“قيصر والـ40 مشروعًا روسيًا” في سورية.. هل تتمكن موسكو من تنفيذ مخططاتها؟

لم تكن زيارة وفدين روسيين إلى سورية في يومين متتالين مجرد زيارات روتينية يمكن غض الطرف عنها، بل زيارات حملت رسائل سياسية وأخرى اقتصادية. إذ استهل يوري بوريسوف نائب رئيس الوزراء الروسي زيارته إلى دمشق، والتقى عددًا من المسؤولين في نظام الأسد، تلاها في اليوم الثاني زيارة وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف.

وإذا ما أردنا تصنيف الزيارتين فالوفد الأول اقتصادي بالدرجة الأولى؛ إذ إن بوريسوف هو عضو ما يعرف بـ«اللجنة السورية الروسية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والتقني والعلمي»، والتي تقوم على توقيع المشاريع الاقتصادية والتجارية.

أما الوفد الآخر فيضم لافروف (داهية السياسة الروسية)، والذي يعتقد أنه ذهب وفي جعبته العديد من القضايا العالقة مع دمشق، في مقدمتها الدستور والحل السياسي. فالرجل الذي غاب عن دمشق على مدار ثماني سنوات، وزارها بشكل سريع، يملك العديد من الأفكار التي طرحها على نظام الأسد وربما بعض الضغوط التي ستعجل بالحل السياسي، والتي رفضها الأسد حسب تصريحاته الأخيرة أمام مجلس الشعب، إذ وصف المبادرات السياسية التي تجري بهدف التوصل إلى حل للملف السوري بأنها «خزعبلات سياسية».

صبر الكرملين أوشك على النفاد.. روسيا تستعجل «رزقها»

يعمل الوفدان الروسيان في دمشق معًا على الضغط على نظام الأسد للقبول بتسوية سياسية، تبدأ بتغيير الدستور، ومن ثم إجراء انتخابات رئاسية، ربما لا يكون للأسد أي دور فيها. ويلي ذلك قطف موسكو تعب السنين التي قضتها في حماية النظام من السقوط لتنقض على عقود إعادة الإعمار وإدخال الشركات الروسية للسيطرة على الاقتصاد السوري.

فبحسب مراقبين تعلم موسكو أن أي إتفاق اقتصادي مع نظام الأسد لن يرى النور بشكل كامل، بسبب العقوبات الأمريكية والأوروبية، والروس غير مستعدين لدفع روبل واحد لإعادة الإعمار أو إنعاش الاقتصاد السوري المنهار، وأملهم في الوصول إلى حل سياسي يرضي الأطراف الدولية، والتي بدورها ستضخ المليارات التي تطمح روسيا للحصول على حصة الأسد منها، ولا سبيل إلى ذلك بدون التقدم السياسي خاصة اللجنة الدستورية.

ولم تكن زيارة يوري بوريسوف، زيارته الأولى إلى دمشق، بل سبقها العديد من الزيارات والتي انتهت بتوقيع العديد من الاتفاقيات المختلفة منها الاقتصادية، والعسكرية، والاجتماعية، وأيضًا الثقافية والدينية، وكانت آخر زيارة له في الشهر الأخير من العام الماضي، وجرى الاتفاق فيها على 30 مشروعًا، من بينها إعادة تأهيل معمل حماة للإطارات، وإنشاء مصنع للإسمنت في حلب، وتأهيل خط سكة حديدي، وإنشاء مطار في طرطوس وغيرها، والتي لم ينفذ منها أي مشروع بعد. لكن هذه المرة تختلف عن زيارته السابقة؛ فقد حمل معه 40 مشروعا آخر وبصحبته لافروف، فهل تُطبق هذه المرة، أم أنها لا تختلف عن سابقاتها؟

ترى صحيفة «القدس العربي» في افتتاحيتها أن «موسكو تعلق على الوفد الروسي أهمية كبيرة، خاصة في ظل الظروف الراهنة تحديدًا، سواء لجهة مشهد الاستثمارات الروسية في سوريا، أو التسخين الميداني الإسرائيلي الإيراني عبر الغارات الإسرائيلية المتعاقبة في مختلف الأراضي السورية».

وتضيف الصحيفة أنه «قد يكون المحتوى الأهم أن موسكو أخذت تضيق ذرعًا بابتعاد آجال استثمارها الأكبر، أي فوز الشركات الروسية بحصة الأسد في المليارات التي سوف تخصصها الجهات الدولية المانحة على سبيل إعادة إعمار سوري وأن صبر الكرملين بدأ ينفد».

ويبدو أن الاتفاق الذي وقعته «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» الواقعة تحت هيمنة PKK مع شركة «دلتا كريسنت إنرجي» الأميركية والتي ستقوم بدورها، بتحديث حقول النفط في شمال شرقي سورية، هو ما يعني حرفيًا خسارة موسكو لمورد مالي كانت تحاول الحصول عليه لتعويض تكاليف تدخلها العسكري في سورية، وهذه الزيارة أتت في الوقت الذي يبدو أن جميع الأطراف بدأت بجني الثمار الاقتصادية من تدخلها في سورية إلا الروس، والذين يظهر أنهم باتوا مستعجلين جدًا للحصول على حصتهم.

الاستثمارات الروسية لا تؤتي أكلها حتى الآن

كان توقيع أول إتفاقية بين نظام الأسد وروسيا في عام 2013، وعرفت باسم عقد «عمريت البحري» للتنقيب عن البترول وتنميته وإنتاجه في المياه الإقليمية السورية، ومن ذلك الحين لا تزال عمليات التنقيب مستمرة دون الإعلان عن أي اكتشافات لحقول نفطية بعد؛ إذ تقوم شركات روسية هي «زاروبيج نفط» و«زاروبيج جيولوجيا» و«أس تي جي انجينيرينغ» و«تيخنوبروم أكسبورت» بعملية البحث والتنقيب في البر والبحر.

كذلك استأجرت روسيا ميناء طرطوس من نظام الأسد بالمجان لمدة 49 عامًا، ووقعت عقدًا لاستخدام قاعدة حميميم دون مقابل ولأجل غير مسمى، واحتكرت جميع عقود توريد القمح الروسي إلى سورية، واستأثرت بتجارة السلاح واستولت على مناجم الفوسفات، ولكن هذه المشاريع على أهميتها؛ أقل بكثير من طموح موسكو.

فبعد التدخل العسكري الروسي المباشر عام 2015 وُقِعت عشرات الاتفاقيات التي تعكس مدى طموح روسيا، من بينها خط بحري بين مينائي طرطوس السوري وسيفاستوبول الروسي في جزيرة القرم، وسكة حديدية من طرطوس إلى العراق والخليج العربي، وجعل من سورية مخزنا للقمح الروسي كي تصدره إلى العالم عبر البحر الأبيض المتوسط، وغيرها من الاتفاقيات في مجال بناء مدن كاملة ومشاريع سياحية.

لكن لم ينفذ معظمها لأسباب، من بينها المعارك، والعقوبات الاقتصادية الدولية، والفساد الإداري والمالي لدى نظام الأسد، علاوة على النفوذ الإيراني الذي كان منافسًا شرسًا لروسيا ووقع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية، واستولى على العديد من المناطق الحيوية والتجارية.

يرى الدكتور والمستشار الاقتصادي أسامة القاضي، في حديثه لـ«ساسة بوست» أن «المشاريع الروسية التي تم نُفذت لا تتعدى ثلاث إلى خمس مشاريع فقط منذ تدخلها في سورية، وبعضها لم تنفذ كاملة بدلالة أن هناك اتفاقيات بالكهرباء والطاقة، وإلى الآن لم تزل سورية تعاني من انقطاع الكهرباء، بالرغم من أن هناك عقودًا منذ 2016».

واعتبر القاضي أن «ما تم تنفيذه لغاية الآن هو استلام ميناء طرطوس وشركة الفوسفات، ولم يتم الإنتاج بالشكل الكبير في الأخيرة، كما ولم يتم تطوير الميناء على الشكل المزمع ورفع خدماته، وكل ما قامت به روسيا هو وضع اليد عليه، بانتظار شركات عالمية تساعدها لتأخذ نسبتها من الأرباح».

ويمكن القول إن روسيا صبرت على فشلها في تعويض خسائرها المالية لقاء تدخلها في سوريا؛ إذ دأب المسؤولون الروس بالتصريح بضرورة إعادة الإعمار وتفعيل المشاريع التجارية في سورية منذ اليوم الأول من تدخلهم العسكري، وكان دميتري روغوزين، نائب رئيس الحكومة الروسية السابق قد صرح في أواخر عام 2017، «أن روسيا لن تدخل الاقتصاد السوري بصفة «فاعل خير» أو «دولة مانحة»، بلا مقابل، وأنها لا تنوي التساهل فيما يخص مصالحها وأرباحها».

مشيرًا إلى أن «قطاع الأعمال الروسي سيحسب كل روبل»، موضحًا «لأنه علينا أيضًا ألا نفكر في الآخرين فقط، حتى لو كانت دولة مقربة صديقة، والآن علينا أن نفكر كيف نجني الأموال لميزانيتنا، لمواطنينا، للناس الذين ينتظرون أيضًا مقابل ما، لقاء العمل الكبير الذي قامت به روسيا الاتحادية على الأراضي السورية»، ولكن روسيا لم تحصل بعد على ما أتت من أجله، ويرى مراقبون أن الزيارة الأخيرة تأتي وسط نفاد صبر الروس.

 
 

وفي المقابل سيطرت روسيا بالكامل على مناجم الفوسفات في سورية، حيث تقوم عناصر من المرتزقة الروس (فاغنر) بحراستها من أية هجمات قد يشنها “داعش”، كون هذه المناجم تقع شرق سورية في منطقة تدمر، والتي كانت ضمن مناطق نفوذ «داعش».

وكانت سورية قد احتلت قبل عام 2011 المرتبة الخامسة عالميًا في تصدير الفوسفات، ويقدر الاحتياطي بأكثر من ملياري طن؛ إذ كانت سورية تنتج سنويًا ما معدله 3.5 مليون طن، ولا توجد تصريحات رسمية عن الكمية المستخرجة حاليا، ولكن يعتقد أنها أقل بكثير مما كان يُنتج قبل اندلاع الثورة السورية، بسبب تعطل المعامل. إذ تقتصر تنقية المادة على معملين فقط .

وتقدر قدرتها السنوية بمليون و200 ألف طن سنويا فقط، وباعتبار أن سعر الطن الواحد من هذه المادة عالميًا هو 75 دولار فقط، فإن أرباح روسيا سنويًا لا تتجاوز 87 مليون دولار فقط، بينما تربح «قسد» سنويا من بيع النفط ما مقدراه 378 مليون، ومع دخول الشركة الأمريكية على الخط يتوقع أن تتضاعف أرباح «قسد» كثيرًا.

والجدير بالذكر عن الصراع الروسي الإيراني على موارد سورية أن النظام السوري قد وقع مع إيران إتفاقية تسمح لها باستخراج الفوسفات من المناجم بعد هزيمة «داعش»، إلا أن الأسد ماطل في تنفيذها حتى تم الإعلان على استحواذ الشركات الروسية على الاستثمار في هذه المادة.

ويرجع السبب إلى أن الفوسفات السوري يحتوي على كميات كبيرة من اليورانيوم المشع والتخوف الغربي من حصول إيران على هذه المادة، وبالطبع أغضب هذا الأمر طهران كثيرًا، وكان ذلك واضحًا من خلال الصحف ووسائل الإعلام الإيرانية التي اعتبرت أن الأسد طعنها من الخلف.

قانون قيصر والـ40 مشروعًا روسي

عندما تدخلت روسيا في الحرب السورية، ربما كان في بالها أمرا مختلف عما هو عليه الآن، فقد توقعت أن تكون المهمة سهلة، وتعيد سورية إلى ما كانت عليه قبل الثورة على النظام، وتعوض أثمان هذا التدخل أضعاف مضاعفة.

ولكن الرياح لا تجري بما تشتهي السفن، فالليرة السورية انهارت بشكل شبه كامل والاقتصاد السوري بحالة شلل، وأهم من ذلك العقوبات الغربية والأمريكية على النظام، والتي تكللت بما عرف مؤخرًا بقانون قيصر لحماية المدنيين السوريين، والذي يضع العقوبات المالية على الدول أو الشركات أو حتى الأفراد في أية محاولة لدعم الأسد، ولكن مع ذلك قدمت روسيا بـ40 مشروعًا آخر في تحد واضح لهذا القانون، فهل تنجح في ذلك؟

يرى الدكتور والمستشار الاقتصادي أسامة القاضي، في حديثه لـ«ساسة بوست» أنه «لا يمكن لروسيا كدولة الالتفاف على قانون قيصر، إذ إنها تقبع تحت العقوبات، وبين وزرائها من لا يقدر على زيارة أميركا أو أوروبا، كما أن الشركات الروسية التي لها أعمال في أميركا وأوروبا من المستبعد أن تدخل في مشاريع بسوريا تخوفًا من أن تطالها العقوبات».

يضيف القاضي «لكن هناك شركات وهمية وتابعة للحكومة الروسية من الممكن أن تدخل في مشاريع إعادة الإعمار بسورية دون أن تتضرر من العقوبات الأمريكية، ولكن تبقى أمام هذه الشركات العقبة الأهم وهي التمويل، فهم يبحثون عن ممول لشركاتهم للتنفيذ». واعتبر القاضي أن «الوضع الاقتصادي الروسي سيئ مع انخفاض أسعار النفط وارتفاع البطالة خاصة بعد كورونا، وهذه إشكالية اقتصادية وحمل كبير لا تستطيع موسكو أن تتحمله».

مؤكدًا أن «الأربعين مشروعًا التي أُعلن عنها لم يتم توقيعها بعد، بل تم تأجيل ذلك إلى ديسمبر (كانون الأول) المقبل، حيث سيكون للوفد الروسي زيارة أخرى لدمشق للتوقيع».

ويعتقد القاضي أن «العقوبات الاقتصادية خاصة قانون قيصر، كانت حاسمة بكبح جماح الدول التي كانت مستعدة للدخول من أجل إعادة الإعمار؛ لأن التهديدات عالية في القانون». وأضاف أن «سورية أصبحت دولة مفلسة، لا تستطيع دفع ديونها، وروسيا وإيران يستطيعان فقط أخذ شرعية وجودهم في سورية، وعليه يراهنون أنه سيكون لهما حصة في إعادة الإعمار، وعلى أقل تقدير سيحصلان لقاء مساعدتهم للنظام على بدل مادي، وليس ماليًا يكون على شكل مطارات وأراضٍ وعقارات، وأيضًا 40 مشروعًا دفعة واحدة».

وعن الحسرة الروسية يقول القاضي: إن “أميركا وضعت يدها على الثروة النفطية والمائية، حيث تعتبر مناطق شمال شرق سورية هي سلة غذاء البلاد، وتنتج أكثر من 70% من حاجة سوريا من القمح وأكثر من 50% من القطن، واعتقد الروس في لحظة من اللحظات أنهم سيضعون أياديهم عليها جميعها، لكن واقع الأمر مختلف، إذ قررت أميركا بـ400 جندي أميركي فقط أن يضعوا أياديهم على الثروة السورية” 


المصدر : ” ساسة بوست ” بتصرف 

شاهد أيضاً

وفاة صاحب مقولة لا تخذلوا الثورة السورية

توفي، اليوم الأربعاء، وزير الإعلام الأردني السابق صالح القلاب عن عمر ناهز 79 عاماً، الذي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *