هل الديمقراطية حلٌ دائم؟

درويش خليفة*

بعد أن توسعت رقعة الثورة الرقمية، وأصبحت المعرفة في متناول الجميع، لم تعد الحدود عائقا أمام الانفتاح على الثقافات المتعددة أمرا غاية في العصوبة ولم تعد الكتب على الرفوف فقط، فقد حولت العالم لقرية صغيرة وبالذات إذا كان يمتلك أيً مننا لغة العلوم الحديثة “الإنجليزية”.

فالمساواة التي منحتنا إياها الثورة الرقمية سبقت دساتير معظم الدول العربية في ترجمتها إلى الواقع، كما وضعت حداً لثقافة الامتياز فلم تعد المعرفة والاختصاص حكراً على المختصين، فقد أصبحت متاحة للجميع لتضع الكرة في ملعب القارئ والساعي لامتلاكها.

كما أنها تمنحنا ظروفا أكثر مواتاه للتداول الديمقراطي من خلال تمكين قدرات أصحاب المصلحة وتنوع وجهات النظر وشفافية الحوارات.

وحتى ننقل الديمقراطية من الفضاء الرقمي للحياة الطبيعية علينا أن نمارسها في الإعلام والمدراس والجامعات كي لا تقتصر الديمقراطية التداولية (رئاسة- برلمان) على صناع القرار فقط.

ومن حيث توفيرها للمعرفة والمعلومات فأن الثورة الرقمية تعزز النقاش العام وتشجع على طرح قضايا مجتمعية جريئة على عكس الحكومات التي ترى قضايا مجتمعاتها تنحصر تحت قبة البرلمان.

إذ يقول “تشارلز تايلر” أن التداول في المجال العام يجب أن يكون على أسس علمانية أي إبعاد الدين عن النقاش والتداول. ولكن هل تنطبق مقولته على دول الشرق التي تطمح لمجرد تداولا للسلطة! فللديمقراطية التمثيلية مثالبها أيضا، تبدأ بغياب المرونة وضآلة الفوارق الجوهرية بين المتنافسين وتمر عبر سيطرة رأس المال والإعلام الذي يشكك في أهلية المرشحين للتمثيل الفعلي لمصالح المواطنين.

ولأن مجتمعاتنا محرومة تداول السلطات بفعل الاستبداد فغالبا ما تراها تتوق لنظرية “يورغن هبرماس” “الديمقراطية التداولية”. لأنه يفسرها انطلاقا من قواعد قانونية قبل أن تكون مؤسسا فلسفي لقواعد أخلاقية.

ومع وجود فوارق بسيطة بين الديمقراطية التداولية والليبرالية التعاقدية ما بين هبرماس ورولز إلا أنهما اتفقا على محددات للحوار العام:

  • حرية الأفراد
  • ضرورة السماح للأقليات بالمشاركة
  • أهمية العقلانية
  • النقاش الحر
  • الرغبة في التداول
  • ضرورة توفر المعلومات.

ولآن الليبرالية من أكثر المنظورات التي تعكس جوهر الحداثة، لا أعتقد أننا في شرقنا البائس ومع استمرار الاستبداد السلطوي قادرين على التفاعل معها.

وهذا ما ترجمته النظم السلطوية في دول ثورات الشباب العربي (اسمحوا لي باستبدال المصطلح) وإيران؛ تجاه الشباب الطامح للالتحاق بقيم ومبادئ سامية هدفها القيمة الإنسانية الرفيعة عبر تحقيق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

قد توفر الليبرالية قسط وفير من الحريات السياسية والاجتماعية ولكن المؤرخ الأمريكي فرانسيس فوكوياما لا يرى النظام الديمقراطي الليبرالي قمة الكمال في النظم السياسية الغربية أو أنه الإطار النهائي للأنظمة السياسية.

هذا ومازالت الولايات المتحدة الأميركية ودول اليورو يسعون لحياة تحقق أكبر قدر من الرفاه لمواطنيها لأن النظم الليبرالية لديها قابلية التطور والإصلاح وهذا ما يذكرني بمقولة رئيس وزراء بريطانيا السابق وينستون تشرشل «النظام الديمقراطي أسوأ أشكال الحكم ولكني لست على بينة من نظامٍ أفضل».

وأتى تصريحه سابق الذكر بعدما صوت الشعب البريطاني ضده في غضون أشهر بعد الفوز بالحرب العالمية الثانية.

وفي المجتمعات الغربية لم تعد الديمقراطية أداة تعبر عن اراء المجتمع في شكل الحكم واختيار الحاكم بل باتت ممارسات عفوية تتماهى مع ثقافتهم المجتمعية والسياسية.

وبالرغم من مساحة الحريات السياسية والاجتماعية في أمريكا وأوروبا إلا انها لم تحقق العدالة الاقتصادية التي يتطلع إليها مواطنيهم. والفجوة مازالت واضحة بين الفقراء والاغنياء.

 وما قبل جائحة كورونا بشهر واحد كانت “نسبة الأطفال الذين يعيشون تحت مستوى خط الفقر ما لا يقل عن 12 مليون طفل، أي ما يقارب سدس الأطفال الأميركيين، ويحصل 14.3 مليون أميركي على كوبونات حكومية لشراء الطعام المدعم”. المصدر تقرير سابق للجزيرة.

وبلا أدنى شك أن التغيير يحتاج لسينين عديدة وفي معظم الآحيان يرافقه عنفٍ سلطوي غير مبرر ودعم خارجي، يتوجس انفتاح المجتمعات التي قد تصاب بعدوى التغيير، بمنظور المستبد الحاكم.

وما بعد ثورات الشباب العربي ساهمت أسبابا عديدة في إبطاء عملية التغيير منها على سبيل المثال:

– استخدام العنف ضد مناهضي الأنظمة المستبدة

– التدخلات الخارجية التي ساهمت في إضعاف السيادة الوطنية

– دخول الإسلام السياسي على خط النزاع وتحويل مطالب التغيير لصراعٍ على السلطة

– عدم وجود منظمات سياسية ذو تأثير وفاعلية تناضل من اجل مطالب رواد التغيير.

وبصراحة وبعيدا عن مبادئي السياسية أرى من وجهة نظري؛ حتى نصل للدولة العصرية ونواكب فلسفة الحداثة علينا، بداية: أن نفصل الدين عن الدولة، وأن نتعامل بعقلانية مع المخاطر المحدقة بنا وإيجاد صيغ تعامل ندية مع دول الجوار العربي تركيا وإسرائيل وإثيوبيا وإيران، وتحديد مركزية الصراع والتعامل معه بموضوعية.

وهنا على الليبراليين العرب أن يكونوا أكثر واقعية مع سياسات الليبرالية الجديدة ومع واقع التغيير في بلدان ثورات الشباب العربي والتي تنص على تقليص الأدوار الاجتماعية والاقتصادية للدولة؛ إحلال الدولة في القطاع الخاص، وضع سياسات تقشف، عدم المساس في الشأن الثقافي والديني إلا إذا كان المجتمع مقبل على ذلك.

علما بدأت تظهر فواعل الليبرالية في المنطقة العربية من خلال؛ الإعلام المستقل- منظمات المجتمع المدني- مجالات التعليم الحديثة- سياسات مالية تفرضها المنظمات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي…إلخ.

وهذا ما يساهم بالضرورة في تطوير “العلاقة بين الديمقراطية والتعددية والتعاون الدولي للتحرك نحو التنمية المستدامة مع العدالة والمساواة”.

كما أننا يجب أن نركز على العدالة الشبه مفقودة في عالمنا العربي نتيجة التمايز الذي صنعته السلطات ما بين “موالٍ ومعارض” وهذه حصرية بالأنظمة الشمولية والكثير من الأنظمة العربية منها.

ولدى جون رولز تصورا يحاكي رغبة الشباب العربي في المشاركة السياسية، إذ يقول:

“أزمة الشرعية السياسية وشعور الأفراد بالحرية ورغبتهم بالمشاركة لا يمكن أن يحدث إلا من خلال إعادة النظر في مفهوم العدالة”.

والعدالة بنظري لها عدة تفرعات:

الحرية (الحريات السياسية والمدنية) – وجود فرص عادلة للجميع- إزالة التمايزات والاختلافات ومظاهر عدم المساواة- دعم الفئات المهمشة- تداول السلطة وفق معيارية دستورية.

وفي الختام، استغرقت الثورات الأوربية 1848 قرناً من الزمن لترسيخ الديمقراطية والليبرالية ونحن علينا أن نرسخ لكل ما يساهم في حياة أفضل للأجيال القادمة، ولمواكبة حركة التاريخ التي لا تتوقف.

كاتب سوري

شاهد أيضاً

نقاش سوري حول دعم فلسطين؟!

د. مروان قبلان لم أتوقّع أن يأتي يومٌ يضطر فيه المرء إلى خوض نقاش بشأن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *