لم تكن زيارة وفدين روسيين إلى سورية في يومين متتالين مجرد زيارات روتينية يمكن غض الطرف عنها، بل زيارات حملت رسائل سياسية وأخرى اقتصادية. إذ استهل يوري بوريسوف نائب رئيس الوزراء الروسي زيارته إلى دمشق، والتقى عددًا من المسؤولين في نظام الأسد، تلاها في اليوم الثاني زيارة وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف.
وإذا ما أردنا تصنيف الزيارتين فالوفد الأول اقتصادي بالدرجة الأولى؛ إذ إن بوريسوف هو عضو ما يعرف بـ«اللجنة السورية الروسية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والتقني والعلمي»، والتي تقوم على توقيع المشاريع الاقتصادية والتجارية.
أما الوفد الآخر فيضم لافروف (داهية السياسة الروسية)، والذي يعتقد أنه ذهب وفي جعبته العديد من القضايا العالقة مع دمشق، في مقدمتها الدستور والحل السياسي. فالرجل الذي غاب عن دمشق على مدار ثماني سنوات، وزارها بشكل سريع، يملك العديد من الأفكار التي طرحها على نظام الأسد وربما بعض الضغوط التي ستعجل بالحل السياسي، والتي رفضها الأسد حسب تصريحاته الأخيرة أمام مجلس الشعب، إذ وصف المبادرات السياسية التي تجري بهدف التوصل إلى حل للملف السوري بأنها «خزعبلات سياسية».
صبر الكرملين أوشك على النفاد.. روسيا تستعجل «رزقها»
يعمل الوفدان الروسيان في دمشق معًا على الضغط على نظام الأسد للقبول بتسوية سياسية، تبدأ بتغيير الدستور، ومن ثم إجراء انتخابات رئاسية، ربما لا يكون للأسد أي دور فيها. ويلي ذلك قطف موسكو تعب السنين التي قضتها في حماية النظام من السقوط لتنقض على عقود إعادة الإعمار وإدخال الشركات الروسية للسيطرة على الاقتصاد السوري.
فبحسب مراقبين تعلم موسكو أن أي إتفاق اقتصادي مع نظام الأسد لن يرى النور بشكل كامل، بسبب العقوبات الأمريكية والأوروبية، والروس غير مستعدين لدفع روبل واحد لإعادة الإعمار أو إنعاش الاقتصاد السوري المنهار، وأملهم في الوصول إلى حل سياسي يرضي الأطراف الدولية، والتي بدورها ستضخ المليارات التي تطمح روسيا للحصول على حصة الأسد منها، ولا سبيل إلى ذلك بدون التقدم السياسي خاصة اللجنة الدستورية.
ولم تكن زيارة يوري بوريسوف، زيارته الأولى إلى دمشق، بل سبقها العديد من الزيارات والتي انتهت بتوقيع العديد من الاتفاقيات المختلفة منها الاقتصادية، والعسكرية، والاجتماعية، وأيضًا الثقافية والدينية، وكانت آخر زيارة له في الشهر الأخير من العام الماضي، وجرى الاتفاق فيها على 30 مشروعًا، من بينها إعادة تأهيل معمل حماة للإطارات، وإنشاء مصنع للإسمنت في حلب، وتأهيل خط سكة حديدي، وإنشاء مطار في طرطوس وغيرها، والتي لم ينفذ منها أي مشروع بعد. لكن هذه المرة تختلف عن زيارته السابقة؛ فقد حمل معه 40 مشروعا آخر وبصحبته لافروف، فهل تُطبق هذه المرة، أم أنها لا تختلف عن سابقاتها؟