دراسة حول اللامركزية الإدارية كأسلوب ونظام حكم لسورية المستقبل ( 3-4 )


تابع المحامي إبراهيم ملكي في الحلقة الثالثة من دراسته ” دراسة حول اللامركزية الإدارية كأسلوب ونظام حكم لسورية المستقبل ” عملية الانتقال من المركزية السلطوية إلى اللامركزية، موردا نماذج في العديد من الدول العربية والأجنبية، وصولاً إلى اللامركزية الإدارية التي اعتبرها المدخل الأساس لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية، إلى جانب تناوله لللامركزية الإدارية الجغرافية، ليصل إلى صور اللامركزية الإدارية، ومن ثم حديثه عن الحكومات المركزية والمقاطعات والمحلية وأورد الأنموذج الفرنسي في الحكم اللامركزي الإداري ….















المحامي إبراهيم ملكي 

المجالس المحلية في اللامركزية الإدارية في سورية المستقبل:

يقوم التنظيم الإداري على توزيع اختصاصات الوظيفة الإدارية بين المركز والهيئات الإدارية المتعددة في المحافظة، وفقا لاستقلالهاالإداري التام والمالي وكذلك آلية اختصاصاتها الإدارية في الإطار الذي تحدده السلطة المركزية عبر الرقابة الإدارية، ويتوافق هذا الأنموذج الإداري مع سورية كدولة بحدودها الجغرافية دون الانتقاص من سيادتها.

أما البناء الهيكلي فيتم العمل عليه بعد إزالة آثار الأضرار التي لحقت بمؤسسات الدولة من قبل سلطة مركزية مطلقة وما قدم لاحقاً من نماذج (مشوهه للإدارة المحلية فيما سمى بالمناطق المحررة كانت تجربة فاشلة وغير ناضجة لأنها استعملت ذات الآليات والقوانين الإدارية أو ما يسمى بالإدارة المحلية المعمول به في سورية حاليا، ومن دون أي رقابة أو مصدر تشريعي في سبل إدارتها واختيار موظفيها لعدم وجود دعم مالي للقيام بأعمال الإدارة المحلية وهيمنة العسكرة على تلك الإدارات). *

إن بناء الشكل الإداري الذي تحتاجه سورية على مستوى الإدارة وصولاً الى اللامركزية الإدارية يجب حمايته قانونياً ودستورياً، وبهذا يرفع الحيف التاريخي عن مواطنيها عبر مشاركتهم ببناء وطنهم من هياكل ومؤسسات وهيئات إدارية هم من يديرها محليا، ” بحيث نمنع تكرار الاضطهاد الذي مارسته أنظمة ديكتاتورية والسير بعجلة التاريخ والتنمية نحو الأمام لبناء دولة المواطنة والحرية

والديمقراطية المدنية وإدارة شؤون المواطن عبر ممثليه المنتخبين ومن قبله كعضو حر وفق أسس اللامركزية الإدارية؛ (6)  وقد يكون هذا الشكل هو الأقرب للسوريين كمواطنين وبالتوافق الحر ربما تكون هذه رؤيتهم لمستقبل بلدهم بمختلف مشاربهم ومكوناتهم واتجاهاتهم، وكذلك الاعتراف دستورياً بحقوق المكونات من لغة وثقافة، مع كامل حقوق المواطنة من واجبات وحقوق في الجمهورية السورية الموحدة، ويكفي أن تقر السلطة المركزية بمصالح متمايزة للأطراف دستورياً وتعزيزها عبر مؤسسات المجتمع المدني بكل تفرعاتها وبحقوق الافراد العامة، وتقديم الضمانات القانونية للمكونات واشراك الفرد في الشؤون العامة والخاصة مما يزيل الخوف من الماضي أومن تجارب فاشلة بالمستقبل، فالسلطة الإدارية اللامركزية لسورية أنموذج إداري كما نراه وفقأ للمبادئ التالية:

1- يحمي قرارات الإدارة اللامركزية في المحافظة الدستور السوري، أي إعطائها صلاحيات يحميها القانون، وليس كما جاء في المرسوم 107 لعام 2011، المتعلق بقانون الإدارة المحلية، الذي ربط كل شيء بشخص رئيس الجمهوية.

2- يشكل مجلس أعلى للإدارات المحلية برئاسة وزير مختص وعضوية رؤساء المكاتب التنفيذية في المحافظات المنتخبين من الوحدات الإدارية بما فيها رؤساء البلديات من أبناء المحافظة مباشرة ، بما فيهم رئيس المكتب التنفيذي(المحافظ)، وليس كما كان سابقا حيث كان يعين من قبل رئيس الجمهورية، بينما في نظام اللامركزية تكون الإدارات منتخبة محليا من مواطنيها في المنطقة أو المحافظة.

3- تعتمد الحدود الجغرافية السورية كوحدة سياسية ويجري تقسيمها إدارياً إلى محافظة ومناطق ومدن وبلدات وذلك بقانون.

4- لكل مركز محافظة مكتباً تنفيذياً أما في المناطق والبلدات مجلساً محلياً واحداً. (7)

5- الوحدات الإدارية في المحافظات على عاتقها تقع مسؤوليات التخطيط والتنفيذ ووضع البرامج التنموية الخاصة بالمجتمع المحلي وتنفيذ المشاريع الخاصة بها.

6- رئيس المكتب التنفيذي (المحافظ) يجري انتخابه من المحافظة وفق القواعد القانونية وهذا ينسحب على مجمل المؤسسات المحلية، بحيث يتم تعيين موظفي المحافظة من أبنائها بما فيهم الشرطة والبوليس والإدارة وبالتالي تكون المجالس المحلية هي المعنية في تسيير وحداتها إدارياً واقتصادياً وصحياً وتعليمياً وثقافياً واجتماعياً وعمرانياً بالتنسيق والتعاون مع الوحدات الإدارية المختصة الأخرى في المحافظة.

7- يحق لمجالس الوحدات الإدارية وضمن حدودهم الإدارية اصدار القرارات التنظيمية وفرض الضرائب والرسوم لمصلحة وحداتهم بطريقة النسب على المطارح الضريبية المحددة بقانون التشريع الضريبي، بينما في قانون الإدارة المحلية الحالي المعمول به في سورية رقم 107 لعام 2011، تكون قرارات المجلس الأعلى ملزمة للوزارات لجهة الضرائب وغيرها من الموارد المالية.

8- تبنى الموازنات المالية من أصغر الوحدات الإدارية وفق ما يلي:

أ- الموازنة المستقلة ويجري إعدادها ومناقشتها وإقرارها في المكتب التنفيذي بشكل لا يتعارض مع القانون الضريبي والموازنات المحلية.

ب- الموازنة العامة يجري اعدادها ومناقشتها وإقرارها في المكتب التنفيذي.(المصدر السابق)

في حين كان قانون الإدارة المحلية السابق هو من يقرر الميزانية، بحيث يتم الإلزام من الأعلى إلى الأدنى وفقا للنظام المركزي الآحادي.

9- يتم تعزيز الإيرادات المالية للوحدات الإدارية لتمكينها من ممارسة الدور التنموي في المجتمع المحلي بجانب الدور الخدمي وجعل المجتمع مسؤولاً عن الحفاظ على مواردها وتنمية بناها التحتية.

10– خلق فرص اقتصادية وتنموية ضمن الوحدات الإدارية لإيجاد فرص عمل وحالة من التكامل بين الخدمي والتنموي.

11- تبسيط الإجراءات الإدارية في تامين الخدمات للمواطنين عن طريق انشاء مراكز خدمة المواطن تختص بمنح الرخص والخدمات والرعاية وفق أنظمة نافذة من دون العودة الى المركز.

“وعلى العموم تكون الوحدات الإدارية اللامركزية في كل المستويات مسؤولة مسؤولية مباشرة عن الخدمات والاقتصاد والتنمية والتعليم والصحة والثقافة وكافة الشؤون التي تهم المواطن في هذه الوحدات بحيث يقتصر مهمة المركز على الرقابة الإدارية أو مايتعلق بالتشريع وتقديم المساعدات من تخطيط وتنظيم وتنفيذ المشاريع الكبرى على صعيد الدولة.

يتميز نظام اللامركزية الإدارية: أنه وسيلة ناجعة لحل كل الاستعصاءات التي تواجهها الدولة اللامركزية الحديثة، (8) وأيضا تمنع تغول السلطات المركزية والتعدي على الهيئات الإدارية المحلية أو التدخل بشؤونها بفرض نهجها وسياستها عليها.

وأيضا ميزات اخرى منها:

1- دمقرطة الإدارة ويتم عبر تكريس مبادئ الانتخاب والترشيح من أبناء المحافظة للمجالس المحلية.

2- تمركز الصلاحيات الفنية بيد مجالس متخصصة في الاقتصاد والمالية.

3- يجب توفر المصلحة لأبناء المنطقة في تطوير وتنمية وحداتهم الإدارية.

4- الميزة المهمة ايضاً الاستقلال المالي للهيئات المحلية لتمكينها في تنفيذ مشاريعهاالتنموية دون الحاجة إلى موافقة المركز، كون الهيئات المحلية الممولة محلياً تحافظ على استقلالها الإداري وتستطيع تمويل مشاريعها محلياً.

“يبدو من الضروري التأكيد على أن اللامركزية الإدارية لم تهدد كيان الدولة الفرنسية ولم تمنح السلطة التشريعية إلى المجالس المحلية الفرنسية، وحصر مسؤولية التشريع بيد البرلمان المركزي (9) لذلك فإن تطبيق اللامركزية الإدارية على المجالس المحلية لا يعني أنها ستصبح مستقلة عن الدولة”، وهذا ما يعزز رأي البعض القائل إذا تحققت اللامركزية الإدارية في سورية فلن يؤدي ذلك إلى تفسخ الدولة، أو تقسيمها باعتبار هذه المرتكزات مشرعنة دستورياً بتوافق كل الأطراف السورية.

_ في اللامركزية الإدارية: صاحب الدور الرئيس في تحديد المهام والصلاحيات أو (العلاقة بين المركز والاقاليم) هو الدستور فهو من يوازن بين سلطة المركز والسلطات الإقليمية المحلية ويمنح كل منها الصفة القانونية.

وفي حال الخلاف أو الاشتباك بين الصلاحيات والمصالح فالمرجعية القانونية تتم أمام المحكمة الإدارية العليا المستقلة والتي تكون اصولاً هي المرجع في حال نشوب خلاف بين المركز والأطراف أو بين إقليمين على قرارات إدارية صادرة عنها داخل الاقليم أو الدولة وتنظر في النزاعات الإدارية المخالفة للدستور وللأفراد المغبونين من أي قرار إداري أو لكل صاحب مصلحة يحق لهم رفع شكوى إلى القضاء الإداري المركزي (المحكمة الإدارية العليا)

أما المحكمة الدستورية العليا فتتدخل حال صدور قرارات مخالفة للدستور أو قيام مجلس محلي بإصدار قرارات مخالفة أو نزاع له طابع تشريعي.

وعلى العموم يرى  المشرع في اللامركزية الإدارية منح الشخصية المعنوية  للوحدات المحلية وبذلك يعطي صورة تشاركية للفرد في الدولة الديمقراطية الحديثة وبكيفية مشاركة المواطن  كطرف في  صناعة مستقبله لذا يفضل أن تمارس الهيئات المحلية مصالحها بنفسها انسجاماً مع التطورات التي ظهرت فقهياً وعالمياً على الإدارة وأداء  واجباتها التنموية اتجاه جمهورها ومناطقها وهي الأقدر على إدارة المرفق العام  وحل اشكالاته كما يمنح  هذا الأسلوب الإدارة المركزية فرصة التفرغ  لقضايا عامة وعلى العموم  يتم تحديد اختصاص  وحدود عمل الهيئات بقانون  لا يجوز الانتقاص منه  الا بقانون جديد يلغي سابقه.

– أوجه الخلاف بين اللامركزية الإدارية وبين الاشكال الأخرى من النظم المركزية أو الفيدرالية:

لابد من تمييز الفيدرالية أو الدولة الاتحادية عن النظم الأخرى في رغبة كيانات في التوحد ضمن دولة واحدة ومن خلال التزام الأطراف الداخلة في الاتحاد طوعاً بنصوص وأحكام ويكون للإقليم اللامركزي صلاحيات التشريع أحياناً وكذلك في المسائل المتعلقة بآليات التنفيذ والتطبيق كون لها برلمانين مركزي ومحلي ومع سلطة تنفيذية لكل منها لكن لهذه الولايات سلطات محلية تنفيذية وإدارية خاصة بها.

1- أما في المركزية المطلقة هناك مخاطر وأمراض لأنها تربط كل القرارات بالمركز وتعتبر نفسها صاحبة القرار في التعيين والتنظيم والإدارة هذا يجعل من هذه المؤسسات مؤسسات بيروقراطية بطيئة (10) ومصابة بالترهل عندما تصدر القرارات للأطراف. وكذلك هيكلها تراتبي وغالبا ما ينعكس ذلك على المواطن ومصالحه سلباً.

2- اما اللامركزية الإدارية تقوم الإدارة المحلية بإدارة أموالها ومواردها وتنميتها وتقوم بكل الإجراءات التقنية المرتبطة بها ويلعب التشريع في اللامركزية الإدارية الدور الاهم والأبرز في مسألة التفريق بين سلطة المركز والسلطات الإقليمية، مما يعني أن الشكل الإداري يحدده الدستور لجهة الصلاحيات التي قد يوسعها أو يضيقها وفي حاله التوسع قد تغالي الهيئات والمؤسسات المحلية في استقلاليتها الى مرحلة الاستغناء عن المركز مما يحدث خلل قانوني في العلاقة بين الطرفين. وربما يحدث ذلك شرخا في الهوية الوطنية للدولة.

3- أما التباين بين اللامركزية الإدارية مع اللامركزية السياسية (الفيدرالية)، هناك خلافات كبيرة في الأسلوبين في النظام الفيدرالي تستقل كل ولاية بدستور خاص بها بمعزل عن المركز وللدولة برلمان عام ودستور مثال ألمانيا- أمريكاهي دولة تطبق نظام الاتحاد الفيدرالي وفي حال الخلاف يطبق دستور الدولة ويسمى بالدستور بالعام.

ومن مخاطرها أيضا الاستقلالية التامة التي تؤدي الى تمزيق الدولة وخاصة لدولة فتية أو غير مستقرة أو خارجة من حروب حديثا قد يبدأ التقسيم فيها من الأعلى إلى الأسفل بعكس الدول الاتحادية التي كانت الولايات أو المقاطعات بالأصل مستقلة ومستقرة ثم ارتبطت مع المركز طوعياً وشكلت اتحاداً فيدرالياً فيما بينها بدأ من الأسفل إلى الأعلى أي كانت أقاليم ومقاطعات وتوحدت مع المركز وحافظت على قوانينها المحلية السابقة التي لا تتعارض مع المركز مثل ألمانيا الاتحادية وبلجيكا وسويسرا.


أدناه رابط الحلقة الأولى ( 1-4 ) من الدراسة 

https://our-syria.com/%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%ad%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%b1%d9%83%d8%b2%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%af%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d9%83%d8%a3%d8%b3%d9%84%d9%88%d8%a8/

وأدناه رابط الحلقة الثانية  ( 2-4) من الدراسة 

https://our-syria.com/%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%ad%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%b1%d9%83%d8%b2%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%af%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d9%83%d8%a3%d8%b3%d9%84%d9%88%d8%a8-2/




تنشر الحلقة الرابعة الأخيرة يوم الأربعاء  القادم   30 / 9 / 2020

شاهد أيضاً

ما مصلحة السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *