قرار الخزانة الأميركية يدخل الليرة السورية في غرفة الإنعاش!!!

في الوقت الذي قلّل فيه محللون من أثر التعليق المؤقت لجانبٍ من العقوبات الأميركية على نظام الأسد، قرأت أسواق الصرف الأمر من زاوية مغايرة، خلال أول يوم تعاملات بعد صدور رخصة الخزانة الأميركية.

 وتتيح الرخصة، بصورة خاصة، تحويل الأموال نيابة عن أشخاص أو دول إلى سورية، وتسمح بالحوالات المصرفية عبر البنوك الحكومية بما يخدم جهود الإغاثة، وتزيل أية عراقيل على تحويلات الأموال، من وإلى سورية، بنكيةً كانت أم مالية.

ومنذ بدء التعاملات، يوم السبت، انهار الدولار أكثر من 1000 ليرة في شمال وشرق سورية. واستعادت الليرة السورية نحو 15% من قيمتها في مناطق خارج سيطرة النظام.

في هذه الأثناء، تبدى اتجاه جلّي في الإعلام الموالي، يحاول التقليل من الأثر الإيجابي للقرار الأميركي، تماشياً مع الموقف الرسمي للنظام. لكن ذلك لم يمنع بعض المحللين الموالين من الإقرار بأثر إيجابي مرتقب على سعر صرف الليرة السورية. وهو ما حاولت مصادر إعلامية، تكذيبه، بعد انهيار الدولار في تعاملات السبت. من ذلك، تقرير لموقع “أثر برس” الموالي، أرجع انهيار الدولار إلى إقبال السكان في المنطقة الشرقية تحديداً، على تبديل مدخراتهم الدولارية لتخزين مواد غذائية بعد سريان شائعات باحتمال حدوث هزات أرضية جديدة. وادعى أن أسعار الصرف حافظت على استقرارها في بقية المناطق السورية.

التقرير المشار إليه، تجاهل تماماً أن سعر الدولار في دمشق هوى على الأقل، 400 ليرة سورية، في ساعات. وهو ما أقرت به مختلف منصات رصد العملات في البلاد. مما يؤكد أن قرار وزارة الخزانة الأميركية تسبب بهلع في قطاع الصرافة، الذي قرأ نتائج القرار بأنه سيعني اتجاه الحوالات إلى القنوات المصرفية، بدلاً من قنوات قطاع الصرافة غير المرخّص. وظهر ذاك الأثر بصورة خاصة في شمال وشرق البلاد، نظراً لأن أسواق الصرف في تلك المناطق كانت المدخل الرئيس للحوالات إلى البلاد، نتيجة حرية النشاط التي تتمتع بها، مقارنةً بالقيود التي يفرضها النظام في مناطق سيطرته.

ما زاد من أثر قرار الخزانة الأميركية على سعر صرف الليرة، هو أن المركزي السوري، كان قد أصدر قراراً نوعياً، مطلع الشهر الجاري، حينما حدد سعر صرف رسمي لـ “دولار الحوالات”، قريب من سعر صرف السوق السوداء. وحاول المركزي بذلك القرار جذب الحوالات من قطاع الصرافة، حتى بما فيه ذاك المرخّص، الذي استحوذ عليها في السنوات القليلة الفائتة، بدفعٍ من قرارات المركزي ذاتها، التي كانت تحدد سعر صرف متدنٍ جداً، لـ “دولار الحوالات”، وذلك بهدف خدمة مصالح فئة من المتنفذين في مناطق سيطرة النظام، تمتلك وتدير مكاتب وشركات الصرافة البارزة. هذه المعادلة التي أدت بالمركزي إلى حافة الإفلاس، دفعته تحت وقع الأزمة المعيشية غير المسبوقة التي عصفت بالبلاد، نهاية العام المنصرم، إلى العودة لسياسة حاكمه الأسبق، أديب ميالة، حينما كان “دولار الحوالات” الرسمي، يتحرك بتحرك سعر صرف السوق السوداء، وقريباً منه. وكان ميالة حينها يفاخر بإيرادات المركزي من قناة الحوالات التي كانت تصل يومياً إلى نحو 7 ملايين دولار أميركي.

وحتى مع صدور أول نشرة لـ “دولار الحوالات” الجديد، لم يستطع المركزي المضاربة على سوق الصرافة، بالشكل المأمول. إذ مع تحديد أول سعر بـ 6650 ليرة للدولار، قفز الدولار في السوق السوداء إلى 7000 ليرة. فاقترب المركزي أكثر من السوق، ورفع “دولار الحوالات” إلى 6800، فارتفع الدولار في السوق إلى 7250 ليرة. وحتى مع كارثة الزلزال، وفي اليوم التالي لها، رفع المركزي “دولار الحوالات” إلى 6900 ليرة، مستشعراً أن حجم الحوالات اليومي القادم إلى البلاد سيزداد، ومستغلاً توقف حركة الصرافة تحت وطأة الكارثة. لكن حالما استأنف الصرافون نشاطهم منذ عصر الأربعاء، واصل الدولار ارتفاعه في السوق السوداء ليصل إلى 7350 ولدى بعض الصرافين إلى 7450 ليرة. حتى جاء قرار الخزانة الأميركية. وهو ما استغله المركزي سريعاً، وأصدر بياناً أوضح فيه أنه مهما تكن طريقة التحويل، سيتم تسليم الدولار بـ 6900 ليرة، ورفع “دولار المنظمات” الدولية، إلى ذات السعر. ومع توقع تضاعف الحوالات اليومية إلى سورية، بغرض إغاثة المنكوبين، وإتاحة تمريرها عبر القنوات المرخّصة دون أية قيود، ثار هلع في أوساط الصرّافين، وتوالت عروض بيع الدولار.

وهكذا تحقق الأثر الإيجابي لقرار الخزنة الأميركية سريعاً على الليرة السورية. وهو أثر سيكون متوسط الأمد، حتى انتهاء رخصة الخزانة بعد ستة أشهر. سيتمكن المركزي خلالها من ترميم خزينته من القطع الأجنبي، وتوفير تمويل أفضل للمستوردين. مما يجب أن ينعكس إيجاباً على أسعار السلع والمواد الأساسية، نحو الانخفاض. 

لكن، ماذا لو لم ينعكس تحسن الليرة على أسعار السلع؟ يعني ذلك انكشافاً غير مسبوق لزيف بروباغندا النظام، التي تبالغ في تضخيم أثر العقوبات على حياة السوريين المعيشية. وحينها، سيتكشف حتى لأكثر الموالين تطرفاً، أن النظام رمم خزينته من القطع الأجنبي على حساب مأساتهم في اللاذقية وحلب ومناطق أخرى، من دون أن ينعكس سيل الدولارات المرتقب، في التخفيف من أوجاعهم.

المصدر : موقع “المدن”

شاهد أيضاً

حروب الصورة والوردة الإسرائيلية

لا حدود لمظاهر الانحياز الفاضح للرواية الإسرائيلية ولجيش الاحتلال الإسرائيلي لدى كبريات وسائل الإعلام الغربية المقروءة والمسموعة والمرئية على حدّ سواء؛ خاصة تلك التي تزعم عراقة في التأسيس والتقاليد والمهنية العالية (مثل الـBBC البريطانية)، والكفاءة التكنولوجية الفائقة في مختلف جوانب التغطية المباشرة أو عن بُعد (مثل الـCNN الأمريكية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *