دويتشه فيله “دي دبليو عربية” والثورة السورية



المتابع لقناة “دويتشه فيله” عربية وموقفها الملتبس من الثورة السورية لا يمكن أن يراه المرء إلا موقفاً منحازاً إلى النظام السوري وحلفائه كحزب الله خلافاً لما يردده القائمون على القناة من أنهم يقفون على الحياد من حدث ولا يزال يحدث في سورية منذ آذار 2011، وحتى لا يقول البعض إنني أتجنى عليها سأستعرض بعض المواقف الصادرة عن القسم العربي في القناة والتي يُستشف منها انحيازها للنظام السوري أو كما يُطلق عليه في القناة تعبير “الحكومة السورية”، وكأنه يكفي استخدام هذا التعبير للقول إن القناة بقسمها العربي تقف موقف المحايد.
 
فعلى سبيل المثال القسم العربي في القناة يستضيف بشكل دوري السيد “أكثم سليمان” باعتباره يمثل الرأي المستقل، مع أن من يستمع إلى ما يطرحه “سليمان” يكتشف بسهولة أنه ليس إلا ممثلاً لنظام الأسد، ومشاركته في المظاهرات المؤيدة للنظام في ألمانيا ليست إلا دليلاً على ذلك.
 
فهل تؤثر المواقف الشخصية لبعض مسؤولي القسم العربي المؤيدة ضمناً للنظام السوري في تحديد منْ يجب استضافته؟ وإذا كان الأمر ليس كذلك، يسأل متابعون للقناة لماذا لا يستضيفون شخصيات سورية ناشطة في مجال حقوق الإنسان كالمحامي المعروف أنور البني أو المحامي إبراهيم القاسم المتحدث باسم “مجموعة ملفات قيصر” لتسليط الضوء على الجرائم المرتكبة في سوريا والحديث عن القضايا والمحاكمات التي تجري في ألمانيا بحق مرتكبي جرائم التعذيب والقتل والاغتصاب مراكز الاعتقال السورية؟ أم أن هناك نية لتهميش حضور نشطاء سوريين في مجال حقوق الإنسان من أجل إثبات مزاعم الأسد أن من يعارضه ليسوا إلا مجرد إرهابي؟
 
وما يرجح أن مسؤولي القسم العربي لديهم فيتو على حضور المحامي أنور البني مثلاً هو أن القسم الإنكليزي في القناة سبق واستضافه أكثر من مرة وعرض أكثر من تقرير عن عمله ونشاط مركزه الحقوقي في برلين. ونحمد الله أنه ليس للقسم العربي تأثير على إدارة القسم الإنكليزي.
 
قبل فترة عرض القسم العربي في القناة تقريراً مصوراً عن الناشطة السورية فدوى المحمود زوجة المعارض السوري المعروف الدكتور “عبد العزيز الخير” المعتقل في سجون بشار الأسد، وقد تفاجأ متابعون بهذا التقرير وعلى صفحة القناة شكر أحد المتابعين بقوله: “الحمد لله عشت وشفت تقرير مفيد من صفحتكن بتستاهلو كل عام وأنتم بخير”.
 
إحدى المتابعات علقت أيضاً: “أول مرة بحياتكن بتحطو تقرير لمصلحة السوريين، غريبة ما في بالعادة”.
 
وآخر كتب يقول: “أخيراً تقرير بينشاف بصفحتكم”.
 
مثال آخر، كان حول كيفية تغطية القسم العربي للمرسوم 10 الذي أصدره رأس النظام السوري بشار الأسد في 2 نيسان/2018 على الرغم من خطورة هذا المرسوم على ممتلكات مئات الآلاف من السوريين اللاجئين في ألمانيا بما فيهم كاتب هذه المقالة، وعلى الرغم أنه لم تبقَ وسيلة إعلامية في العالم إلا وسلطت الضوء على خطورة هذا المرسوم فور الإعلان عنه، لم يأت القسم العربي على ذكره إلا بعد مرور أسابيع على ذلك ما أفقده أهميته الصحفية وأعطى مؤشرا للمتابعين وكأن القسم العربي استيقظ من سبات شتوي.





كثير من المتابعين للقناة يستغربون تقزيم المحاكمة الجارية في “كوبلنس” المتعلقة بمحاكمة اثنين من عناصر المخابرات السورية المتهمين بارتكاب جرائم قتل وتعذيب واغتصاب بحق السوريين في الفرع 251 المعروف باسم “فرع الخطيب” التابع لأمن الدولة. ووصل الأمر بمحرر مسائية دويتشه فيلية DW في الحلقة التي بثتها يوم 23 حزيران 2020 إلى حد وصف جرائم النظام السوري بحق السوريين بأنها مجرد تجاوزات، وعلى الموقع الإلكتروني يسأل المحرر بقوله: “هل ينجح القضاء الألماني في محاكمة تجاوزات النظام السوري”؟ وهذا العنوان يتنافى تماماً مع مضمون الحلقة التي لم يرد فيها تعبير “تجاوزات” بل ركزت على استخدام عبارة الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية والقتل تحت التعذيب!
 
عندما ذهبت الى مدينة “كوبلنس” لحضور المحاكمة توقعتُ أن أرى مراسلي دويتشه فيله في قاعة المحاكمة إلى جانب مراسلي وكالات الأنباء والصحف العالمية، إلا أنني فوجئت بعدم وجود أي مراسل لها، وهي القناة المفترض بها أن تتابع هذا الحدث العالمي الذي يجري داخل ألمانيا وتنقله للمشاهد العربي والسوري خصوصاً، لكن يبدو إن الخط التحريري الرئيسي في القسم العربي كان له رأي آخر في تهميش هذه المحاكمة واكتفى بخبر قصير على صفحته.
 
هذا على صعيد متابعة المشاهدين للقسم العربي، أما على صعيد العمل داخل القسم العربي وإن كان شأناً داخلياً في القناة، إلا أن أحد العاملين السابقين رفض الإفصاح عن اسمه أكد لي رفض إدارة القسم العربي مراراً توظيف بعض الإعلاميين المحسوبين على المعارضة لنظام الأسد وهذا يشير بوضوح إلى أن هناك أشخاصاً نافذين في القسم العربي يعملون في القناة من خلال ولائهم لنظام الأسد وحزب الله وليس من خلال الكفاءة والموضوعية، ويجري الحديث عن تكتلات فلسطينية، مغربية، لبنانية داخل القسم العربي للسيطرة على رئاسة التحرير فيه وتوجيه سياسته بحسب من يسيطر عليها، كما يجري الحديث عن توظيف إحدى العاملات فقط  لكونها ابنة سفيرة إحدى الدول الشرق أوسطية.
 
عدا عن ذلك، فقد استغرب الكثير من المتابعين سكوت إدارة القناة عن سلوك أحد العاملين في القسم العربي المنافي لقيم القناة الألمانية والذي كتب على صفحته في الفيسبوك، متهماً دويتشه فيله  “أنها ليست غير حيادية فقط، بل وتحريضية” حسب زعمه. فكيف تحتفظ إدارة القسم العربي بمثل هكذا موظف لا يؤمن بقيمها وحسب، بل ويشكك بمصداقيتها، والجواب ببساطة لأنه مؤيد للنظام السوري.
 
يبدو أن القناة العربية لا تعاني من مشاكل في خطها التحريري وحسب، بل وفي إدارتها أيضاً، فما كُتب عنها في صحف ألمانية وعالمية يؤكد على ضرورة الاستجابة للأصوات المطالبة بإجراء تحقيق في هذا الأمر، فالقناة تغطي وتموّل عملها ونشاطها من دافعي الضرائب في ألمانيا.


ليس الهدف من هذه المقالة دعوة للتشهير “بقناة دويتشه فيله دي دبليو عربية”، بل بالعكس هي دعوة ـولا كي لا تكون القناة منحازة لجهة ما وخاصة لجهة أشارت كل التقارير الدولية إلى أنها جهة ارتكبت كل أنواع الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب بما فيها استعمال السلاح الكيماوي المحرم ضد شعبها، وهي دعوة ثانياً لإدارة المؤسسة لتصحيح الخلل في سياسة القناة حتى تنسجم مع نظامها الداخلي الذي يؤكد على موقفها المنحاز دائماً للقيم الإنسانية وحقوق الإنسان وحرّية الرأي والاعتقاد وحقوق المرأة ومناصرة القوى والحركات المدنية السلمية في العالم.



   المصدر:    المحامي ميشيل شماس – “زمان الوصل”




 

شاهد أيضاً

ما مصلحة السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *