بعض من حصاد السبع العجاف الروسية في سورية

د. باسل معرواي

كتب د. باسل معراوي لموقع “سوريتنا”


هذا الجزء متمم للجزء الأول الذي نشر في موقع “سوريتنا” بتاريخ 21 / 9 / 2021، تحت عنوان ” اهم دوافع التدخل الروسي في سورية” تناولت فيه أبعاد وأسباب التدخل الروسي في سورية وفقا للاستراتيجية الروسية…
لم تكن روسيا تخشى الارهاب الذي نشأ في سورية عبر امتداد تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) واعلانها للخلافة في الموصل بصيف 2014 وضمها لمساحة واسعة من سورية ونصف مساحة العراق…ولا من الظهور القوي ل”جبهة النصرة” في عدد من المواقع…لقد ناصبت روسيا العداء لكل ثورات الربيع العربي بما فيهما الثورات المدنية الخالصة التي اسقطت نظامي بن علي ومبارك في تونس ومصر…
لاتؤمن الدولة الروسية بفرض التغيير بالقوة (مهما كان نوعها) وازاحة الانظمة بل يتم التغيير بشكل شرعي (كما تراه ) حسب زعمها، عبر اجرءات تقوم بها السلطة نفسها لادخال ذلك التغيير.
يخطئ كثيرا من يعتقد أن هدف التدخل الروسي في سورية هو انقاذ نظام الأسد من السقوط..انما الحفاظ على هذا النظام وتمكينه من البقاء يعتبر الوسيلة لتحقيق الغاية المنشودة من التدخل وهو تقديم نموذج روسي ناجح لاستثمار ذلك ببناء دور روسي قادم في الاقليم والعالم بأن روسيا الآن هي دولة عظمى يمكن التفاهم معها والاعتماد عليها في رسم مستقبل المنطقة كلها
في العام 1972 أخرج الرئيس المصري انور السادات كل اشكال الوجود العسكري السوفييتي في المنطقة من طيارين ومستشارين وخبراء….وبعد ثلاثة وأربعون عاما تعود القوات الروسية للمنطقة ليس كخبراء ومستشارين هذه المرة وإنما تدخل عسكري فاعل ووجود مباشر في قواعد بحرية وجوية ونقاط انتشار برية في سورية.

استغلت روسيا بالطبع عدم وجود استراتيجية أميركية بسورية وعدم رغبتها بالتدخل لصالح قوات الثورة السورية..فقد كان العرض الذي قدمه الرئيس اوباما لمساعدة فصائل الجيش الحر باهتا وضعيفا ويفتقر للكثير من الجدية…
ويمكننا القول أن الولايات المتحدة والدول الصديقة للشعب السوري لم تكن جادة أو راغبة في إسقاط نظام الأسد بحجة عدم توفر بديل موضوعي للنظام يحل مكانه ..وهذا عذر اقبح من ذنب…اذ لايمكن خلق بديل جاهز وكامل للنظام ثم يتم العمل على اسقاطه بل ان خلق البديل يتم بالية ديناميكية يتم خلق نوعا من القيادة اثناء العمل على اسقاط النظام بعملية تكاملية بحيث يكون ملء الفراغ ممكنا بعد اسقاط النظام …ولكنهم لم يجيدوا استخدام هذه الالية واظن انهم لم يرغبوا بذلك
رغب الروس بعد إنجازهم ضم القرم بال2014 القيام بعملية اخرى خارجية وفي محيط جيوسياسي ابعد والتدخل بمنطقة بحيث يصبح لم يعد الحديث ممكنا معهم بشان تدخل اصبح من الماضي بل بالتدخل الجديد للبحث عن حل…وبذلك يثبت الروس دائما انهم لاعب طفيلي على النظام الدولي وليس اساسيا فيه يتدخل في الاماكن الرخوة والمهمة والتي لاتبد حماسة لاحد بالتدخل فيها
ينجزون هذا التدخل ويعملون على بيعه للاخرين…ويعتقد الكثيرون ان غاية التدخل الروسي العسكري بسورية بيعه لأميركا للاعتراف بضمها لشبه جزيرة القرم ..وهذا لم يحصل بعد مضي السبع العجاف وأظنه لن يحصل أبدا
كان المشهد السوري غداة التدخل العسكري الروسي كمايلي…
نظام سوري محاصر في جيب ضمن دمشق وقوات من المعارضة السورية موجودة بساحة العباسيين بالعاصمة ولايفصلها عن قصر رأس النظام إلا ساحة الأمويين…ميليشيات النظام والميليشيات متعددة الجنسيات منهكة وحققت تقدما بتأمين الحدود اللبنانية السورية عبر سيطرتها على الشريط الحدودي (القصير..الزبداني…تل كلخ..) حتى طريق دمشق حمص الذي يربط العاصمة بالساحل ليس مسيطرا عليه بالكامل..وقوات نظام الأسد بالشرق السوري كله محاصرة بنقطة واحدة هي مطار دير الزور العسكري…الاحياء الغربية من حلب مرتبطة بطريق مع محافظة حماة يمر ببادية خناصر وهو عرضة للقطع باي لحظة..وتم حصار المدينة عدة مرات بعد فك الحصار عنها بال2014
بالمقابل كانت “داعش” تطرق أبواب حلب وتسيطر على البادية السورية كلها وتتواجد بمقربة من شرق حمص ودمشق والسويداء..
” جبهة النصرة” والتي كانت من أهم مكونات “جيش الفتح” تسيطر على ارياف من حلب وإدلب وجبال اللاذقية ولاتبعد عن مدينة اللاذفية كثيرا وقد بدأت قوتها وتأثيرها يكبر بابتلاعها لفصائل محلية معتدلة مع سلاحها الثقيل …وكان ضمن المناطق التي لايسيطر عليها داعش انتشار مؤثر ومهم لفصائل من الجيش الحر أو ماتعرف بقوات المعارضة المعتدلة وتتواجد بريف حماة الشمالي وأرياف حلب الغربية وريف حمص الشمالي وغوطة دمشق وسهل حوران…وكان مايعيبها هو عملها بشكل منفرد ودون تنسيق مع بعضها وعدم تمكنها من انشاء قيادة موحدة لها عبر انشاء قيادة اركان تخطط بمنهجية واحترافية للاعمال العسكرية وعدم رغبتها او قدرتها على انشاء هذه القيادة …وعدم قدرة تلك الفصائل على انتاج قيادة سياسية لها ..أو عدم خضوعها للقيادة السياسية الرسمية للمعارضة السورية ممثلة بالائئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة…كان الوضع فوضويا وكارثيا…وبالاجمال كان النظام يسيطر على ثلث مساحة الاراضي السورية والبقية (بما فيهم داعش) تسيطر على الثلتين الباقيين
كان البعض يعتقد ان اي عملية يشنها جيش الاسلام في دمشق ممكن ان تؤدي للوصول الى قصر المهاجرين…وكان القلق يساور الجميع من سقوط النظام ودخول البلد بحالة فوضى وحرب اهلية ممكن تتوسع للجوار السوري ويدرك الجميع خطر هذه الفوضى على إسرائيل التي باتت حدودها الشمالية الامنة عرضة للانفلات ووصول جماعات متطرفة الى الجولان
كان تصريح لافروف وغيره من المسؤولون الروس بان دمشق (ويقصد النظام) كان من المرجح سقوطها اذا تأخر التدخل الجوي الروسي لاسبوعين…كان واضحا من زيارة قائد فيلق القدس إلى موسكو وتوسله بوتين للتدخل العسكري المباشر بسورية…ان الهلال الشيعي الذي يحمله فيلق القدس آيل للسقوط..
كانت الخطة الروسية الواضحة في سورية عدم محاربة الإرهاب وان رفعها لهذا الشعار هو للاستهلاك الاعلامي…حرص الروس منذ اليوم الاول على استهداف قوات المعارضة المعتدلة القريبة من مواقع قوات النظام لتأمينه…حيث تم العمل بمحيط مدينة دمشق وأرياف حماه وتأمين حلب بل وطرد قوات المعارضة منها وهي اهم انجاز للتدخل العسكري الروسي ويمكن اعتباره نقطة التحول الكبرى بالحرب السورية وميل الكفة لجهة النظام
يدرك الجميع بان بمجرد تحول الدعم العسكري الروسي الى وجود عسكري مباشر معناه سيطرة الروس على القرار السياسي لنظام الأسد والتحدث باسمه بالمحافل الدولية(كما هو حاصل الآن) .
لايجادل أحد أن اي حل للمأساة السورية الحالية لابد ان يكون الروس فيها طرفا رئيسيا .
اما حصاد التدخل الروسي على مستوى الاقليم فهذا ما ساتطرق اليه في نظرة قادمة.

شاهد أيضاً

ما مصلحة السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *