د. دليلة مجدداً في مقالة مزيدة ومنقحة عن “إعلان سورية الاتحادية”..!!







بقلم د. عارف دليلة 


مركزية أم لامركزية اتحادية؟ نظام سلطوي فاسد مطلق أم نظام ديمقراطي وطني ؟ رئاسي أم برلماني ؟ نظرة أولية ، من خلا جواب على سؤال عن ” إعلان سورية الاتحادية “
“””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””” “”””””””””””
إعلان سورية الاتحادية هو الإعلان الذي صدر بتوقيع عدد من الشخصيات المعروفة من بينهم إبراهيم الجبين وميشيل كيلو وأحمد برقاوي وغيرهم.

هو يشبه، من حيث الفكرة، دعوة قسم من السوريين الكورد في شمال شرق سورية للإدارة الذاتية الموسعة ، والتي يشتط البعض منهم، بعد أن استطاب دفء الغطاء الاحتلالي الأجنبي، أن يمتد به إلى الاستقلال ، متجاهلا الاعتداء الفج الذي سيمثله، لو حدث، على الدولة والشعب السوري كله، بما فيه السوريين الكورد أنفسهم ، ومتجاهلا ما يمثله من اقتطاع لاغنى مساحة من سورية من اصحابها الشرعيين وتسليمها للمحتلين الاستعماريين، في تكرار لما جرى وما زال يتوسع على أرض فلسطين وما جاورها منذ ثلاثة أرباع القرن !

وظاهر الأمر أن هذه الدعوات تأتي كرد فعل على النظام (” القاتل لكل اشكال الحياة” كما وصفته في مقابلة مطولة نشرت في جريدة “الراية” القطرية في شهر ايار 2011 اجراها معي الاخ شادي جابر في شهر نيسان )، شديد المركزية وعميق الفساد ومتوحش بالاستئثار وبالاطباق على أنفاس الشعب السوري أمنياً وممارسة للسلطة المطلقة الغشماء غير المحتكمة إلى دستور أو قانون أو مبادئ أو أخلاق في التصرف بجميع شؤون ومقدرات وطرائق حياة وتفكير ومصائر الدولة والشعب والمواطنين ، الاقتصادية والسياسية ، العامة والخاصة، الحاضرة والمستقبلية.
 
رد الفعل هذا يرى علاج المشكلات الهائلة التي خلفها هذا النظام أمراً ممكناً بمجرد تغيير الشكل والاسلوب الإداري من الشكل المركزي جداً إلى الشكل اللامركزي، والمنفتح على الانفصال وعلى صراعات وتدخلات احتلالية لاتنتهي، على أن هذا التغيير الشكلي كفيل بتغيير المضمون، من نظام استبدادي فاسد لاوطني متحجر الى نظام متقدم ديمقراطي وطني ! وان هذا التغيير سيحدث عندما يمتلك ويمارس سكان كل منطقة أو ولاية أو جماعة بشرية اثنية أو طائفية أو عشائرية .. الخ حق تشكيل مستويات السلطة والإدارة المحلية واتخاذ القرار بأهم المسائل الخاصة بهم، هذا مع بقاء مسائل الدفاع والعلاقات الدبلوماسية الخارجية ، مثلا ، ( في حال ماقبل الاستقلال !) شؤونا مركزية تقررها السلطة العليا المتشكلة من ممثلين لهذه الإدارات المحلية شبه المستقلة.
لايوجد نموذج واحد في العالم يقاس عليه، بل هناك تدرجات كثيرة من بلد الى آخر، من الدول ذات المركزية الشديدة والسلطة المطلقة للمركز إلى الدول التي تتمتع فيها السلطات والإدارات المحلية بالقسم الاعظم من الصلاحيات والقرارات؛ والاغلب في العالم هو الانظمة المختلطة، وهذه أيضاً مختلفة جداً، وهناك أيضاً النظام الرئاسي أو النظام البرلماني تبعا لحجم الصلاحيات التي يتمتع بها الحاكم الأعلى أو يتمتع بها النواب المنتخبين من الشعب.
 

 وهنا تبرز مشكلة حرية الانتخابات ودرجة صدقية التمثيل، وتتدرج المركزية واللامركزية مابين الوجود الرمزي والأسمى والشكلي للحاكم الأعلى،  كما في الملكية الدستورية البريطانية التي لا تتدخل فيها الملكة في أي شأن عام،  وهي تملك ولا تحكم، كما يقال، علما أنها لاتملك إلا اسميا،  باستثناء ما يخص حياتها الخاصة وحياة العائلة المالكة، إذ أن مخصصاتها المالية تحدد في الميزانية عند إقرار الميزانية في البرلمان والتي تتحكم بها الأغلبية البرلمانية، أما جميع شؤون الدولة فهي بيد السلطات الاخرى المستقلة، كالبرلمان والحكومة والقضاء والإدارات المحلية،  وأذكر أن مخصصات العائلة الملكية السنوية كانت في التسعينات، بحدود خمسة ملايين جنيه استرليني ، وزيدت لاحقاً إلى ثمانية ملايين ( وهي اقل بمرات كثيرة، أو بملايين المرات مما يتصرف به بدون حساب آلاف الأشخاص في بلدان متخلفة مسحوقة مواطنوها زاحفون على بطونهم من الجوع والتعذيب ) ، وتتحدد مخصصات الملكة تفصيلا بآلاف الجنيهات وبالبنسات، وتختلف كل سنة حسب اختلاف المهام والحاجات!
 
في اواسط التسعينات، وقبل ان اصرف من الخدمة (في 28 /3 / 1998 بعد ربع قرن من العمل كإستاذ جامعي في الاقتصاد ) بشحطة قلم بقوة الوحي الالهي ( استغفر الله ) لا تقبل النقض ، من ( الماجد ) محمود الزعبي ، رئيس وزراء السلطة لفترة ممتدة 19 عاما فقط لاغير هو وسابقه (الأمجد) عبد الرؤوف الكسم تعادل الفترة التي أدار فيها محمد مهاتير ماليزيا الدولة الإسلامية ( بالحساب الرسمي لمؤتمر الدول الاسلامية !) الوحيدة المتقدمة اقتصاديا وديمقراطيا ليرفع دولته من تحت الأرض إلى السماء وإلى المنافسة العالمية بين الكبار، بينما هذان (الامجدان ! )، كوجه للسلطة الكارثية في سورية قلب العالم التي كان رئيس وزراء ماليزيا في الخمسينات يضعها في مكان القدوة والمثل أمام شعبه، قاما ، في الثمانينات والتسعينات ، اخصب السنوات في التاريخ البشري، وبمساعدة جميع اطراف السلطة بالتضامن والتكافل فيما بينهم ، بانزال سورية من مستوى سطح الارض الى جوفها المنصهر، والذي ليس هناك دليل أقوى على هذا ( الانجاز غير المسبوق في التاريخ العالمي ) من الواقع الذي وصلنا إليه بعد عقدين من الالفية الثالثة ، كما كنت قد قلت ، من بين اشياء كثيرة اخرى ، في أشهر ندوة من ندوات الثلاثاء في ربيع عام 2000، كما يذكر الكثيرون من ممثلي السلطة وجمهور الندوة الذين كان المركز الثقافي بالمزة يغص بهم وقوفا وجلوسا على الكراسي وعلى الارض!) أعود وأقول، في أواسط التسعينات قضيت في جامعة دورهام وفي مكتبتها الضخمة جدا ، في شمال بريطانيا ، بمهمة علمية من جامعة دمشق ستة اشهر لدراسة اتفاقيات الشراكة التي كان الاتحاد الأوروبي يعرضها على دول جنوب وشرق المتوسط، ومن بينها سورية ، وكان قد جرى توقيع عدد منها آنذاك ، مثلا مع المغرب وتونس والاردن ، وبالطبع ، كان أشملها وأعمقها مع إسرائيل ، الوحيدة من بين دول شرق وجنوب المتوسط ( أي العربية!) التي وقع معها الاتحاد الإوروبي اتفاقية خاصة إضافية عن التعاون العلمي _التكنولوجي ، والتي تجعل إسرائيل مالكة لكل نتائج الابحاث العلمية _ التكنولوجية التي يتوصل اليها الاتحاد الأوروبي بمجرد مشاركة عالم أو باحث اسرائيلي واحد فيها، ولا تدفع إسرائيل ثمنا لجميع ما تأخذه من نتائج البحوث العلمية الإوروبية المشتركة سوى مئة مليون دولار سنوياً ، هذا بينما تتلقى المساعدات من دول الاتحاد اياها بالمليارات!
وحتى وزير خارجية السلطة في سورية ، الذي محى بعد ذلك أوروبا من الخريطة، كان قد وقع مع الاتحاد الأوروبي، بالإحرف الأولى، إتفاقية الشراكة، بعد سنوات طويلة من الأخذ والرد، وكنا قد عقدنا لمناقشة الاتفاقية بعض ندوات الثلاثاء الاقتصادي، ثم انقلبت الظروف، كما نعلم، ولم يجر التوقيع النهائي على الاتفاقية، يوم وجدوا أن الصداقة الحميمة مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تغني عن الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، على الأقل، لأن السلطة التركية وأي جهة أخرى، حزبية أو إعلامية، في تركيا لن تذكر شيئا بخصوص حقوق الانسان والمواطن في سورية ! إذ أن العقدة الرئيسة التي كانت، منذ البداية، ترهب السلطة في سورية وتجعلها تصر على تعديل بعض البنود في الاتفاقية وتتمنع طويلا من توقيعها، لم تكن الاجحاف الاقتصادي وإنعدام التبادل المتكافيء بين سورية والاتحاد الأوروبي ، وهو ماكنت اشير اليه حينها وكتبته في بحثي الذي لم يحاول الاطلاع عليه أي معني بهذه الاتفاقبة ، بينما كانوا يستسهلون توقيع الاتفاقيات التجارية التفضيلية لصالح تركيا، حتى تلك التي كانت تعترض عليها بصورة معللة اقتصاديا غرف التجارة والصناعة السورية، تلك الاتفاقيات التي سارع وزير الخارجية بعد 2011 ، ومتأخراً جداً، بعد أن كانت كثير من المصانع في سورية قد توقفت عن العمل بسبب الغزو الواسع للمنتجات التركية للسوق السورية بدون أي جمارك، للاعتراف قائلا: ” لقد الغينا 58 اتفاقا للتجارة الحرة مع تركيا بعد أن (اكتشفنا !)انها كانت جميعا منحازة للجانب التركي وتتسبب بعجز كبير في الميزان التجاري السوري !
وفي الحقيقة، كان المانع لتوقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ليس مثل هذه العلاقات التجارية المجحفة بالاقتصاد السوري ، انما فقط تلك البنود التي تتضمن الاشارة ، وان كان على استحياء وبكلمات شديدة الدبلوماسية، الى ضرورة مراعاة السلطة لبعض حقوق الانسان والقضاء العادل وحرية الرأي للمواطنين السوريين، وهي الأمور التي لا يقبل النظام أي كلمة من خارج الحدود حولها لأنه يعتبر نفسه دولة مستقلة ذات سيادة وعزة وكرامة قومية لا تتحمل اي تدخل في الشؤون الداخلية قد يصل إلى حد الانتقاص من السيادة، وهي كلمة حق يراد بها باطل ! فكأن هذه الاوصاف لا تتأثر بما تفعله السلطة الحاكمة نفسها بشؤون وادارة بلدها وكيف تتصرف بمقدرات شعبها ومصائر مواطنيها ( وقد تحدث العديد من الوطنيين السوريين الشرفاء من اصحاب العقل والضمير ، بجراة بالغة ، عن جميع هذه الاوضاع عندما اتيحت الفرصة ، ليومين فقط ( عام 1980) وفي اجتماع مغلق ضمن جدران مدرج جامعة دمشق ، بين لجنة مشكلة من ستة من ” امناء ” مايسمى بـ “احزاب الجبهة الوطنية التقدمية ” ( ممن دخلوا التاريخ السوري بصفتهم من كبار الغاسدين !) وبين الصحفيين والكتاب واساتذة الجامعة، وبعد تقديم مسهب شديد التواضع مفعم بالاعتراف الصريح بالخطيئة، وللمرة الأولى والأخيرة من قبل القيادة ( اللامسؤولة عن اي شيء !) ، وبعد وعود وأيمان معظماً من قبل هذه ” القيادة” بأن الأوامر العليا قد اتخذت بتعميم هذه الاجتماعات الحرة المفتوحة في جميع نواحي القطر وجميع المنظمات الشعبية مع ضمانات مؤكدة بتوفير شروط ممارسة الحرية الكاملة في الانتقاد ضد أي عسف من اعتقال أو تضييق أو خطر،  ويومها تحدث الكثيرون ، ومن بينهم كاتب هذه الاسطر، باحاديث يمكن اعتبارها تقدمة لما عرفته انشطة وندوات ربيع دمشق عامي 2000_2001 ، والتي كانت كافية، في المناسبتين، لو كان هناك عقل وضمير يستوعبها ، لانتشال سورية من حضيض الحضيض الذي كانت تتمرغ فيه إلى مصاف واحدة من الدول التي يضرب بها المثل بالرفعة والتقدم وحرية وكرامة مواطنيها، لكن ماحدث في المناسبتين كان الانقضاض الفوري والعاجل وباكثر الوسائل إرهاباً على كل من”استغل” المناسبتين وقال كلمة الحق والشرف والوطنية ، ” منتهزا !!!” الفرصة التي اتاحتها الدعوة التوريطية لممارسة النقد والوعود الفاقعة التي جرت على لسان كبار رجال السلطة تشجيعا لأصحاب الرأي والضمير على ممارسة حرية القول ، لسويعات أو لأيام قليلة ، ليقع الغدر بكل من تصرف وفقا للوعود الغادرة العليا!
ان السوريين الشرفاء من اصحاب العقل والضمير الذين كانوا يطمعون بمستقبل مشرف لوطنهم وابنائهم فعوقبوا يأشد العقاب، هم الذين “كانوا وراء” حرص السلطة على تفنيد كل كلمة وحرف في اتفاقية الشراكة التي كانت ستوقع بينها وبين الاتحاد الأوروبي، وذلك للحيلولة دون أن ” يستغل ” أي طرف خارجي أي بند أو كلمة في الاتفاق تسمح له بنصرة أو الدفاع عن أي مواطن يمكن أن يتعرض لاي نوع من أنواع الاضطهاد في البلدان التي أبرمت الاتفاقية بسبب من ممارسته حقه الطبيعي والدستوري في إبداء الراي . وكانت دول الاتحاد الأوروبي تهدف، أكثر ما تهدف، من اتفاقيات الشراكة الحد من موجات الهجرة من دول جنوب وشرق المتوسط المتخلفة إليها، وكأنها كانت تستشعر وتستبق ماحدث في السنوات الاخيرة.

 ألم تجر، حتى في تلك السنوات، وفي ظروف “سلمية ” هجرة ثلاثة ملايين من السوريين إلى الخارج ، وبالأخص الى الغرب؟ لقد كانت السلطة دائما ” واعية وحريصة ” على أن لا تترك ثغرة في علاقاتها الخارجية يتسلل منها النقد لأوضاعها الداخلية ولمسؤوليها المتحللين من أي مسؤولية عن أي شيء تجاه الشعب، المولغين فقط بتضخيم حصائل نهبهم للدولة والشعب وتهريب سرقاتهم الهائلة إلى حساباتهم المنتشرة في أصقاع الكرة الارضية، حتى ولو أدت تصرفات هذه الحفنة من الاشخاص إلى ازالة الدولة والشعب من الوجود ، سواء من دون أي حرب، أو بحرب لا تبقي ولا تذر!
لكن، وكما يقول المثل العربي: ” من مأمنه يؤتى الحذر” فأن السوريين والعالم يتابعون هذه الأيام المحاكم الأوروبية وهي تحاكم بعض رجال السلطة السورية، المسؤولين عن مشاركة وحماية أرباب الفساد بالممارسات القمعية ( الابداعية !) لشعبهم ، والذين يقعون بين أيديها نتيجة سوء تقدير منهم، ودون ان يؤثر ذلك على استمرار النظام في غيه واستبداده، وكانه لم يفعل شيئا، بعد، رغم أنه لم يبق على الأرض السورية شيء أسمه الدولة والشعب والإنسان والاقتصاد والدستور والقانون والحقوق العامة والخاصة ، وأولها حق الحياة والحق بالارض والمأوى وبما يقيم الأود ، اسوة ب ” حقوق الحيوان!

كان من الطبيعي أن يستفيد من هذه الظروف التي خلقتها الممارسات السوداء للنظام المستبد الفاسد العديد من الأطراف في الداخل السوري ، سواء بالحق أو بالباطل، في عرض تجاربهم أو أفكارهم، لكن البحث عن المخرج من الكارثة العظمى وعن العلاج لها لا يكون بالبدء من ظاهر الامور ، وانما من جوهرها!
 
وبالطبع، فاننا نشير هنا إلى تجربة بعض من المواطنين السوريين الكورد، و كذلك الى نظرية الموقعين على “اعلان سورية الاتحادية ” ، الأولون بالممارسة على أرض الواقع، باقتطاع جزء غال من سورية واستغلال ونهب مقدراته العظيمة التي هي ملك للشعب السوري المحروم، وليست ملكا لاي سلطة أمر واقع محلية طارئة ظهرت في ظرف شاذ، وبتقييد حريات سكانه بما لايختلف جوهريا عن تصريف النظام لهذه المقدرات والشؤون، على مدى عقود ، بما في ذلك تسليمها اخيرا للاحتلالات الاجنبية المعادية. أما الآخرون فهم يساهمون، في إعلانهم، وربما دون أن يدركوا، في تسويق فكرة الإدارة الذاتية والدولة الاتحادية والترويج لها ، أيضاً لتكون شكلا معمما لنظام الحكم والإدارة في سورية، والاثنان لا يربطان مشروعيهما بحل المسألة الاساسية، أولاً ، بتوافق قوى الشعب السوري حول التغيير الوطني والانتقال السياسي إلى نظام جديد يحظى بثقة عموم الشعب السوري وموافقة الاغلبية العظمى منه!


ووجهة نظري في المسألة تتلخص بأنه، في القضايا المصيرية والاستراتيجية، أولاً، لا يصح التسرع والتسابق لاملاء مايشاء البعض ويخدم مصالحهم الخاصة غير المبررة، منطقيا، وغير الشرعية ، سياسياً وقانونياً ، والمدمرة للجميع، اقتصادياً واستراتيجباً، على عموم الشعب السوري، أو محاولة فرضه عليه كأمر واقع ، وحتى لو تطلب الأمر أن يحقق ذلك بالعنف وبالغصب، بل، والأنكى من ذلك ، بالاسناد والدعم الخارجي المدجج بالمال الحرام المنهوب من الارض السورية والمواطنين السوريين، وبإحدث وأقوى التقنبات العسكربة من قبل محتلين مجربين كثيرا فاسدي النية والطوية ، ممن كان آباء الجيل الحالي من المناضلين السوريين الوطنيين الشرفاء لم يبخلوا بشيء لكي يطردوهم من الاراضي السورية ويسلموها بكل إباء وشموخ ،نظيفة طاهرة ، لابنائهم من هذا الجيل، ولم يكن ليخطر في بالهم، آنذاك، أنه سيأتي يوم تقوم فيه حفنة من مسوخ هذا الجيل المشوهين أخلاقيا ووطنيا بنهبها وإفقار وإذلال أهلها الميامين المغلوبين على أمرهم بالسلاح والإرهاب ومن ثم الاستقواء عليهم بالمستعمرين السابقين أنفسهم أو بمن يزيدونهم سوءا بكثير، وباستدعاء هؤلاء المحتلين الجدد لتقاسم سورية، من بعد تدميرها وجعلها غير قابلة للحياة لعشر سنوات، على الاقل ، كما يصف إبن خلدون دمشق، قبل اكثر من ستمائة عام، بعد أن تركها تيمورلنك هبابا يبابا، ولكن مع تعميم تجربة تيمورلنك المشؤومة على كامل سورية الحالية! وهو ما جرى ويجري في عصرنا وفي تكرار مهلك ومنفر لما تعتاد على ارتكابه الانظمة الاستبدادية الفاسدة!
 
واخيرا ، بقي ان نقول كلمة من القلب والعقل والوجدان لحسني النية من بين دعاة هكذا”وصفات انقاذية !” : يجب الحذر من تغليب الشكل على المضمون!
 
يجب العمل ، بداية ، بما يرضي الشعب والرأي الوطني السوري العام وبما يحقق مصالح الناس المضطهدين، ثم يجب اعطاء الاولوية للمضمون، لأن الأمر الجوهري هو طبيعة السلطة والنظام الذي يحكم ويتصرف بالمقدرات والأقدار الدنيا، على أي مساحة جغرافية أو مجموعة بشرية قام : لاوطني فاسد أم وطني غير فاسد، ديكتاتوري أم ديمقراطي! فإذا كان النظام القائم على كامل الدولة فاسداً ومستبداً، فبالاحرى ، سيكون كذلك في كل اقليم أو ولاية أو طائفة أو عشيرة أو إدارة أو مؤسسة أو حتى عائلة، بغض النظر عن الحجم أو درجة المركزية أو اللامركزية، والعكس بالعكس تماما،  والنظام البرلماني واللامركزي في العراق الذي أقامه الاحتلال الأميركي المدمر للعراق على انقاض النظام الاستبدادي الاحمق السابق، يشكل، وعلى مدى سبعة عشر عاما، أبلغ مثال على ذلك، هذا بينما كل العالم اليوم يتحدث عن تفوق النظام المركزي الصيني على جميع الليبراليات والديمقراطيات الغربية، وباعتراف ممثليها ومفكريها، في نجاحه المبهر والسربع في مواجهة واحد من أكبر الاخطار في التاريخ البشري، وهو جائحة فيروس كورونا، هذا مع استثناء عدد من الديمقراطيات الغربية التي كانت بالأصل وقبل الجائحة أكثر من يعلي مكانة الإنسان والمواطن بالرغم من كونها جزءاً عضوياً من المنظومة الاحتكارية الراسمالبة العالمية ومعبودها الأعلى: السوق الحر والمال والربح، كالدول الاسكندينافية وألمانيا والنمسا واليونان وأمثال هذه الدول…
والحديث يطول !

شاهد أيضاً

ما مصلحة السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *