“كورونا” يدق ناقوس الخطر على البشرية..فهل تتحقق فرضية أنشتاين ..؟



بقلم رياض العيسمي 

توطئة
يتكبر الإنسان ويتجبر. وكأنه لا مخلوق غيره على وجه البسيطة. ويحاول السيطرة على الكرة الأرضية والاستئثار بها وكأنها ملك شخصي له، علما بأن وجود الإنسان على الأرض لا يزيد عن عشرات الآلاف من السنين وعلى إختلاف النظريات العلمية و الروايات الدينية في تقدير عمره. وذلك مقارنة بعمر الأرض الذي قدر بين 3 و 4 مليار عام، والكون بين 13 و 14 مليار، ويرجع علماء الانثروبولوجي عمر الإنسان المتطور إلى عشرين ألف عام منذ انتهاء العصر الحجري. وعمر الإنسان المتحضر يقدرنه بعشرة آلاف عام فقط. وذلك منذ أن استوطنت الأقوام السومرية الأولى في بلاد ما بين النهرين. وهي المنطقة التي تعرف في عالم اليوم العراق والكويت وسوريا ولبنان.

صراع الأضداد

يقوم الكون ومنذ الآزل على صراع الأضداد، وذلك عندما حصل ما عرف بالإنفجار الكوني العظيم ال Big Bang. حيث ظهرت الكواكب والمجرات تتابعا ومنها الأرض والشمس والقمر، وتكونت العلاقة الناظمة فيما بينها بتوازن محكم، وتكونت ظاهرة الليل والنهار. وكذلك الفصول، فالصيف يقابله شتاء. والخريف يقابله ربيع. وأدى التغير في العوامل الجيولوجية لطبقات الأرض إلى ظهور الجبل والسهل، وظهر البحر الذي ظهر معه المد والجزر، وهناك المرتفع والمنخفض، والقريب والبعيد. فصراع الأضداد في الطبيعة يأخذ مرجعيته من ظواهرها ويستنبط مدلولاته من تطورها. بينما صراع الأضداد عند الإنسان يأخذ مرجعيته من طبائعه وموروثاته الدينية و الإجتماعية والثقافية، وتستند مدلولاته إلى سلوكياته الغرائزية كحيوان إجتماعي ناطق، فهناك القوي والضعيف، والغني والفقير، وهناك الأناني والمتفاني، والمتعلم والجاهل. ومع مرور الزمن وتطور الحياة اكتسب الانسان القدرة على خوض الصراع مع الطبيعة. وذلك من أجل الإستمرار والبقاء، والتي عبر عنها تشارلز داروين بنظرية الانتخاب الطبيعي، أي البقاء للأكثر قدرة على التأقلم Acclamation، وليس للأقوى كما ترجمت خطئا إلى اللغة العربية، ولو كان البقاء للأقوى لكان الديناصور لا يزال يتشمس على شواطئ البحار والبشر يتفرجون عليه من بعيد.

الإنسان ونزعة التملك والسيطرة

إن الإنسان غرائزي بتركيبته وطبعه، وتتحكم في شخصيته غرائز متعددة، ومنها الخوف الذي يتجلى بالخوف من المجهول، وكذلك غرائز أخرى مثل السيطرة وحب الذات وغيرها، لكن الغرائز الخمس الأساسية بحسب علم النفس الإنساني هي الجوع والعطش، الجنس والأبوة/الأمومة، والتملك، وجميعها ضرورية في حياة الإنسان، ولكل واحدة منها دوافع سلوكية ووظيفة حياتية معينة. ومنها ما لا يستطيع الإنسان العيش بدونها مثل الأكل والشرب، وجميعها خلقت مع الإنسان ليمارسها بنوازع إنسانية معتدلة وحس واعي، ووفقا للحاجة. ولكن عندما تستشري إحدى هذه الغرائز وتتجاوز النزعة الإنسانية تتوحش وتدفع بالإنسان إلى التصرف بسلوك حيواني كالذي كان يمارسه بفطرية في مراحله البدائية، وقبل أن يتطور ويتحضر. وأخطر ما في هذه الغرائز إذاما استشرت هي غريزة التملك. وذلك لأنها ترتبط بحب السيطرة والاستئثار بالقوة، وتحفز الأنا العليا عند الإنسان، وتنمي لديه غريزة حب الذات والشعور بالغرور والعظمة، وهذه النزعة تتولد عادة من حالة العصاب القهري الذي يتكون جراء حرمان غريزي تعرض له الإنسان في المراحل الأولى من حياته، وعرف عبر التاريخ بهذه الشخصيات قادة الحروب مثل نيرون ونابليون وستالين وهتلر، والقائمة تطول، وتصبح هذه الحالة خطيرة ومدمرة عندما يتعلق الأمر بقادة دول كبرى تتحكم بمصير العالم. كما هو الحال مع الرئيس ترامب، والذي أجمع أكثر من تسعين عالم نفس أميركيبن متخصصين بعلم السلوك الإنساني والشخصية بأنه ذو شخصية نرجسية خطرة. ويتوجب إجراء إختبارات سريرية عليه للتأكد من مدى صلاحيته للرئاسة، أنا غير متخصص في علم النفس، ولكن من خلال دراسة بعض المواد في علم النفس السلوكي والتربوي، وكذلك من خلال التجربة، يمكن توصيف الشخصية النرجسية بأنها شخصية لا تقبل النقد ولا تعترف بالهزيمة، وذلك لأنها تكون مهزومة بداخلها، وهي سريعة الإنفعال، تهدد وتتوعد، لكنها جبانة تخشى المواحهة، وتجنح إلى الهروب منها وتعلن النصر، ولكنها تتحول إلى شخصية عدائية ومدمرة إذاما تأكدت بأن وجودها مهدد، وهي بشكل عام شخصية ذكية وفاعلة في الحالات الاعتيادية. لكنها تفقد العقلانية والحكمة وقت الأزمات.

الأزمة الإقتصادية والأرض المأزومة

ما انفك علماء البيئة في الولايات المتحدة والعالم عن تحذيرهم للرئيس ترامب من عدم الاستخفاف بالأخطار المحدقة بكوكب الأرض،  وذلك بعد إعلانه إنسحاب الولايات المتحدة من إتفاقية باريس للمناخ فور وصوله إلى سدة الرئاسة في عام 2017، ويأكدون له بالإحصائيات والبراهين بأن سخونة الأرض تتزايد بشكل متسارع نتيجة الإحتباس الحراري وتلوث البيئة. وانتشار غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو. وذلك ما سيتسبب بذوبان الجليد في القطبين المتجمدين وإغراق أقساما كبيرة من الكرة الأرضية بالماء، والتي هي بالأساس لا تشكل فيها اليابسة سوى 29.2%. هذا إضافة إلى المتغيرات الجيولوجية الناشطة في طبقات الأرض وارتفاع درجات الحرارة بداخلها، والذي سيقود بالضرورة إلى المزيد من الزلازل والبراكين، وبدلا من أن يتصرف الرئيس ترمب بشكل عقلاني ومسؤول ويعيد الولايات المتحدة إلى دورها الريادي والقيادي في تطبيق مقررات معاهدة المناخ، يعلن إنسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية في غمرة الصراع مع تفشي فايروس كورونا في الولايات المتحدة والعالم، هذا في الوقت الذي ينحدر فيه الإقتصاد في الولايات المتحدة والعالم. وترتفع نسبة البطالة، ويتوقف الإنتاج في العديد من القطعات الانتاجية والخدمية. توماس روبرت مالتوس عالم الاقتصاد السياسي الإنكليزي المتخصص بالسكان (1766-1834) يقول: “إن الإنسان غير المنتج هو عضو زائد على مائدة الطبيعة” فوفقا لنظرية مالتوس إن نمو عدد السكان في العالم لا يتناسب مع نمو الموارد الاقتصادية في الطبيعة، وذلك لأن عدد السكان ينمو بمتوالية هندسية من 1 إلى 216 بينما موارد الطبيعة تنمو بمتوالية حسابية من 1 إلى 9، ولكن مالتوس باعتقادي وقع في مطب أحادية البعد في التفكير التي كان قد حذر منها هاربرت ماركوز (1898-1976) الفيلسوف والمنظر السياسيى والإجتماعي الأميركي من أصول ألمانية،  فبدلا من أن تكون العلاقة بين نقص السكان في العالم ونمو الموارد الطبيعية هي علاقة إحصائية سلبية إحادية البعد تتمثل بإنقاص عدد السكان بأية طريقة كما نظر لها مالتوس. يمكن ان تقوم العلاقة على مبدأ التناسب التعويضي،  أي تحديد النمو السكاني كما تفعل الصين بتحديد النسل، وزيادة عدد الموارد الطبيعية عن طريق التنمية الإقتصادية، أو كما تفعل الولايات المتحدة بزيادة عدد السكان عن طريق الهجرة والتي تقود بالضرورة إلى تلاقح الثقاقات والأعراق وبما يزيد من التنوع والإبداع في إبتكار وتسخير وسائل الإنتاج في مجتمع ديمقراطي يسمح بالتطور التكنولوجي والتقدم العلمي.

خاتمة
لقد جاء فيروس كورونا، COVID-19، ليدق ناقوس الخطر الذي يهدد مصير البشرية ومستقبل الكرة الأرضية، ولقد حان الوقت لقادة العالم ليرعوا ويتخلوا عن نرجسيتهم ونوازعهم الشخصية ويلتفتوا إلى المصير المشترك الذي يهددهم أنفسهم ويهدد مستقبل العالم الذي يعيشون فيه، لا بد من التوافق على قرار عالمي جديد، New World Order, وليس نظام عالمي جديد، New World System، كم تمت ترجمته للعربية أيضا بالخطأ. فالقرار يعتمد على تغيير السياسة المتبعة في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، والتي لم تعد تصلح لمرحلة ما بعد كورونا والأزمة الإقتصادية والاجتماعية التي تسببت بها البطالة وتراجع الانتاج، أما النظام العالمي فهو يعتمد على تغيير البنى المجتمعية والسلوكية للسكان وحسب مناطق تواجدهم في العالم، ومن خلال التجارب السابقة عبر التاريخ إن سلوك الناس وعلاقاتها الأجتماعية تتغير بشكل سطحي كردة فعل على الإزمات، ومن ثم يعودوا ليمارسوا نفس السلوك والعلاقات التي كانوا يمارسوها قبل الأزمات. كما ولا بد من الحفاظ على كوكب الأرض الذي نعيش عليه وإطالة عمره قدر المستطاع. وذلك بالتقليل من تلوث البيئة وتبريد سخونة الأرض. وهذا يبدأ باستخدام الطاقة النظيفة بدلا من الطاقة الإحفورية مثل النفط. ولقد قال أحمد زكي اليماني وزير النفط الأسبق في المملكة العربية السعودية (1962- 1986): “لم تختف الحجارة من الطبيعة بانتهاء العصر الحجري. وكذلك لن ينتظر الاستغناء عن النفط إلى حين نضوبه”، وعليه لا بد لقادة العالم أن يتريثوا ويتصرفوا بعقلانية وهم يستعدون لخوض المعركة الأخيرة في الحرب العالمية الثالثة، وإلا ستتحق فرضية ألبيرت أنشتاين، حيث قال بعد أنتهاء الحرب العالمية الثانية بقليل: “لا أعرف ما نوع الأسلحة التي ستستخدم في الحرب العالمية الثالثة، لكن العصي والحجارة هي التي ستستخدم في الحرب العالمية الرابعة”. نتمنى للعالم الأمن والسلام.
تحياتي

شاهد أيضاً

ما مصلحة السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *