تحالف “اوكوس” النووي طعنة بقلب الصين وليس في ظهر فرنسا






كتب د.باسل معراوي لموقع “سوريتنا” 



لم يكن العالم بحاجة للتأكد من أن الحرب الباردة بين أميركا والصين جارية ومنذ مدة..ولكنه بحاجة لتاريخ إعلانها رسميا أنه تاريخ 16 أيلول 2021..بعد ان أنهت أميركا مهمتها في أفغانستان بحربها على تزعم بتسميته بـ”الإرهاب السني العالمي “، بعد مضي عقدين كاملين على ضربات 11 أيلول 2001…انسحابها المثير للجدل وللمخاوف من الخصوم الصينيون والروس والإيرانيون إذ تم تجهيز مثلث برمودا بري في أرض تعرف بانها مقبرة الامبراطوريات بعد أن تركت فيها أسلحة ومعدات هائلة…أعقبه بأيام قليلة ذلك الإعلان الهام عن قيام تحالف “اوكوس”..
لن اتناول هذا التحالف بالخوض بالتفصيلات التقنية ولكن سأحاول ان ألقي عليه نظرة استراتيجية تعبر عن مسار الصراع الدولي القائم على زعامة العالم.
تختلف الصين كثيرا عن الاتحاد السوفييتي السابق من ناحية كونها عدوة للولايات المتحدة والغرب عموما....
كان الاتحاد السوفييتي قوة عسكرية عملاقة ولكنها بالمقابل وقعت في فخ الدول التي طموحاتها اقل من امكانياتها لذلك كان مصيرها التفسخ الذاتي والسقوط من الداخل دون إطلاق رصاصة واحدة عليها من الحلف المناوىء لها…وكان إلى جانب عملقته العسكرية لايعدو عن كونه قزما إقتصاديا ومصدر للايدلوجيا وليس للاقتصاد .وعندما حاول تمويل حلف وارسو والجمهوريات السوفييتية فشل بذلك فشلا ذريعا…هذا الامر غير موجود في الصين…إذ أن الخطورة الصينية على الولايات المتحدة أضعاف ما كان يمثله الاتحاد السوفييتي السابق…
تجمع الصين بين القوة العسكرية الهائلة والاقتصاد الكبير الصاعد…ولم تقع بالخطأ الذي وقع فيه الاتحاد السوفييتي اذا تم تحويل المعارف العلمية الى منتجات مادية مدنية ولم تقتصر على التصنيع العسكري.. الامر الذي ادى إلى غزو صيني عالم لكل المنازل خاصة الامريكية والاوربية حيث عندما تريد سيدة المنزل اعداد وجبة طعام فمعظم الادوات التي ستستعملها صناعة صينية ..الخ
ومن عوامل قوة الصين (وقد يكون ضعفها الاكبر مستقبلا) عدم تصدير نموذجها السياسي للعالم كحزب شيوعي وحيد في الحكم دون وجود أي مراكز لصناعة القرار غير تحالف المكتب السياسي للحزب ونخبة من كبار ضباط الجيش والاستخبارات وثلة من رجال الاعمال الكبار المرتبطة بهم
لذلك كان الأميركيون يدركون أنهم بحاجة لبناء تحالف لمواجهة الصين أقوى من حلف الأطلسي الذي أنشأ لمواجهة السوفييت..
مايسهل المهمات الأميركية وجود جو معادي للصين من جوارها اولا وهو الذي يحب وضع العوائق امامها من خلاله لافشال حلم الصين بمبادرة الحزام والطريق…برياً عبر اشعال بؤرة من عدم الاستقرار في أفغانستان وبحراً عبر منعها من السبطرة على بحر الصين الجنوبي .هذا البحر الذي تمر منه 40% من التجارة العالمية ..لايوجد اصدقاء للصين في جوارها إلا باكستان وكورية الشمالية وسيريلانكا وقد تمكنت من الاستحواذ على موانىء تلك الدول ..بالمقابل كان يتشكل ناتو اسيوي غير معلن وبعيدا عن الضوضاء والصخب يطوق الصين مؤلف من استراليا واليابان والهند وكوريا الجنوبية..يدعمه طوق آخر من الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي ..(تايوان..الفليبين..سنغافورا..فيتنام..وغيرهم)…وسيتم عقد لقاء خلال الاسبوع القادم في البيت الابيض للهند واستراليا وكوريا الجنوبية واليابان
إن الإعلان عن الحلف الانغلوساكسوني النووي البحري يمكن اعتباره حدث القرن الواحد والعشرين .لانه حلف نووي هجومي سيكون نواة لتحالف عسكري اكبر لدول المحيطين الهادي والهندي ..وسيعقب الحلف العسكري تشكيل مظلة سياسية له تكون القوة الحاكمة للنظام الدولي الجديد بمواجهة القوة الصينية الصاعدة التي تسعى لتغييره
لم يسبق للولايات المتحدة ان خرقت معاهدات الانتشار النووي الا مع بريطانيا عام 1958 والآن مع استراليا بتزويدها ب8 غواصات تعمل بالطاقة النووية ومزودة باسلحة نووية..
يوجد في العالم الان حوالي 150 غواصة نووية تملك الولايات المتحدة نصفها 70 غواصة وتملك روسيا 41 والصين 19 وبريطانية 10 وفرنسا 9 والهند 3..
لن تفيد استراليا والحلف المشكل جديدا غواصات فرنسية تعمل بالطاقة العادية بل ان الغواصات النووية تملك امكانات هائلة على المناورة والتخفي والغطس طويلا اضافة الى حملها اسلحة نووية…
في الصراعات الدولية عندما يلوح الخصم بالاسلحة النووية فهذا يؤدي إلى ارباك خطط الخصم…تخشى الولايات المتحدة من اجتياح صيني لتايوان وهو سيكون الخطوة الأولى لفرض الصين سيطرتها على بحرها..لذلك تم التلويح بالخيار النووي بمعنى اي محاولة صينية لغزو تايوان سيكون الرد نووي وعلى بكين وشنغهاي ..والأميركان يستعملوه ولايهددون به فقط وقد تم استعمال هذا الخيار في هيروشيما وناغازاكي وممكن استعماله ثانية..هذا مادعى وزير الخارجية الفرنسي الحانق على الغاء الصفقة مع فرنسا للقول بلغة غير دبلوماسية أن هذا الحلف قاسي ومرعب ومتوحش..ونطق اثناء غضبه بلسان الصين التي ردت على اعلان ذلك الحلف بأنه أعلان للحرب الباردة وتصدير للايدولوجيا…
انتقل الصراع المقبل من المحيط الاطلسي إلى المحيطين الهادي والهندي ومن يسيطر على البحر حتما سيسيطر على البر..وهو حلف هجومي بعكس حلف شمال الاطلسي لاعتبارات تتعلق بالعدو الذي أنشئ لأجله…
وسيكون أمام الحلف الجديد والصين خياران لاثالث لهما:
إما الحرب…أو الوصول إلى تسوية تتضمن اعتراف الصين بالنظام الدولي الجديد وقواعده والسيطرة الغربية عليه وعدم تحديه..مقابل عدم التدخل الغربي بشؤون الصين والتوصل لاتفاقية بهذا الشان..

شاهد أيضاً

ما مصلحة السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية …

2 تعليقات

  1. لوكان بين الحكام العرب رجل يحترم نفسه ويحترم شعبه ويحترم أمته ، لجعل من العالم العربي والعالم الإسلامي وبالتعاون مع القيادة التركية ، من أهم الركائز التي تحدد هوية المنتصر في هذا الصراع العالمي ،وقايض على ذلك بمكانة عالمية للعرب والمسلمين ،ودعم نهضة علمية تقنية ،تؤهلهم ليكونوا شركاء فعّالين ، في الحفاظ على السلم العالمي ، واستقلالية الشعوب ، وتحصيل حقها المشروع في نهضة شاملة ،تلحقها بالعصر ،لتكون شريكاً في صناعة مستقبل العالم المتحضر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *