حكم طال انتظاره!

كتب حسين شبكشي في صحيفة ” الشرق الأوسط”


اعلاميّ ورجل اعمال سعوديّ وعضو مجلس ادارة شركة شبكشي للتّنميّة والتّجارة وعضو مجلس ادارة مؤسّسة عُكاظ للصّحافة والنّشر

قبل انقضاء هذا اليوم، من المفروض أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية حكمها الذي طال انتظاره بخصوص تحديد أسماء المتهمين والمدانين في جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، ومن قضوا معه في هذا اليوم الحزين، منذ أكثر من خمسة عشر عاماً.
سلسلة طويلة جداً من التحقيقات والأدلة والشهود تم تتبعها وإعدادها، ومراعاة ربطها بدقة لتكون حجة متكاملة الأوصاف والملامح أمام الجهة القضائية الدولية. لم يكن طريق التحقيق سهلاً وممهداً، فلقد سعى تنظيم حزب الله الإرهابي ومرتزقته منذ اللحظات الأولى التي تلت تفجير موكب الحريري إلى تغيير جذري في مشهد موقع الجريمة، مثل نقل سيارة الحريري، وتغطية الموقع بالتراب، وإزالة «آثار أخرى مهمة»، وصولاً إلى تهديد وقتل المحققين اللبنانيين أمثال وسام الحسن ووسام عيد. ولقد سعى تنظيم حزب الله الإرهابي بشكل موتور لـ«إعادة تدوير» سردية الاغتيال منذ اللحظات الأولى لها، فدفع باسم «أبو عدس» ليتبنى عملية الاغتيال، وكان الإخراج لهذا المشهد ساذجاً وكاريكاتورياً إلى درجة أنها لم تصدق ولم تجرؤ الماكينة الإعلامية لحزب الله على إعادة تكرارها واستخدامها مجدداً، ثم حاولوا بعد ذلك إلصاقها بإسرائيل بالأسطوانات المشروخة التي اعتاد التنظيم استخدامها ولم تلقَ أي قبول لدى الناس، ثم اتجهت بروبوغاندا الحزب إلى ترويج فرضية أن الدائرة المقربة من رفيق الحريري «تخلصت» منه، وهذه الفرضية انضمت لسابقتها، وتم تصنيفها تحت بند أكاذيب الحزب. وخلال مسلسل أكاذيب التنظيم، بدأت صورة الأدلة ضده تتضح وعلامات الإدانة ضد أعضاء التنظيم الإرهابي تتسع، وجاء تحقيق مجلة «دير شبيغل» الألمانية الرصينة والمبني على معلومات شديدة الدقة من الاستخبارات الألمانية ليبرز تفاصيل دقيقة وفي غاية الأهمية تتهم بوضوح (وبالأسماء) أعضاء في تنظيم حزب الله، وقرر الحزب بعدها أن يخفيهم في حمايته وفي مناطق نفوذه وبعيداً عن متناول قوى الأمن في لبنان، وكأنه بذلك يؤكد ما كان معروفاً ويدين بالتالي نفسه.
اغتيال رفيق الحريري ومن قضوا معه ما هو إلا حلقة جديدة من مسلسل التصفية في لبنان لمعارضي مشروع الأسد وإيران في لبنان، وأداة تنفيذه عصابة حزب الله، التي لا تزال حتى اللحظة بلا متهم رسمي ولا حساب قضائي حاسم. وما لا تحسمه أجهزة القضاء في بلد ما تفرض عليها العدالة الدولية أو العدالة السماوية بطريقة أو بأخرى. جرائم حزب الله مضى عليها زمن طويل بلا حسيب ولا رقيب، أسيلت دماء، وأهدرت أرواح، وعلى ما يبدو أن الحساب قد آن أوانه.
اغتيال الحريري ينضم إلى قائمة اغتيالات مهمة في العالم العربي شملت الملك فيصل وأنور السادات ومحمد بوضياف، الفرق الوحيد أن هذه الأسماء تم القبض فيها على الجناة ولقوا جزاءهم المستحق، وبقيت قضية الحريري مفتوحة حتى اليوم. اغتيال الحريري لم تكن غايته قتل زعيم سياسي، ولكنه اغتيال حلم وطن ومشروع مستقبل وأمل شعب لتحل مكانه غمامة سوداء على صدر لبنان لم يفق من توابعها حتى اليوم. رفع عدد مهم من اللبنانيين عداداً يومياً يحسب الأيام التي مضت على الجريمة، وعلى بدء مشوار المحكمة الجنائية الدولية، وكان هناك عدد غير بسيط من الطرف القابل لهم يحبطهم ويقول إنكم تنشدون المستحيل.
اليوم موعد مهم للعدالة وتاريخ جديد للحق، وحتى إذا لم يتعاون تنظيم حزب الله مع الحكم ويسلم المتهمين كما هو متوقع، فسيكون ذلك الأمر إضافة جديدة في سجله الإجرامي الإرهابي. رحم الله رفيق الحريري رحمة واسعة ومن رحل معه ولا نامت أعين الجبناء. خير للعدالة أن تأتي متأخرة من أن لا تأتي. موعد جديد للبنان مع الأمل ومع الخطر في الوقت نفسه.

شاهد أيضاً

ما مصلحة السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *