3 يونيو 2020
أعطى التدخل العسكري الروسي في سورية فرصة لـحكومة الأسد، كي تتنفس الصعداء، بعد سلسلة هزائم على يد المعارضة المدعومة من محور الدول الخليجية وتركيا، إضافة إلى دعم واشنطن وباريس، ضد “قوات الأسد” الذي يسانده كل من إيران وفصائل موالية لها.
تدرك دمشق أن الدفاع الروسي المستميت عنها نابعٌ من مصلحة استراتيجية روسية، تهدف إلى البقاء في المياه الدافئة في البحر المتوسط، والحفاظ على الوجود العسكري الوحيد لها في منطقة الشرق الأوسط، في مقابل سيطرة الولايات المتحدة على كبريات الدول النفطية في المنطقة. وقد ساهم التشبيك الروسي مع الدول المؤثرة في الملف السوري في طمأنة هواجس حكومة الأسد من جهة متانة موقف موسكو من قضية البقاء في سورية، الأمر الذي ساعدها على الاستفادة من هامش مناورةٍ أوجدته لنفسها في مسار الأحداث في سورية، وإيجاد نوع من التوازن بين الحليفين اللدودين، موسكو وطهران.
منّت المعارضة السورية نفسها بتحول الخلافات الروسية الإيرانية في سورية إلى خصام ينتهي بتحول موقف موسكو إلى الضفة المقابلة، والبحث عن بدائل عن النظام الحاكم، وإيجاد توافقات معها على مستقبل سورية بدون أي وجود أو تدخل إيراني في مستقبل سورية.
وليست سياسة المواءمة التي تتبعها حكومة الأسد في إدارة الاختلافات بين حليفيها الرئيسيين، مهمة سهلة، فواضح أن روسيا الاتحادية قد أعطت تعهداً إلى الدول الفاعلة في المشهد السوري، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والعربية السعودية، وكذلك إسرائيل، بالحد من النفوذ الإيراني المتعاظم داخل سورية، وإبعاد أي سطوة من طهران داخل منظومة الحكم السورية، مقابل قبول تلك الدول بشرط خروج كل القوى الأجنبية التي دخلت الأراضي السورية بعد عام 2011 ، أي استثناء روسيا من هذه الدعوة، وهو ما أكد عليه المبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري في تصريحات صحافية قبل أيام.
وتبدي موسكو انزعاجاً من خروق من جكومة الأسد لتفاهماتها مع أنقرة في ظل مسار أستانة العسكري، خصوصاً في محافظة إدلب، حيث تتقاطع مصالح دمشق مع بعض الدول الخليجية، وخصوصا كلاً من الإمارات والسعودية في تشتيت قوة تركيا، التي تحارب، أصالة وبوكلائها، في كل من ليبيا وسورية. وتعارض المصالح الاقتصادية بين وكلاء موسكو وطهران داخل أركان السلطة في سورية من العوامل التي ساهمت في زيادة الشقاق بين الرؤيتين الروسية والرسمية السورية في مقاربة الأولى سبل حل الأزمة السورية، وهو ما يمكن استشفافه من تناول وسائل إعلام روسية مستقبل العلاقة مع “القيادة السورية”، والتشكيك بقدرة بشار الأسد على قيادة البلاد في المستقبل، في ظل الفساد المستشري داخل كل مناحي البلاد، والخلافات بين السلطة وأقطاب الاقتصاد، وفي مقدمتهم رجل الأعمال المتنفذ، رامي مخلوف الذي بات مطالَباً بالتخلي عن جزء من إمبراطوريته الاقتصادية التي بناها بتزاوج المال والسلطة، والحملات الرسمية السورية ضد عدد من كبار أصحاب رؤوس الأموال المقربين من السلطة، في ما وُصِف بـ “ريتز كارلتون” سوري، على غرار ما فعله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعدد كبير من أفراد العائلة المالكة في محاولة استخلاص جزء من ثرواتهم لصالح أركان العرش السعودي.
يبدو الرهان على تغير الموقف الرسمي الروسي من “القيادة السورية” محض خيال في ظل تشابك العلاقات بين الرئيسين، بوتين والأسد، ورمزية “الرئيس السوري” بالنسبة لمواليه، والحرص الروسي على عدم إعطاء معارضيه أي نصر معنوي فيما لو نُحّي الأسد عن مستقبل سورية، وبالتالي فإن التفسير الأكثر عملانية لحملة الضغوط الروسية إنما هي للضغط على “القيادة السورية” للتخلص من حالة التردد تجاه أخذ موقف حاسم من قضية النفوذ الإيراني في سورية، وهي رسالة شديدة اللهجة إلى الأسد أنّ عليه أخذ القرار المنتظر منه، وأن التأجيل يعني زيادة الضغوط إلى درجات أكبر، خصوصاً أن البلاد باتت على أعتاب انهيار اقتصادي كبير، وخصوصا بعد أزمة جائحة كورونا، ووباء مفاعيل قانون قيصر الذي سيبدأ تطبيقه الشهر المقبل.
المصدر : موقع ” العربي الجديد ”
ملاحظة : هذه المادة ليس لها بالضرورة أن تعبر سوى عن رأي كاتبها والمنبر الذي نشرها، ولا تعبر عن رأي موقع ” سوريتنا ” ولا سياسته التحريرية ….والنقل تم بتصرف مع استبدال بعض المسميات والتسميات التي تتعارض ونهج موقعنا مثال ” الحكومة السورية ” نحن نسميها حكومة الأسد ….وهكذا دواليك