وزراء برتبة نشطاء

المسؤولون لا يقدمون أي حل لزيادة الأجور أو ضبط الأسعار (فرانس برس)

كتب عدنان عبدالرزاق في موقع “العربي الجديد”

ليس أسهل من التوصيف إجابة لكل وأي مشكلة تعترينا، فأن تسأل عن غلاء أسعار الزيت والأعلاف والقمح، فإجابتك جاهزة، أو هكذا يفترض، من خلال عرض واستعراض الحرب الروسية على أوكرانيا وشلل الإنتاج والتصدير بما يمكن وصفه خزان تلك المواد والسلع عالمياً.

كما من البساطة على أي ناشط إعلامي أو متابع للأحداث أن ينسب أسباب التضخم النقدي وتراجع نسب النمو عالمياً إلى غلاء أسعار الطاقة وتبدل شروط الإنتاج خلال وما بعد كورونا، بل، وإن كان مهتماً، يمكن أن يتنبأ بركود قد يبدّل من خريطة القوى العالمية وتبدل أوضاع وتموضع الدول والاقتصادات والشعوب.

أما أن تأتي تلك الإجابات العامة والتوصيفية من مسؤول اقتصادي كبير أو وزير بدولة ما، فهذا ما يثير، أو من المفترض أن يثير لدى أي متلقٍ، السخرية والسخط بآن.

إذ من مهام المسؤول البحث عن حلول لأزمة غلاء السلع والمنتجات ووضع الخطط للتصدي للتضخم، للحيلولة دون بلوغ حالات الجمود والركود، وبالتالي شلل الأسواق وضرب الخطط التنموية وأحلام النمو، أما أن تقتصر أحاديث المسؤولين على شرح الحالة، أو أحياناً رمي كرة المسؤولية وتحميلها للشعوب والمستهلكين، فوقتذاك، ربما لا يستأهل المسؤول حتى صفة الناشط.

قصارى القول: في سورية، ومن أعلى الهرم، أي رئيس النظام بشار الأسد، إلى آخر مسؤول بوزارتي الاقتصاد أو المالية، تقتصر تصريحاتهم على توصيف الحالات والمشكلات، بعد الاعتراف بها طبعاً، فالمرضى في حكومة الأسد، وللأمانة، ليسوا ناكرين، ولكن من دون تقديم أية حلول، اللهم سوى اللعب على الزمن وإطلاق الوعود التي لا يمكن تنفيذها.

فهناك بدولة الممانعة، يقر مسؤولو وزارت المال وحماية المستهلك والاتحادات الحكومية وغير الحكومية، بأن الأجر الشهري لموظفي الدولة والقطاع الخاص لا يتجاوز شهرياً 100 ألف ليرة، ويعترفون أن الإنفاق الشهري يزيد عن مليوني ليرة، بل ويشرحون، بمطولات، عن تراجع العرض لبعض السلع وانتشار الشراء بالغرام والحبة.

وإن شئتم، يواسون المستهلكين السوريين بعبارات إنسانية مغلّفة بمشاعر وآلام، من خلال بحث السوريين عن فارق الدخل والإنفاق، ولكن من دون تقديم أي حل لزيادة الأجور أو تشديد الرقابة على الأسواق أو ضبط الأسعار.

بالأمس، وخلال مواجهة بين وزير حماية المستهلك في حكومة الأسد، عمرو سالم، مع إعلاميين بدمشق، قال الوزير: “إن ارتفاع أسعار المواد حالياً يعود إلى أمرين أساسيين، هما الشح وعدم انتظام التوريدات من جهة، وبعض الرسوم التي تضاف إلى رسوم الاستيراد من جهة أخرى”. مكتفياً بتوصيف المشكلة كأي محلل أو مختص، ومن دون أن يقول ماذا فعلت الحكومة لتنظيم التوريدات “الاستيراد” أو تخفيض الرسوم على المستوردات، لأن السببين، برأيه، هما وراء الغلاء.

وعلى هذي الشاكلة وهذا المنوال، أكمل الوزير لقاءه، فقال، مثلاً، حول غياب دور المؤسسات الحكومية بالتدخل الإيجابي لزيادة العرض وكسر الأسعار: “يجب أن تتحول السورية للتجارة من مجرد بائع إلى بائع وتاجر بالمواد التي تتعلق بمعيشة المواطن وتوفير المواد الأساسية بأسعار تنخفض عن السوق”، ولم يقل لنا ذلك الوجوب على من يقع، لطالما المؤسسة تتبع لوزراته مباشرة.

نهاية القول: تشعر أحياناً، وليستوي القول، بضرورة التطرق إلى الأزمة العالمية ووقوع الاقتصادات الكبرى بأفخاخ التضخم والعجز عن تأمين احتياجات المستهلكين، وذلك لئلا يبدو الطرح حول حكومة الأسد، أو غيرها من الأنظمة المستبدة العربية، تجنياً وكيدياً.

كما وليستوي الطرح أيضاً، ربما من الواجب التطرّق إلى الأدوار الهامشية الموزّعة على ما تسمى “حكومات” بالمنطقة العربية، إذ لا يخرج القرار المصيري عن يد المستبد القائد، تاركاً بعض فتات الصلاحيات وحرية التصريح والتبرير للوزراء والمسؤولين.. ما يعني، بمنتهى الاختصار، أن علّة المنطقة بسراق الكراسي مبددي أحلام الشعوب وحقوقها.

وكما قلنا، إن الأزمة، ومنذ ما بعد وباء كورونا، عالمية، لكننا رأينا استقالات هنا وخطط إنقاذ هناك، وتحمّلاً من الدول الديمقراطية للمسؤولية عبر برامج وخطط ومساعدات وقروض لشعوبها.. لكن لم نرَ في دولنا المقاومة سوى مزيد من التفقير والتهجير، ولم نسمع إلا خطباً ووعوداً عبر فتوحات قولية تدفع لليأس والجنون.

شاهد أيضاً

النفط يهوي 5 في المئة بفعل مخاوف اقتصادية

هوت أسعار النفط نحو 5 في المئة بفعل مخاوف اقتصادية، في الوقت الذي يناقش فيه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *