الجيش الوطني.. تناحرات واستقالات وتجميعات (2 من 2)

كتب العميد الركن أحمد رحال في إورينت نت

في الشهر السابع “تموز” الماضي من عام 2021 تم الإعلان عن تشكيل غرفة قيادة “عزم”, التي جاء ببيان الإعلان عنها: “أنه بعد أسابيع من الاجتماعات المكثفة، والمناقشات لآلية العمل المشترك، أعلن فصيلا “الجبهة الشامية” و”فرقة السلطان مراد” العاملان في الجيش الوطني السوري عن تشكيل غرفة القيادة الموحدة “عزم”, (وكان لافتاً بهذا الإعلان أنه تم بعيداً عن أي قرار من وزارة الدفاع).

وقيل أيضاً ببيان الإعلان:” إن غاية وأهداف الفصائل المنضوية بالتشكيل الجديد التنسيق الأمني والعسكري على مستوى عالٍ بين الفصائل، واستهداف الشبكات والخلايا التي تهدد أمن المجتمع ومحاربة الفساد والفوضى الأمنية, وإن التنسيق بينهما يشمل أربعة ملفات أساسية، هي الأمنية والعسكرية والإعلامية والاقتصادية، وإدارة المناطق الخاضعة لسيطرة الطرفين في ريف حلب الشمالي والشرقي سيتم بشكل مشترك, ومع المباشرة الفورية لمكونات غرفة “عزم” بملاحقة شبكات تجارة المخدرات والخلايا التي تزعزع الحالة الأمنية في مدينتي اعزاز وعفرين بريف حلب الشمالي, أسفرت الملاحقة عن إلقاء القبض على كثير من المطلوبين وضُبطت كميات كبيرة من المخدرات, تلا ذلك حملة أمنية مشتركة في مدينة جرابلس شمال شرقي حلب، أسفرت عن اعتقال عدد من المطلوبين بجرائم مختلفة وتسليمهم إلى القضاء المختص, مع سرعة تحرك مكونات غرفة “عزم” والنتائج الأولية التي حققتها ولأسباب (اعتبرها البعض مريبة), حيث شعرت بعض الفصائل بأن ما يحصل من متابعات ومداهمات وملاحقات يهدد وجودها ومستقبلها, حتى إن بعض الفصائل (فصيل سليمان شاه مثلاً) اعتبر أن قرار تشكيل غرفة قيادة “عزم” موجه بشكل أساسي ضد فصيله وضده شخصياً, لذلك سارع مع بعض قادة الفصائل للانضمام لغرفة “عزم”, فمنهم من كان انضمامه إيماناً بالأهداف المطروحة, والبعض الآخر اعتبر تكتيك الانضمام للغرفة اتقاءً لخطوات قادمة قد تتخذها قيادة “عزم” وتُطيح بهم وبفصائلهم, وهكذا انضمت فصائل (جيش الإسلام، وفرقة أحرار الشرقية، وجيش الشرقية، وفرقة الحمزة، وفرقة ملك شاه، وصقور الشمال، وفرقة سليمان شاه) ولاحقاً انضم أيضاً (فيلق الشام -قطاع الشمال-، لواء السلام، الفرقة الثانية المشكّلة من -جيش النخبة واللواء 113، فيلق المجد-، الفرقة-13 المشكّلة من -فرقة السلطان محمد الفاتح ولواء سمرقند ولواء الوقاص-), وبينما كان جمهور الثورة ينتظر نتائج وأخبار الحملات الأمنية, وأخبار ملاحقة تجار المخدرات والخلايا النائمة استكمالاً لما بدأت به غرفة “عزم”, أعلنت في 23 من آب فصائل “فرقة الحمزة وفرقة السلطان سليمان شاه وصقور الشمال” خروجها من غرفة قيادة “عزم” مبررة ذلك بالقول: إن سبب الانسحاب كان بعد خلافات نجمت عن عدة نقاشات جرت حول آلية التمثيل العادل للتشكيلات العسكرية المنضوية في الغرفة, والانسحاب أدى لرفع الجاهزية القتالية للفصائل المكوِّنة لغرفة “عزم” من جهة, وللفصائل المنسحبة من جهة أخرى, وكادت أن تتحول لكارثة عسكرية لولا تدخل بعض العقلاء ومنهم وزير الدفاع, ونجمت عن الوساطة تشكيل لجنة تحكيم استطاعت تبريد سخونة الوضع المتأزم لكن ما بالقلوب من توجسات ومخاوف بقي كما هو عليه, وانتقل البعض لإيجاد حلول أخرى تتجاوز تلك المطبّات.

قبل وبعد انسحاب فصيل سليمان شاه من غرفة القيادة الموحدة “عزم” بدأنا نسمع عن زيارات ميدانية لبعض شرعيي وأمراء “هيئة تحرير الشام” باتجاه قادة فصائل الجيش الوطني, وتداولت بعض الأوساط الثورية في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون أن وفوداً أمنية من الهيئة رتبت لقاءات وعمليات تطبيع مع فصائل من الجيش الوطني مؤخراً, وتلك الفصائل هي من كانت تحاكم وتوجه للمدنيين تهمة التعامل مع الهيئة نفسها باعتبارها جريمة نكراء, وبات أمراً مألوفاً مشاهدة الشرعي السابق في الهيئة عبد الرزاق المهدي يزور قائد فصيل سليمان شاه محمد جاسم أبو عمشة, وكذلك مشاهدة جهاد عيسى الشيخ الملقب أبو أحمد زكور في اعزاز يقوم بجولة على قيادات الجيش الوطني, وكذلك فعل القيادي بهيئة تحرير الشام أبو مارية القحطاني.

لكن اللافت بالأمر ما نقلته صحيفة “القدس العربي” من لقاء أجرته مع قائد فصيل سليمان شاه المدعو “أبو عمشة” وفيه قال: “ليس لدينا مشاكل مع هيئة تحرير الشام، كما إنه لا توجد علاقات بيننا، ولا ننكر عمل تحرير الشام في القتال ضد النظام، وهم أبناء هذا البلد، وقد صدوا هجمات النظام كثيراً، ونحن مستعدون للتفاهم معهم، ونؤيد الاندماج الكامل لمناطق المعارضة بما فيها مع هيئة تحرير الشام التي تغيرت حالياً للأفضل” حسب تعبيره، وهناك من قرأ اللقاء وتلك التصريحات على أنها وسيلة حماية ومناورة يلجأ لها فصيل “العمشات” لحمايته من غرفة القيادة “عزم”.

منذ أيام أُعلن عن ولادة تشكيل جديد أُطلق عليه اسم “الجبهة السورية للتحرير” ويضم خمسة فصائل هي: فرقة المعتصم, فرقة الحمزة, الفرقة 20, لواء صقور الشمال, فرقة السلطان سليمان شاه, بقيادة قائد فرقة المعتصم معتصم عباس، ونائبه سيف أبو بكر قائد فرقة الحمزة, والمقدم أحمد سعود رئيساً للأركان, وكان يٌفترض أن يكون فصيل فيلق الرحمن من ضمن هذا التشكيل لكنه في اللحظات الأخيرة أعلن انسحاباً (قيل) إنه بسبب عدم حصوله على منصب قيادي رفيع بالتشكيل المعلن عنه, وذكر أحد المسؤولين بالتشكيل الجديد أن الهدف من وراء إعلان هذا التجمع هو الاندماج الكامل بين التشكيلات العسكرية, وإنهاء تام للحالة الفصائلية، من أجل إيجاد قيادة واحدة وفاعلة، تتجاوز حدود التنسيق وتعمل تحت مظلة الجيش الوطني السوري, ويشمل الاندماج الكامل توحيد المكاتب العسكرية، والأمنية والسياسية، والمالية والإعلامية والعلاقات، باسم “الجبهة السورية للتحرير” بهدف الارتقاء بالواقع العام وضبط الأمن ودعم الاستقرار في المناطق المحررة وتعزيز دور المؤسسات الرسمية وتمكين الحكومة السورية المؤقتة (على حد قوله).

من حيث المبدأ لا أعتقد أن هناك ثائراً مدنياً أو عسكرياً أو ضابطاً منشقّاً يقف في طريق التوحيد الحقيقي للفصائل وتجميع الصفوف ووحدة القرار (المفقود), لكن أيضاً كان لافتاً أن التجميعات العسكرية الجديدة التي يُعلن عنها تحصل خارج مظلة الجيش الوطني (حتى لو ورد ببيانات إعلانها أنها ضمن الجيش الوطني فالجميع على دراية تامة أن عبارة “الجيش الوطني” أصبحت شماعة تعلق عليها البيانات دون أي مضمون فعلي, وأن القرار كان وما زال فصائلياً, واليوم قد يُصبح للتجميعات الجديدة بعيداً عن أي هرمية عسكرية أو تراتبية مناصبية لوزارة الدفاع والنواب والأركان”.

أيضاً كان لافتاً عدة استفسارات تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي بتعليقها على تلك البيانات بالقول: هل نستطيع القول إن التجميعات الجديدة ستكون وريث الجيش الوطني الآيل للسقوط خاصة بعد استقالة وزير الدفاع؟؟ ولماذا لم تصدر بيانات التشكيل لغرفة “عزم” و”الجبهة السورية للتحرير” عن مكاتب وزارة الدفاع؟؟
طالما أن أحد أهم الأهداف المعلن عنها للتشكيلات الجديدة هو محاربة الفساد, فلماذا تم الخروج من غرفة “عزم” وإعلان تشكيل تجميع جديد؟؟ أم إن خلق “الجبهة السورية للتحرير” تم لمواجهة غرفة القيادة “عزم”؟؟ (نأمل ألا يكون كذلك).

ومعظم من في المحرر يسأل: متى تتم مراجعة الواقع الفعلي للأجسام العسكرية الحالية, ومتى تُشكل قيادة عسكرية حقيقية حرفية من ضباط وثوريين مدنيين مشهود لهم بالمصداقية, قيادة مهنية تُعيد هيكلة وزارة الدفاع ومكوناتها على أسس متينة بالتشارك مع الحليف التركي, هيكلية تعيد للحراك المسلح ألقه ومكانته, بعد أن يتم استبعاد كل الهواة والمرتزقة والمنتفعين ممن حرَفوا الثورة عن مسارها بعبثياتهم ومطامعهم ولهاثهم نحو المناصب والمرابح وتسببوا بضرر فادح للثورة والحليف.

شاهد أيضاً

ما مصلحة السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *