“الربيع العربي الأزرق”.. الماغوط: لكي تعيش يجب أن تخرس!

كتب نوار الماغوط في “أورينت نت”

قال الشاعر والأديب السوري محمد الماغوط الذي قضي عمره كله في الكتابة الساخرة المعارضة لكافة الأنظمة الاستبدادية: “لا شاعر عظيم في بلادنا.. كي تكون شاعراً عظيماً يجب أن تكون صادقاً.. ولكي تكون صادقاً يجب أن تكون حراً.. ولكي تكون حراً يجب أن تعيش.. ولكي تعيش يجب أن تخرس..”.

لكن الماغوط بقي يتكلم ويكتب، ويقول عن أدبه: “أنا لا أفسر، ولا أشرح. أنا من أكثر الكتّاب العرب صدقاً وبساطة، وأصل إلى الناس بسهولة عن طريق الشعر، وإن لم يكن عن هذا الطريق فليكن عن طريق المسرح أو التلفزيون، وبقي طوال حياته كاتباً وشاعراً إشكالياً ومتمرداً، وحاد المزاج في رؤياه السياسية، ولاذعاً في نقده للأنظمة العربية الشمولية.

من الأمور الهامة لكل من تأثر بكتابات وحياة محمد الماغوط أنه جعلنا هذا الكاتب الكبير مفرطين بالمثالية ومتورطين بالصدق، لنكون كما نحن أمام من كان، ومتى كان، بوجه واحد بلا أقنعة، مع العمال ضد أصحاب رأس المال، مع احتياجات الفقراء ضد رفاهية الأغنياء، لذلك لم نصلح لأي مهنة تجارية ولا سياسية ولا إعلامية ولا اجتماعية.

المشكلة ليست أساساً في النخبة الحاكمة بل في الثقافة والبنى التراثية الحاكمة، والحاكم يتمادى في إيذاء شعبه طالما أن شعبه يتحمل.. والشاعر يكذب على قرائه طالما أن ذلك يرضي مشاعرهم.

المثقفون السوريون والثورة

كشف “الربيع العربي” عن خبايا علاقة الثقافة والمثقفين بالسياسة، ووضع إنتاجهم على المحك، وخصوصاً المثقفين والكتاب والشعراء وحتى الفنانين الذين استمدوا شعبيتهم وشهرتهم من نقد السلطة ومطالبتهم بالحرية والعدالة. ومع الثورة السورية ودخول سورية في دوامة العنف وعدم الاستقرار والتغول في الاستبداد على مستوى السلطات جميعها، استشعرت النخبة المثقفة الخطر الذي قد يداهمها خاصة إذا كانت شهرتهم هي بالأساس من صنع سلطة الاستبداد نفسها، ففي الدولة الاستبدادية لكي تكون مشهوراً لا يكفي أن يحبك الناس بل ينبغي أن تحبك السلطة.

هل لعب بعض المثقفين السوريين دوراً في الثورة السورية وهل كانوا جزءاً من اللعبة في النظم الإقليمية والدولية، وهل انتهت اللعبة أم مازالت مستمرة وعلى المكشوف؟.

لا أحد ينكر دور الفساد والاستبداد في الإعداد غير المباشر للثورة السورية التي انطلقت كاحتجاجات شعبية واسعة، ثم مظاهرات في أغلب مناطق سوريا تنادي بالإصلاح وتندد بالفاسدين ومحاسبتهم، ثم ارتفعت سقوف المطالبات لتطال إسقاط رأس النظام.

من منا ينكر الدور الذي لعبه بعض المثقفين السوريين في تنفيذ أجندات الحركات المتطرفة والفاشية، وتمكنهم من الاضطلاع بهذا الدور داخل المجال السوري والإقليمي وحتى الدولي، ليس لأنهم لم يكونوا عارفين أو مدركين لدورهم المخرب الذي أجهض الثورة من شهورها الأولى ومازالت تعاني من النزف حتى الآن. ولكن لأن ثقافتهم الموروثة محكومة بنمطية خادم السلطان، لا مكان فيها للمثقف الحر صاحب الرسالة، وانتقلوا للخدمة في بلاطات ملوك آخرين ولكن بأجر أعلى، باعتبار أن دور المثقف في هذا المجال يحدده سعر صرف ضميره ونحالة وجدانه وقدرته على التلون كالحرباء وقدرته على إقناع المؤسسة أنه أنسب شخص يمكنه أن يزحف تحت أقدام مشغليه، ويوهم قراءه أو مشاهديه أنه يحلق في سماواتهم كنموذج قائد ثوري تنويري تغيب عنه الأنا، محكوم بإرادة الشعوب وليس بحقائق ثابتة ومسار لا يؤيد غير الخضوع لإدارة الأمريكي ومن يشاركه في اللعبة.

الزمن يعيد نفسه مع النفوس والضمائر الميتة نفسها، ولكن ببضاعة رديئة وشخوص أكثر سفاهة وانحطاطاً، لتبدو العلاقة بين المثقفين السوريين والسلطة منذ سبعين عاماً وربما لأول مرة في العصر الحديث في أحط صورها، حيث ساهم أغلبية المثقفين في بناء سلطة دولة الاستبداد لم يفعلها أحد من قبل.

الحوت الأزرق

كان ممثلاً يؤدي أدواراً في المسرح يكرس قيم النظام في الخوف والرعب من المخابرات والسجون والاعتقال والرشوة، ويسخر من أبناء الريف الملتحقين حديثاً بالجامعة. ويقول بشكل علني وواضح لمن حوله “إذا كنت تريد أن تمشي أمورك في هذا البلد يجب أن تكون بعثياً واليد التي لا تستطيع كسرها بوسها وادعي عليها بالكسر”.

بينما كنا أنا وزملائي نتناقل في السر ما يكتبه المعتقلون في سجون صيدنايا وتدمر وفلسطين، ونحلم بالخلاص من هذا الخوف والاستبداد ومن أمثال هذا الممثل الذي لا تليق به إلا هذه السلطة، إلى أن انضم فجأة إلى الجانب الآخر، كمهرج أيضاً ينفخ في نفوس الشعبويين الفتنة والطائفية لهدم روح الفن والإنسان في المجتمع.

ويستكمل “كمعارض” بالهجوم على نفس القيم التي كان يدافع عنها. لا نعرف لماذا كان مع النظام ولماذا أصبح ضد النظام؟، ونأسف على الذين كانوا يصفقون له وهو يمدح النظام واستمروا يصفقون له وهو يشتم النظام!، فبينما كان يُضحك هذا الفنان عناصر وضباط الأجهزة الأمنية وأعضاء الاتحاد الوطني لطلبة سورية ومن يمكن أن ينطلي عليهم مثل ذلك الهراء، كان المعارضون الحقيقيون في المعتقلات يحصون ما تبقى من أسنانهم وما تبقى من عظامهم ومن عويلهم بيننا، وكان هذا المهرج يحصي غلته وحقائبه. 

شاهد أيضاً

عن الاصطفاف الأميركي- الأوروبي مع إسرائيل

خطار أبودياب شكلت مفاجأة تخطي جدار غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، منعطفا في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *