دليلة يكتب عن “إعلان سورية الاتحادية”.. فماذا قال؟










بقلم د. عارف دليلة 

مركزية أم لامركزية اتحادية؟ نظام سلطوي فاسد مطلق أم نظام ديمقراطي وطني ؟ رئاسي أم برلماني ؟ نظرة أولية ، من خلا جواب على سؤال عن ” إعلان سورية الاتحادية “
“””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””” “”””””””””””
إعلان سورية الاتحادية هو الإعلان الذي صدر بتوقيع عدد من الشخصيات المعروفة من بينهم إبراهيم الجبين وميشيل كيلو وأحمد برقاوي وغيرهم .
هو يشبه، من حيث الفكرة، دعوة قسم من السوريين الأكراد إلى الإدارة الذاتية، وهذه الدعوات تأتي كرد فعل على النظام الاستبدادي الفاسد (” القاتل لكل اشكال الحياة” كما وصفته في مقابلة مطولة نشرت في جريدة “الراية” القطرية في شهر أيار 2011، أجراها معي الأخ شادي جابر في شهر نيسان )، شديد المركزية والاطباق على أنفاس الشعب السوري امنيا وممارسة للسلطة المطلقة غير المحكومة بدستور أو قانون أو مبادئ أو أخلاق في التصرف بجميع شؤون ومقدرات ومصائر الدولة والشعب والمواطنين الاقتصادية والسياسية، العامة والخاصة، الحاضرة والمستقبلية.

رد الفعل هذا يرى علاج المشكلات التي خلفها هذا النظام هو في تغيير الشكل والإسلوب الإداري من الشكل المركزي جدا إلى الشكل اللامركزي، وهذا التغيير الشكلي كفيل بتغيير المضمون، من نظام استبدادي فاسد لاوطني إلى نظام ديمقراطي وطني ! ويحدث ذلك عندما يمتلك ويمارس سكان كل منطقة أو ولاية أو جماعة بشرية إثنية أو طائفية… الخ حق تشكيل مستويات السلطة والإدارة المحلية واتخاذ القرار في أهم المسائل الخاصة بهم مع بقاء مسائل الدفاع والعلاقات الدبلوماسية الخارجية، مثلا، شؤونا مركزية تقررها السلطة العليا المتشكلة من ممثلين لهذه الإدارات المحلية شبه المستقلة .
لايوجد نموذج واحد في العالم يقاس عليه، بل هناك تدرجات كثيرة بين بلد وآخر، من الدول ذات المركزية الشديدة والسلطة المطلقة للمركز إلى الدول التي تتمتع فيها السلطات والإدارات المحلية بالقسم الأعظم من الصلاحيات والقرارات، والأغلب في العالم هو الانظمة المختلطة ، وهذه أيضا مختلفة . وتستخدم كذلك تسمية النظام الرئاسي أوالنظام البرلماني تبعا لحجم الصلاحيات التي يتمتع بها الحاكم الاعلى او يتمتع بها النواب المنتخبون من قبل الشعب،  وهنا تبرز مشكلة حرية الانتخابات ودرجة صدقية التمثيل،  وتتدرج المركزية واللامركزية مابين الوجود الرمزي والأسمى والشكلي للحاكم الأعلى،  كما في الملكية الدستورية البريطانية التي لا تتدخل فيها الملكة في أي شأن عام،  وهي تملك ولا تحكم، كما يقال، علما أنها لاتملك إلا اسميا،  باستثناء ما يخص حياتها الخاصة وحياة العائلة المالكة، إذ أن مخصصاتها المالية تحدد في الميزانية عند إقرار الميزانية في البرلمان والتي تتحكم بها الأغلبية البرلمانية ، أما جميع شؤون الدولة فهي بيد السلطات الاخرى المستقلة، كالبرلمان والحكومة والقضاء والإدارات المحلية،  وأذكر أن مخصصات العائلة الملكية السنوية كانت في التسعينات، بحدود خمسة ملايين جنيه استرليني ، وزيدت لاحقاً إلى ثمانية ملايين ( وهي اقل بمرات كثيرة، أو بملايين المرات مما يتصرف به بدون حساب آلاف الأشخاص في بلدان متخلفة مسحوقة مواطنوها زاحفون على بطونهم من الجوع والتعذيب ) ، وتتحدد مخصصات الملكة تفصيلا بآلاف الجنيهات وبالبنسات، وتختلف كل سنة حسب اختلاف المهام والحاجات !
في أواسط التسعينات قضيت في جامعة دورهام في شمال بريطانية بمهمة علمية من جامعة دمشق ستة أشهر لدراسة اتفاقيات الشراكة التي كان الاتحاد الأوروبي يعرضها على دول جنوب وشرق المتوسط، وجرى توقيع عدد منها، مثلا مع المغرب وتونس والأردن، وبالطبع، كان أشملها وأعمقها مع إسرائيل الوحيدة التي وقع معها إتفاقية إضافية عن التعاون العلمي _التكنولوجي التي تجعل إسرائيل مالكة لكل نتائج الابحاث العلمية التكنولوجية التي يتوصل إليها الاتحاد الأوروبي بمجرد مشاركة إسرائيلي واحد فيها، ولا تدفع إسرائيل ثمنا لذلك سوى مائة مليون دولار سنوياً !

وحتى وزير خارجية السلطة في سورية، الذي محى بعد ذلك أوروبا من الخريطة، وقع مع الاتحاد الأوروبي ، بالأحرف الأولى، إتفاقية الشراكة ، بعد سنوات طويلة من الأخذ والرد، وكنا قد عقدنا لمناقشة الاتفاقية بعض ندوات الثلاثاء الاقتصادي،  ثم انقلبت الظروف، كما نعلم، ولم يجر التوقيع النهائي على الاتفاقية ، يوم وجدوا أن الصداقة الحميمة مع أردوغان تغني عن الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وكانت العقدة الرئيسة المانعة للتوقيع هي البنود التي تتضمن الإشارة إلى حقوق الإنسان والقضاء العادل والحريات، والتي لا يقبل النظام أي كلمة من الخارج حولها لأنه يعتبر نفسه دولة مستقلة ذات سيادة وعزة وكرامة قومية لا تتحمل أي تدخل في الشؤون الداخلية قد يصل إلى حد الانتقاص من السيادة، وهي كلمة حق يراد بها باطل ! فكأن هذه الأوصاف لا تتأثر بما تفعله السلطة الحاكمة بشؤون وإدارة بلدها وكيف تتصرف بمقدرات شعبها ولو أدت تصرفات حفنة من الأشخاص إلى إزالة الدولة والشعب من الوجود، من دون أي حرب، أو بحرب لا تترك ولا تزر،  لذلك نرى هذه الأيام المحاكم الأوروبية تحاكم بعض رجال السلطة السورية المسؤولين عن الممارسات القمعية الذين يقعون بين أيديها نتيجة سوء تقدير منهم، بينما يستمر النظام في غيه واستبداده، وكانه لم يفعل شيئا بعد، رغم انه لم يبق على الأرض السورية شيء اسمه الدولة والشعب والاقتصاد والدستور والقانون والحقوق العامة والخاصة، واولها حق الحياة والحق بالخبز !

وردا على ، واحتجاجا بهذه الظروف الاستثنائية جدا، بادر بعض من المواطنين السوريين الأكراد، ومثلهم الموقعون على بيان سورية الاتحادية ، الاولون بالممارسة على أرض الواقع، والآخرون في النظرية، لتسويق فكرة الإدارة الذاتية والدولة الاتحادية والترويج لها لتكون شكلا عاما لنظام الحكم في سورية، ودون انتظار التغيير والانتقال إلى نظام جديد يكسب ثقة عموم الشعب السوري وموافقة الأغلبية العظمى منه !

ووجهة نظري في المسألة تتلخص بأنه، في القضايا المصيرية، يجب، أولا عدم التسرع والتسابق لاملاء ما يشاء البعض ويناسب مصالحهم الخاصة على عموم الشعب السوري أو محاولة فرضه عليه كأمر واقع، وربما، بالعنف وبالغصب، وبالدعم الخارجي المسلح فاسد النية والطوية ، في تكرار مهلك ومنفر لما تفعله الانظمة الاستبدادية الفاسدة وثانيا، يجب عدم تغليب الشكل على المضمون !

يجب العمل بداية، على كسب الرأي العام السوري، ثم اعطاء الاولوية للمضمون، لان الأمر الجوهري هو طبيعة السلطة والنظام الذي يحكم البشر ويدير مقدراتهم، على أي مساحة او مجموعة بشرية قام : فاسد أم غير فاسد ، ديكتاتوري أم ديمقراطي ! فاذا كان فاسداً ومستبداً فأنه سيكون كذلك في كل إقليم أو ولاية أو طائفة أو عشيرة أوإدارة أو مؤسسة أو حتى عائلة، بغض النظر عن الحجم أو درجة المركزية أو اللامركزية، والعكس بالعكس، والنظام البرلماني واللامركزي في العراق اليوم مثل بليغ على ذلك، بينما كل العالم اليوم يتحدث عن تفوق النظام المركزي الصيني على جميع الليبراليات والديمقراطيات الغربية في مواجهة واحد من أكبر الاخطار في التاريخ ، وهو جائحة فيروس كورونا ، مع إستثناء عدد من الديمقراطيات الغربية كالدول الاسكندينافية والمانيا والنمسا واليونان …
والحديث يطول . 

شاهد أيضاً

ما مصلحة السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *