بوتين ذاك المخلص النهم!


كتب هادي جان بو شعيا:

لعل اللقاء الديبلوماسي الذي جمع، أول من أمس، وزيري خارجية السعودية وروسيا في موسكو، متناولاً ملفات شرق أوسطية وحساسة على رأسها التهديد الإيراني لأمن الخليج، بالإضافة إلى ملف اليمن وسوريا وليبيا وبالطبع النفط ذاك “الذهب الأسود”.

رشحت عن المباحثات تصريحات قد تكون عادية في شكلها، ولكنها حملت أكثر من معنى وتوجّهٍ في مضمونها، خصوصًا وأنها تأتي في ظل متغيرات تشهدها منطقة الخليج وتغيرات دولية عدة.
ما التفاهمات الجديدة التي يكون قد حملها هذا اللقاء؟ أين يلتقي الطرفان الآن وأين يختلفان؟
اي رسائل سعودية سينقلها لافروف لاحقًا إلى نظيره الإيراني جواد ظريف بعد أعلانه زيارة موسكو في الأيام القليلة المقبلة؟
لطالما كانت العلاقات بين الرياض وموسكو حافلة بالتناقضات. تقارب وتعاون من جهة يقابلهما جفاء ونفور من جهة أخرى. أما اليوم، من يراقب الحراك الروسي في منطقة الشرق الأوسط والدول العربية عمومًا يلحظ أن هناك توجّهات جديدة رسمها فلاديمير بوتين تجلّت ربما بالإنحراف عن المسار التقليدي السوفياتي والروسي في الشرق الأوسط، متخلّيةً عن معظم حلفائها القدامى في المنطقة، حيث لم تعد تؤيدهم إلى حدّ بعيد. والدليل على ذلك التأييد المحدود لسوريا وليبيا، مرورًا بالعراق واليمن.

تبلورت السياسة الخارجية الروسية التي تجنح نحو تحسين العلاقات مع قوى رئيسية كانت تقليديًّا حليفة للولايات المتحدة الأميركية على غرار السعودية والإمارات وقطر، حيث تلهث روسيا للحصول على قطعة الحلوة خاصتها من النفط والاقتصاد الخليجي على حساب الأميركيين.
في المقلب الآخر، تلعب السعودية اليوم، من خلال هذه الزيارة، دورًا تكيتيكيًا واحترازيًا ذكيًا تفاديًا لمفاجآت قد تتمخّض عن الإدارة الأميركية الجديدة من جهة، وتعمل على فتح نافذة لحلحلة معظم الخلافات.
وهنا السؤال، ما هو الدور الذي يمكن لموسكو ان تلعبه في الصراع السعودي-الإيراني، خصوصًا وأنها تجمع بين النقيضين في الحسابات الإستراتيجية؟
الواضح ان روسيا ترى في السعودية ودول الخليج الشركاء الأكبر لها مقارنة بإيران، وذلك لحسابات أمنية ومالية واستراتيجية محسوبة. كما يجب التوقف عند مسألة في غاية الأهمية، تبرز في سعي روسيا الجاد والحازم، تحت قيادة بوتين، لمدّ الجسور مع دول الغرب سواء الولايات المتحدة أو الأوروبيين لتلافي الصدام مع القوتين الكبيرتين وعلى بث رسالة واضحة أن أميركا هي شريكتهم بالدرجة الأولى، رغم احتدام الصراع بينهما نتيجة عوامل عدة وآخرها كان اتهام موسكو بالتجسس عليها وقرصنة معلومات وما الى ذلك…
يذكر أنه منذ 2016، تتفاوض موسكو وطِهران على صفقة أسلحة للإيرانيين بقيمة 10 مليارات دولار. ناهيك عن تقارب بوتين وطِهران في ملفات عدة في الشرق الأوسط، الأمر الذي يقلق حليفه السعودي بانتظار وساطة روسية لوقف تدخلات إيران في المنطقة.
لعل توقيت الدخول الروسي مجددًا يتزامن وحال عدم اليقين التي تعتري المشهد الأميركي، وتعتبر فرصة مواتية لفتح الباب ومحاولة الإمساك بأوراق حقيقية، حيث لم يستطع أحد ثني إيران عن التدخل في المنطقة رغم المحاولات الأميركية لزعزعة الوضع في الداخل الإيراني، فضلاً عن احتوائها في سوريا ولبنان. اما الملف اليمني فلا زال يقضّ مضجع السعودية ومن يراقب تصريح سيرجي لافروف يلحظ الإشارة التي برّر من خلالها التخوّف السعودي من التدخّل الإيراني دون قبوله باتهام الاخيرة بالارهاب. وهذا ما يشير إلى إدراك روسية لأهمية وجود علاقة متينة مع السعودية والتي تفوق قيمتها تلك الإقتصادية في هذه المرحلة. لذلك الدور الروسي اليوم يقوم على مبدأ جعل الجميع يعتقد أنه بحاجة لها، فضلاً عن إيجاد مساحات لها للتحرك بعيدًا من ضغوطات قادمة سواء أميركية أو حتى أوروبية.
في حين تعمل روسيا على إيهام طهران استطاعتها تقديم حل عملي بدل العداء الأميركي. كما تصوّر نفسها للسعودية أنها الضامن المستقبلي للسياسات الإيرانية وفتح الباب أمامهم للتوصل لاتفاق يرضي الطرفين، مظهرةً الإخفاق الأميركي طيلة السنوات الخمس الماضية في ضمان أمن الخليج وتوقيع الإتفاق النووي الإيراني في 2015 دون مشاورات دول الخليج.

ويمكن توصيف الحراك الديبلوماسي الروسي اليوم بأنه براغماتي، مع الأخذ بعين الاعتبار الحدّ من التحولات والمخاوف عند جميع الأطراف.
في الختام، يمكن التوصّل لاستنتاج مفاده أن التعاطي الروسي مع الحليفين اليوم يستند إلى البراغماتية السياسية بمعنى أن روسيا تتصرّف مع السعودية وإيران انطلاقًا من مبدءيْن اثنين: سياسي-اقتصادي من جهة، ولوجستي- عملاني من جهة أخرى، وتفرض نفسها بوابة الغرب إلى الشرق لحلّ النزاعات الحالية مع إيران والرسالة التي تركتها السعودية في روسيا لتمريرها لإيران خير دليل على ذلك.
فروسيا تصوّر نفسها الراعي والضامن وضابط الإيقاع في المنطقة، ما سيعزّز المكاسب الروسية الآنية والمستقبلية على المستويات كافة.

المصدر : موقع ” MTV” اللبناني

شاهد أيضاً

ما مصلحة السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *