بيتا اللعينة

القلب يموت حين ينطفئ أملُه، وحين يستبدّ به عشب اليأس القاتل الذي يتغلغل في كل مكان. فيصبح التنكيد عادة وهواية عند أصحاب هذا المقام.

الجمعة 2021/02/05








إبراهيم الجبين 

“بريتا” كلمة سريانية تعني في ما تعنيه الرسل والخيل والساحات والعهد والحلف

يعتقد البعض أن الحكمة في التنغيص والتنكيد. وأنه كلما أمعن في إفقاد الناس الأمل، كان أكثر قربا من المتوقّع. معللا ذلك بعدم التورّط في بيع الناس الأوهام. هذا دأب جديد انتشر مع الانفجار المعلوماتي وثورة الاتصالات المعاصرة ووسائل التواصل الاجتماعي، ومع تكاثر حديث الناس، ومَن كثُر كلامه كثُر خطؤه، كما يقول علي بن أبي طالب، ومن كثُر خطؤه قلَّ حياؤه، ومن قلَّ حياؤه قلَّ ورعُه، ومن قلَّ ورعه ماتَ قلبه. وهنا الزبدة.

يموت القلب حين ينطفئ أملُه، وحين يستبدّ به عشب اليأس القاتل الذي يتغلغل في كل مكان. فيصبح التنكيد عادة وهواية عند أصحاب هذا المقام، ويشرعون في نشر السوداوية والكآبة. والتنبّه إلى هذا الأمر ضروري، ولاسيما إلى أولئك الذين يعرّضون أنفسهم لخطر إشعاع الكآبة بشكل متواصل.

تعالوا نراقب كيف يحصل ذلك داخل المختبرات العلمية، نشرت مجلة “سيل” العلمية تجربة طبّقها باحثون في جامعة كاليفورنيا في العام 2018 لمعرفة أسباب الحالة المزاجية السيئة التي تداهم البعض أحيانا. قاموا بتسجيل نشاط أدمغة 21 متطوعا خلال فترة زمنية محددة، وطلبوا منهم التعبير عن حالتهم المزاجية بشكل منتظم باستخدام برامج تعتمد على الأجهزة اللوحية، مستعينين بخوارزميات رياضية خاصة. وتقول لوري كيركبي كبيرة الباحثين في هذا المشروع إن تحليل النتائج ساعد بتحديد ما سمته بـ”مناطق التماسك الذاتي” في خارطة الدماغ، وهي مناطق تزداد فيها أنماط النشاط بشكل متناغم ومنتظم، وهي “تشبه آلية عمل أعضاء فرقة موسيقية تعزف بنظام محدد”.

فوجئ العلماء بوجود إشارة واحدة تظهر دوما عندما تحدث نوبات المزاج المكتئب، ارتبطت بما تسمى موجات “بيتا” وهي التذبذبات المتزامنة بين 13 و30 دورة في الثانية في منطقة الحصين واللوزة الدماغية، وهما المنطقتان الدماغيتان العميقتان المرتبطتان بالذاكرة والعاطفة السلبية.

القصة كلها في تلك الموجة إذًا! موجة “بيتا”، ويا لها من كلمة، سواء بما تستحضره من تأثيرها اللفظي أو بما تقود إليه بقوتها الدلالية، بيتا البيت في الأبجديات القديمة، بيثا في الآرامية والعبرانية، وما ضرّها لو ضمت إليها حرف الراء فباتت أمرا آخر؟

في دمشق باب قديم عمره آلاف السنين، يسميه الناس باب “بْريد”، بتسكين الباء وليس بفتحها، صحيح أنه استعمل لاستقبال البَريد القادم من العالم في الماضي، ولكن القصة ليست هنا. بل في أصل الكلمة “بريتا” وهي كلمة سريانية تعني في ما تعنيه؛ الرسل والخيل والساحات والعهد والحلف. أما أجمل معانيها فهو “الخليقة”. شتّان ما بين “بيتا” و”بريتا”، وما دام الموضوع موضوع موجة آتية وأخرى ذاهبة، فيا أيها المُشعّون نَكَدا، رِفقا بالخليقة.


                 إبراهيم الجبين 

               كاتب سوري 

أدناه رابط المادة 
https://alarab.co.uk/%D8%A8%D9%8A%D8%AA%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B9%D9%8A%D9%86%D8%A9
                 

شاهد أيضاً

عن الاصطفاف الأميركي- الأوروبي مع إسرائيل

خطار أبودياب شكلت مفاجأة تخطي جدار غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، منعطفا في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *