهر المقبل، وأنباء تبادل الزيارات، ستكون المعادلة بالنسبة لنظام بشار الأسد، وأياً كانت الوعود وما قيل عن شروط المبادرة العربية، هي رابح رابح ولا شك.

والحديث يطول حول الأرباح التي سيجنيها النظام السوري، والتي، إن بدأت بـ”عفا الله عمّا مضى” وعودة العلاقات والاستثمارات والزيارات، العربية والإقليمية، لن تنتهي بتبرئته من جرائم القتل والتهجير والتغيير الديمغرافي، وكأننا أمام “فرانكو إسبانيا” من جديد والتاريخ يعيد نفسه.

لكننا، ولأن السياسة متبدلة ومعادلاتها عرضة للتغيّر وفق المصالح والأحقاد، سنأتي على معادلات الاقتصاد، بعد جنوح الربح إلى كفة النظام وتمادي الخسائر بالنسبة للمواطن والاقتصاد. مستدلين بمثال طازج، بعد تخفيض مصرف سورية المركزي، بالأمس، سعر الليرة مقابل الدولار، وبـ2000 ليرة دفعة واحدة، فتراجع تسعير المصارف للعملة السورية من 4522 ليرة مقابل الدولار، إلى 6532 ليرة.

طبعاً، بعد أن بدأ المركزي السوري، ومنذ الشهر الماضي “بالتزامن مع وضع العين على تحويلات مساعدات الزلزال”، بالتخفيض التدريجي لسعر الليرة مقابل دولار الحوالات، ليقترب من سعر السوق اليوم، بعد أن حددها “أبو المصارف”، بالأمس، بسعر 7250 ليرة للدولار و7860.45 ليرة لليورو الواحد.

الأمر الذي رآه كثيرون تعويماً تدريجياً للعملة السورية، وإن اختلفوا حول الأسباب والتوقيت والعقابيل التي ستلحق بالاقتصاد الكلي أو الأثمان التي سيتكبدها المستهلك السوري، ولا أحد سواه.

لأن تسعير السلع والمنتجات المستوردة، وحتى المحلية، يتبع تقلبات الدولار، ما أوصل تكلفة معيشة الأسرة الشهرية، خلال شهر رمضان، إلى أكثر من 5.6 ملايين ليرة سورية، لأن راتب المستهلك السوري “اشتراكي” لا يزيد عن 100 ألف ليرة، في حين يخضع لقوانين السوق “الليبرالية” ويعاني من تجريب تعويم العملة.

قصارى القول: المتابع لقرارات مصرف سورية المركزي منذ شهر إبريل/نيسان العام الماضي حتى آخر نشرة بالأمس، يلاحظ أنه خفّض سعر الصرف الليرة الرسمي في المصارف بنسبة تصل إلى 160%، أي من 2512 إلى 6532 ليرة، وخلال الشهرين الأخيريّن فقط، منذ الثاني من فبراير/شباط، جرى خفضها بنسبة 44%، من 4528 إلى 6532 ليرة.

وأسباب هذا التراجع الهائل، أو التخفيض الذي يلعب عليه نظام بشار الأسد، كثيرة ومتعددة، منها اقتصادي له علاقة بتراجع الإنتاج والصادرات، وزيادة المستوردات والطلب على الليرة التي يزيد معروضها بطبيعة الحال، جراء التمويل بالعجز ورمي كتل نقدية بالعملة المحلية، مطبوعة لدى الأصدقاء في موسكو، دونما رقيب أو معادل إنتاجي أو خدمي أو عملات وذهب.

ومن الأسباب، لا شك، سياسي ومتعدد الوجوه، ربما لا يستبعد منه الطلب الخارجي بالإصلاح الاقتصادي وبتعويم العملة قبل إعادة تعويم النظام، سواء من المؤسسات الدولية المانحة أو من الشركاء الذين استأجروا واستحوذوا وارتهنوا القطاعات الحيوية بسورية، لقاء ديونهم ووقوفهم بوجه حرية وكرامة السوريين.

كما لا تستبعد “الألاعيب” عن أسباب تخفيض سعر الليرة، خاصة من “حيتان المصارف” التي لمال النظام السوري وشركائه الحصص الكبرى فيها.

لأن تخفيض سعر العملة المحلية يزيد من احتياطي المصارف الخاصة، فرأس المال وفق الترخيص بالدولار، في حين أن التقييم السنوي لموجودات المصارف يجرى بالعملة المحلية، ما يعني تضخيم الأصول، وفق القاعدة المصرفية التي تقول: مالي هو رأس المال لكن ما عليّ هي الودائع، والودائع بالتقييم الدولاري تراجعت في حين زادت أصول المصرف الذي تقيّم موجوداته بالليرة، ويمكن زيادة خلق النقود عبر توليد الودائع وزيادة الوساطة بين المودع والمقترض لتحقيق مزيد من نسب الفائدة، لطالما، أيضا قاعدة مصرفية، لا تعمل المصارف بأكثر من 10% من رأسمالها والباقي تدوير واستثمار الإيداعات.

نهاية القول: يبدو أن النظام السوري قد حقق “رابح رابح” من التخفيضات المستمرة لسعر العملة الوطنية، سواء لجهة جذب مزيد من الحوالات بالدولار، والتي كانت تذهب لأسواق الجوار وتعود بالليرة، عبر تقريب السعر الرسمي وسعر الحوالات من سعر السوق، أو حتى من خلال زيادة موجودات الخزينة العامة، لإسعاف شقّي الموازنة، والجاري والرواتب خاصة، لطالما التقييم بالليرة والأجور تُدفع بالليرة.

في حين أن الاقتصاد السوري وقع بين فكي الخسائر وفق معادلة “خاسر خاسر” ابتداء من تراجع دخل المستهلك وغلاء الأسعار، وصولاً إلى فقدان الثقة بالاقتصاد والعملة، فاقدي الثقة بطبيعة الحال.

ليبقى الموجع في الأمر وما هو خارج جميع المعادلات، ذانك الصمت والقهر اللذان يلفان السوريين، وكأن بوصله حياتهم اختصرت على أن الحد الأدنى ومهما كان، فهو جيد لطالما البديل هو التجويع أو التهجير.

شاهد أيضاً

عن الاصطفاف الأميركي- الأوروبي مع إسرائيل

خطار أبودياب شكلت مفاجأة تخطي جدار غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، منعطفا في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *