“الإخوان المسلمون”… دعاة أم جناة؟

كتب منير أديب في “النهار العربي”

أنتج “الإخوان المسلمون” مجموعة بحوث بعنوان “دعاة لا قضاة”، وضع المرشد الأسبق حسن الهضيبي اسمه عليها لتخرج في كتاب بالعنوان المشار إليه؛ تبرأ فيها من العنف واستخدامة، وقال المرشد الثاني في هذه البحوث إن منهج الإسلام بعيد كل البعد من استخدام كل صور العنف. ووضح الهضيبي أنه كتب هذه البحوث تعقيباً على أفكار العنف التي انتشرت داخل السجون في ستينات القرن الماضي.

وهنا يستشهد “الإخوان” بما أنتجه مرشدهم الثاني داخل هذه السجون، بل يقومون بطباعة هذه البحوث إذا لزم الأمر حتى يثبتوا أنهم دعاة ولا علاقة لهم بالعنف، وهنا نست الجماعة أن مؤسسها ومرشدها الأول حسن البنا، هو من أنشأ الجناح العسكري للجماعة تحت مسمى “النظام الخاص”، وقامت مجموعات العمل المسلح التي خرجت من رحم الجماعة بقتل كل المختلفين معها، بدءاً بالقضاة وضباط الشرطة وإنتهاء بالمواطنين الأبرياء الذين قتلوا في تفجير محكمة استئناف القاهرة “مثال” في العام 1949.

لم تقتصر جريمة “الإخوان” على إنشاء جناح عسكري للجماعة، كان في ما بعد ملهماً لكل الجماعات الدينية، ولا في ممارسات التنظيم العنيفة، سواء في عمليات القتل أم التفجير وخلافة من العنف، ولكن في تبرير الجماعة لهذا القتل؛ فسبق وقال مرشد “الإخوان” السادس، محمد المأمون الهضيبي: “إننا كنّا نتقرب إلى الله من خلال النظام الخاص (الجناح العسكري)” للجماعة! كما أنهم وصفوا مهمة هذا النظام بمقاومة الإنكليز، والحقيقة أن ما قيل في هذا السياق مجرد تبرير، فالحقيقة أنه وجه رصاصاته إلى صدور المصريين، بل وإلى “الإخوان المسلمين” أنفسهم، فهو من قتل السيد فايز، أحد قادة النظام الخاص لمجرد أنه أدلى بمعلومات عن هذا النظام لمرشد التنظيم آنذاك.

العنف كان وما زال حاضراً في فكر “الإخوان المسلمين”، يستدعونه في أي لحظة، وهناك ما يناقضة من أدبيات التنظيم.

أيضاً! الشيء ونقيضة وهذا مكر التنظيم ودهاؤه في التعامل مع هذه النقطة تحديداً؛ فالجماعة تستميل غيرها بأنها جماعة دعوية جهادية وأنها نصت على ذلك في شعارها “والجهاد في سبيل الله أسمى أمانينا”، كما أنها وضعت في الشعار، سيفين معكوفين وبينهما مصحف ومكتوب تحته الآية الكريمة “وأعدوا لهم ما أستطتعم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم”.

جماعة “الإخوان المسلمين” هي أم التنظيمات المتطرفة، فهي الأسبق في النشأة قبل قرن من الزمان، كما أنها كانت وما زالت ملهمة لكل التنظيمات الدينية التي نشأت بعدها، ويبدو هذا واضحاً في سيد قطب، عضو مكتب الإرشاد عن “الإخوان المسلمين” ومسؤول قسم الدعوة داخل التنظيم، فهو المنظر الأول والرئيسي للعنف في العصر الحديث، وهنا تتفاجأ أن الجماعة لم تتبرأ بعد من أفكاره، وراوغت في تبني هذه الأفكار في الوقت نفسه، بمعنى أدق وضعتها في ثلاجة، تخرجها وقتما تريد وتغلق عليها وقتما تشاء، كما أنها بررت لغيرها استخدام العنف، وسمحت لهذه الأفكار بأن تنتقل الى غيرها، عندما كانت حريصة على طباعتها حتى تضمن وصولها للنّاس.

كُتب سيد قطب، المنظر الأول للعنف، تُزين المكتبة الخاصة بكل عضو في التنظيم بدءاً من تفسيره “في ظلال القرآن” الذي تسرب العنف من خلالة، مثال وصفة ووصمة للمجتمع بالجاهلي وغيرها من الأفكار وانتهاء بـ “معالم في الطريق” وغيرها من الإصدارات التي شرعنت العنف.

قد يكون من التعسف التعامل مع سيد قطب على أنه منظر للعنف فقط، بينما نترك الجوانب الإيجابية في شخصيته، فهو كاتب وأديب مرموق، له ذائقة حسية في الكتابة وتذوق المعاني التي أبدع فيها في كتابه “التصوير الفني في القرآن”، ولكننا لا نستطيع أن نفصل سيد قطب “العنيف” عن سيد قطب “الأديب”، فالرجل مزج بين قدرته على الكتابة وإنتاج الأفكار وبين أفكاره المتطرفة، فكان بحق منظراً للعنف، وهنا بدت خطورة الرجل.

وهنا ترك “الإخوان” سيد قطب بأفكاره يغزو عقول التنظيم، الذي تربى على أفكار العنف من خلال كتاباته ورسائلة ومقولاته التي ما زالت حيّه حتى الآن، بسبب اهتمام “الإخوان” بها؛ فإذا كان حسن البنا هو مؤسس التنظيم، فإن سيد قطب هو المؤسس الثاني للتنظيم، وهو ما ترجم أفكار حسن البنا فأعاد صوغ معانيها بحيث باتت اللبنة الأولى في كل تنظيمات العنف والتطرف.

“الإخوان المسلمون” دعاة حقيقيون ولكن للعنف وجناة بطبعهم وطبيعتهم؛ لم يستخدموا العنف بالصورة نفسها التي استخدمها تنظيما “الجهاد الإسلامي” و”الجماعة الإسلامية  المسلحة” في مصر، وإن كانت أخطرهم، ولكنهم في الحقيقة يمثلون خطورة أكبر من هذه التنظيمات، التي راجعت أو تراجعت بعض الشيء عن أفكارها فصحت مراجعات البعض منها، أما جماعة “الإخوان” فلم تراجع أفكارها لأنها تُدرك أن ما طرحته هو الصورة “الدعوية” و “الجهادية” معاً للدين كما تفهمه هي، وهنا اختارت المراوحة بين الصورتين، وبالتالي لم تجد ما تعتذر به عنه.

“الإخوان المسلمون” جناة عندما رفضوا تصحيح أفكارهم أو تصويبها، بل قاموا باغتيال كل من يقترب من هذه الأفكار، وهنا نشأت مدرستان داخل التنظيم، مدرسة التنظيم ومدرسة الدعوة، وسيطرت المدرسة الأولى على الثانية، بل وطوعتها لخدمة أفكارها ولم تسمح لها بأن تعرض تصورها لهذه الدعوة، حتى تهمشت وتآكلت تماماً، وباتت السيطرة الكاملة لمدرسة التنظيم، ومن داخل هذه المدرسة تولدت مدارس أخرى ولعل خروج المجموعات المسلحة مثل حركات “سواعد مصر… حسم” و “لواء الثورة” و “ولع” و “ضنك” و “المقاومة الشعبية” وغيرها هي من ثمار توغل المدرسة الأولى المشار إليها.

الإخوان المسلمون” نجحوا بعد عمر قارب المئة العام من النشأة في أن يُظهروا للناس بخلاف صورتهم الحقيقة، وهذه الصورة خالت على أنظمة سياسية وبعض الحكام، بل وعلى بعض الأجهزة الأمنية والاستخبارات العالمية، فما زالوا يعتصمون بما نجحوا في إيصاله الى هؤلاء والى بعض المثقفين من أنهم مكون إجتماعي وسياسي يمكن قبوله ويمكن أن يخدم بلاده!

شاهد أيضاً

عن الاصطفاف الأميركي- الأوروبي مع إسرائيل

خطار أبودياب شكلت مفاجأة تخطي جدار غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، منعطفا في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *