سياسات الخوف

هيثم القطريب

ان أهم الخصائص المشتركة في سياسة كل من دول الخليج العربي وإسرائيل ، ودول الاستبداد “القومجي ” ، هي انها سياسة خوف ولن يفلح الخائف أنى أتى .
لنبدأ بمنظومة الخوف العربي. التي لم تكف جاهدة عن محاولة اجهاض اي تحول ديمقراطي في المنطقة وهذا ما رأيناه بعمل تلك الأنظمة الحثيث لتمكين الثورة المضادة ولفرملة وافشال هذا التحول السياسي واظهاره كفعل غوغائي يمهد الطريق للإسلام السياسي محملا بالإرهاب المجتمعي . وقد تجلى ذلك بموقف النظام العربي شديد السلبية تجاه الحراك الثوري السوري. وهنا لابد من التعريج على أسباب الانفجار السوري.
إن هذا الانفجار الاجتماعي ناتج عن سنين طويلة من القمع المركز المبني على آلية الخوف والرعب المستدام، وهو لم يكن انفجارا بوجه النظام فقط، بل تمرد الشعب المنتفض على ذاته أيضا، وهنا تكمن نقطة ضعف هذا الحراك الثوري وتعثر مساره، جراء غياب الإرث السياسي المتمثل بالأحزاب السياسية، بالتالي افتقار هذا الانفجار لقيادة سياسية مجربة لتقوده نحو تحقيق مطالبه في إنجاز دولته الوطنية الديمقراطية المدنية .
ان نظام الاستبداد ومنذ اللحظات الأولى لاغتصابه السلطة باشر في الغاء أي سلوك أو مظهر للديمقراطية وبذلك انتزع العقل السياسي اليومي من رأس “المواطن ” وتركه كائنا بلا انتماء . ولم يعد أمام هذا السوري إلا الخيارات الاجبارية. ومن نتيجة ذلك موت الرأي العام والمبادرة السياسية فخسر السوريون أهم عامل يسهم عادة في تصحيح المسار وتجنب الكوارث على مستوى الدولة. ومع التقادم تحول الرأي العام الايجابي الى رأي سلبي أنتج الفساد ومن ثم دمار البلد.
لكن ما يحمله هذا الحراك الثوري من إصرار على الاستمرار رغم سلبياته العديدة لابد أن يحمل في طياته تحول إيجابي. فهذا الحراك حراك عفوي بامتياز، واستمراره سيربك المنظومة العربية الرسمية ، وسيعمل مع الوقت على زيادة ضغط هذا الحراك على المنظومة الخائفة كي تعدل نهجها في إدارة نظامها السياسي وهو ما لا تريده وقد لا تسطيعه. لذلك كان لابد لهذه الانظمة من أن تدفع باتجاه تجيش الثورة المضادة وتنشيطها وهو تنشيط جاء بالتنسيق مع مراكز دولية عديدة. تماما كما في أفغانستان. حولت سورية إلى مصنع لإنتاج الأفكار والمواقف التي أغرقت المنطقة بطيف ممتد من الشراذم الداعشية .
أما من ناحية إسرائيل ، فلا شك ان قادتها يدركون ان أي تحول ديمقراطي في دول المحيط سيربك دولتهم ويضعها في موقف صعب امام الرأي العام الإسرائيلي والرأي العام الدولي. لأنها تعي جيدا ان نزاعات الدول الديمقراطية لا تتحول الى حروب بل الى تفاهمات قائمة على المصالح . وهذا سيوطد سلاما بينها وبين المحيط كنتيجة طبيعية للتحول الديمقراطي في هذا المحيط ، والذي سيقود الى تغيير استراتيجي سيضع إسرائيل امام استحقاقات كبيرة، أولها إعادة جميع الأراضي المحتلة بعملية سلام شاملة على غرار ما حدث في معاهدة كامب ديفيد ، حيث اضطرت لإعادة كامل سيناء الاستراتيجية للسيادة المصرية ، وعند ئذ سيصبح حل الدولتين تحصيل حاصل .
لذلك اختارت إسرائيل ان تقاتل وبشراسة لإبقاء النظام العربي على ما هو عليه حتى تحافظ على تميزها السياسي المتقدم عن دول المحيط ويبقى هذا الكيان واحة الديمقراطية في المنطقة والطفل المدلل للعالم الحر .

لكنها الرياح تهب اليوم بما لا تشتهي الأنظمة العربية ولا حتى إسرائيل فالتحولات التي ارساها الربيع العربي كبيرة ومديدة وربما تصبح عميقة إذا ما استمرت إسرائيل والنظام العربي تعتمد رهاب الخوف كأساس للاستقرار المفقود .
رغم ان الاسلاموية بتلاوينها ستكون فاعلة ومؤثرة الى حين؛ كما حدث في تونس. الا ان هذه التوجهات فشلت في تخطي الانتخابات التونسية بدورتها الثانية. لان العولمة احدثت وعيا متجددا سريع التغير، ولم يعد ثابتا على صعيد المفاهيم كما الحقب المعرفية لما قبل الحداثة .
من هنا نرى ان ما حدث من تحول ديمقراطي في تونس كان مؤشرا على تنامي وعي الشعب التونسي كما دلل على وعيا متقدما في السلوك الديمقراطي لحزب النهضة.
ان استمرار الربيع العربي سيقلب الموازين الجيوسياسية السائدة والتي يتعاون النظام العربي مع إسرائيل في وضع العراقيل لإيقاف حراكه ، مهما كلف من مال وقتل وتشريد واسع على طول البلد وعرضه .

فالموقف العربي-الإسرائيلي مستند في كثير من مفاصله الى دعم مباشر من الولايات المتحدة الأميركية وجل دول الاتحاد الأوروبي ، وهذا ما ظهر جليا من خلال تتبع استمرار المعاناة السورية أخلاقيا وسياسيا . والا كيف سنفهم تفوق الدور المأساوي لكل من روسيا وإيران على الدور الليبرالي الغربي و”الديمقراطي الأميركي ” ؟.
لقد أصبح التحول المعرفي والأخلاقي عميقا نحو الأنسنة في المجتمع السوري وأضحى من المستحيل إيقاف نموه. رغم تشابك مسارات هذه التحولات على الصعيدين المحلي والإقليمي او الدولي.

وأخيرا ان هذا الحراك الثوري يذكرني بثورة الجزائر حيث لعبت الايديولوجية الاسلامية الدور الحاسم في انتصار الجزائر. مع فارق وحيد هو ان ثورة التكنولوجيا وعولمة المعرفة أصبحت الان اوسع بما لا يقاس. وهذه نقطة مهمة وستكون نقلة لوعي سياسي واداري وثقافي لصالح هذا الحراك وما سينتجه من نخب متصالحة مع القيم الكونية. لان النخب الحالية نخب طارئة ليس لديها تأصيل سياسي يومي.

وهنا لابد ان أظهر تفاؤلي فالوقت ما زال يعمل لصالح هذا الحراك الذي أصبح رقما صعب يستحيل تجاهله، و سيكون من نتائجه المباشرة بناء الدولة الديمقراطية المتينة بعدالتها الاجتماعية . وعلى العالم ان يعي ان أنظمة الحكم الشمولي وهذه الديكتاتوريات المرتكبة للجرائم الموصوفة ،أصبحت ظاهرة معتلة يسعى الجميع للخلاص منها كمطلب انساني لشعوب عانت الويلات من استبداد أرعن وقح .


أدناه رابط المادة 
http://www.alraafed.com/2021/01/20/%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%88%d9%81/?fbclid=IwAR22ZiE-WrGJnAnhR13fN3vuOjAe6XIVzZo4g3aqSREiPUY5RnqYSKZdVYE

 

شاهد أيضاً

ما مصلحة السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *