دور النائب العام لدى المحكمة الجنائية الدولية وصلاحياته (الحالة السورية إنموذجاً)













 

بقلم المحامي إبراهيم ملكي
باحث قانوني سوري 


وجّه المركز القانوني غيرينكا في واشنطن، وهو مركز قانوني أميركي في 20 / 3 / 2020، ملفاً قانونياً كاملاً، إلى المدعي العام لدى محكمة الجنايات الدولية، بخصوص نظام الأسد وانتهاكاته وما يفعله بحق المدنيين السوريين من قتل وتشريد.

وشدد المركز على أفعال التهجير القسري، وهي جرائم تدخل في اختصاص محكمة الجنايات الدولية، مستنداً إلى حالة مماثلة حصلت مع الروهينغا في دولة بنغلادش. وقام المدعي العام بالتحقيق بها، باعتبار أن دولة بنغلادش عضو في المحكمة، وأعطى مثالاً مشابهاً بخصوص وجود اللاجئين السوريين في الأردن، كون الأردن عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، لذا يمكن وفقاً للمادة 15 من قانون المحكمة (قانون روما الأساسي لعام 1998) وبطلب (مذكرة خطية توجه إلى المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية) إحالة الأسد ومجموعة من ضباط الأمن والجيش، من ضمنهم ماهر الأسد، إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم وانتهاكات ضد الشعب السوري.

1- فمن الناحية القانونية:

نرى أن التحقيق ممكن، في حال كانت هناك إرادة لدى بعض الدول المتضررة فعلياً من ممارسات النظام الوحشية تجاه شعبه، أو طالتها آثار الجريمة، وكذلك بوصفها دولة عضواً في مجلس الأمن مثل الولايات المتحدة الأميركية. ومن هنا توافقت إرادات الدول ومصالحها مع مصلحة الشعب السوري، في أن انتهاكات نظام الأسد مضرة بحق شعبه وبحق الإنسانية جمعاء، وهي جرائم تطالها المحكمة الجنائية الدولية وكذلك المنظمات أو الهيئات الأممية التي وقع عليها الضرر أو الفعل الجرمي، وتدخل ضمن إطار صلاحيات النائب العام، في حال طالها فعل أو انتهاك ارتكبه النظام بحق هذه المنظمة أو تلك، أو منظمات الأمم المتحدة، مثال على ذلك عناصر الصليب الأحمر الدولي، وهي منظمة تابعة للأمم المتحدة تعرضت للقصف الجوي، وقتل أكثر من عنصرين في منطقة أورم الكبرى في ريف حلب عام 2017، وهذه الجرائم واضحة وموثقة، مع معرفة الجهة التي قصفت، وكذلك الأشخاص الذين ارتكبوا الفعل هم أيضاً عامل قوة ودفع، نحو قيام النائب العام بالتحقيق في الدعوى بحق الفاعلين (دور النائب العام يقتصر على التحقيق في الملف المعروض بين يديه)، إذا قامت الأمم المتحدة أصولاً بإحالة الملف إلى النائب العام، مشفوعاً بدعم دولة مثل فرنسا كونها عضواً في المحكمة.

2- قانون سيزر وشهادته شخصياً أمام أعضاء الكونغرس ومع الوثائق والأدلة والصور:

تحول قانون سيزر، إلى قانون عقوبات أميركي له ما يكفي من القوة والمصداقية لدى الجهة التي تبنته دولياً، وكذلك هناك شهادات عديدة استمع إليها أعضاء الكونغرس الأميركي، وتحوّل إلى قانون له طابع دولي، ويمكن الاستناد إليه في إحالة الملف إلى النائب العام للتحقيق، وذلك بسبب ضخامة الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها النظام بحق الشعب السوري، وخاصة المهجرين قسرياً، عدا عن القتلى والجرحى. وآن الأوان للعدالة الدولية أن تأخذ مجراها، وتعمل على محاسبة هؤلاء المجرمين على تلك الانتهاكات والفظائع اللاإنسانية المرتكبة بحق المدنيين السوريين.

– إن العلاقات الدولية في عصرنا الحالي هي توافق مصالح ورؤى مشتركة، وإن الصداقات الحديثة تُبنى على أساس تلك المصالح ومدى احترام حقوق الإنسان التي أصبحت عابرة للحدود الوطنية. فالخارجية الأميركية أفادت بأن اللقاء مع الشاهد قيصر مصدر إلهام، وكان (الشاهد الملك) في إصدار القانون الذي سُمّي باسمه لحماية المدنيين السوريين. وأيضاً كشفت شجاعته عن مدى بشاعة الأعمال الوحشية لنظام الأسد ضد المدنيين السوريين. وهذه نقاط أساسية يستند إليها، قانونياً، في تحريك الدعوى العامة من قبل دائرة ما قبل الدائرة التمهيدية، وهي سبب موجب في وضع يده على الملف. وإضافة إلى أن وزارة الخارجية الأميركية أكدت أن “الولايات المتحدة ستواصل السعي لتحقيق المسائلة والعدالة للسوريين”، لمنع تكرار الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني والتصدي لها وللحد منها، والتأكيد أن القانون الدولي الإنساني سيكون فوق القانون الوطني، لدى الدول المتقدمة والراقية والمعنية بحقوق الإنسان، والعمل على إيجاد آليات وقواعد ناظمة بهذا الخصوص للمستقبل.

كيف تصل الملفات إلى المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية:

جاء في نص المادة 14 إحالة حالة ما، من قبل دولة طرف:

1- يجوز لدولة طرف أن تحيل إلى المدعي العام أي حالة يبدو فيها أن جريمة، أو أكثر، من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة، قد ارتكبت، وأن تطلب من المدعي العام التحقيق في الحالة، بغرض البتّ فيها، إذا كان يتعين توجيه الاتهام لشخص معين أو أكثر بارتكاب تلك الجرائم (الأردن يمكن أن تكون مثالاً على التهجير القسري، لوجود لاجئين سوريين على أراضيها، قياساً على المدنيين من الروهينغا في بنغلادش).

2- تحدد الحالة قدر المستطاع، الظروف ذات الصلة، وتكون مشفوعة بما هو في متناول الدولة المحيلة من مستندات مؤيدة، مثال على ذلك (فرنسا كعضو في المحكمة، وأيضاً عضو دائم في مجلس الأمن) واقعة الهجوم على سيارات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، إذا ترافقت مع الإرادة السياسية في معاقبة وملاحقة الأشخاص الذين ارتكبوا تلك الانتهاكات لحقوق الإنسان في سورية. ولقد منح المشرع النائب العام لدى المحكمة صلاحية المبادرة في التحقيقات من تلقاء نفسه، على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في نطاق اختصاصها.

وتنص المادة 15 من قانون المحكمة على أن:

1- للمدعي العام أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه، على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة.
2- يقوم المدعي العام بتحليل جدية المعلومات التي وصلت إليه. ويجوز له لهذا الغرض التماس معلومات إضافية من الدول، أو من أجهزة الأمم المتحدة أو المنظمات الحكومية الدولية وغير الحكومية أو اعتماد مصادر موثوق بها يراها ملائمة، ويجوز له تلقي الشهادة التحريرية أو الشفوية في مقر المحكمة.

3- إذا استنتج المدعي العام أن هناك أساساً معقولاً للشروع في إجراء تحقيق يقدم للدائرة التمهيدية؛ طلب الإذن بإجراء تحقيق مشفوعاً بمواد مؤيدة يجمعها، ويجوز للمجني عليهم إجراء مرافعات لدى الدائرة التمهيدية، وفقاً للقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات.

4 – إذا رأت الدائرة التمهيدية، بعد دراستها للطلب وللمواد المؤيدة، أن هناك أساساً معقولاً للشروع في إجراء تحقيق، وأن الدعوى تقع على ما يبدو في إطار اختصاص المحكمة؛ كان عليها أن تأذن بالبدء في إجراء التحقيق، وذلك دون المساس بما تقرره المحكمة فيما بعد، بشأن الاختصاص ومقبولية الدعوى.

5- إن رفض الدائرة التمهيدية الإذن بإجراء تحقيق لا يحول دون قيام المدعي العام، بتقديم طلب لاحق يستند إلى وقائع أو أدلة جديدة تتعلق بالحالة ذاتها.


6- إذا استنتج المدعي العام، بعد الدراسة الأولية المشار إليها بالفقرتين الأولى والثانية من نص المادة 15، أن المعلومات لا تشكل أساساً معقولاً لإجراء التحقيق؛ كان عليه أن يبلغ مقدمي المعلومات بذلك، وهذا لا يمنع المدعي العام من النظر بمعلومات أخرى تقدّم إليه على الحالة ذاتها، في ضوء وقائع أو أدلة جديدة.

من خلال هذه النصوص القانونية، نستطيع أن نطرح السؤال التالي: لماذا نعتبر طريق النائب العام ممكناً وليس مغلقاً؟
إن غاية المشرّع الدولي من إنشاء المحكمة الجنائية الدولية هي حماية حياة الإنسان وحريته، من أفعال وانتهاكات ترتكب بحقه كإنسان، من جرائم أثناء الحروب أو من خلال القلاقل الداخلية أو تعرضه لاضطهاد ما، أو لفعل جرمي تعاقب عليه هذه المحاكم. وهذا النوع من الجرائم لا يسقط بالتقادم.

– إن مكتب المدعي العام لدى المحكمة، بحكم وظيفته، مخولٌ أن يضع يده على بعض الجرائم المرتكبة بسورية، لوجود أدلة وقرائن كافية وموثقة لدى المنظمات الدولية ذات المصداقية وحيادية تعنى بحقوق الإنسان، ومن هذه الأفعال القتل والتعذيب والتهجير القسري وقصف المدنيين والاعتداء على ممتلكاتهم (التعفيش والسلب بالعنف، وقلع الناس من أماكن سكناهم، وحرمان السكان من العيش الكريم، وقطع الإمداد الغذائي والطبي عنهم عبر القصف بالطيران، وتدمير المشافي والمدارس).

وبموجب الصلاحيات الممنوحة للنائب العام، يستطيع إخضاع هذه الأفعال للتحقيق، كونها جرائم تدخل في اختصاص المحكمة (جرائم الحرب – جرائم الإبادة – جرائم ضد الإنسانية) بدون العودة إلى إجراءات وقواعد وأصول، ويتصرف بموجب هذه الصلاحيات، وبمبادرة منه بعد التأكد من الأدلة والقرائن والوثائق ومدى صلاحيتها في البدء والمباشرة في التحقيق، ويجب -كما ذكرنا سابقاً- أن تكون بشفاعة دولة عضو في المحكمة الجنائية. وأيضاً يكون الفعل الجرمي المرتكب قد أحيل له عبر الجهة المعتدى عليها (المجني عليه)، وبشرط أن يطالها الفعل المرتكب أي أن تكون هي الجهة التي وقع عليها الجرم، وبموجب الولاية القضائية الدولية مثال: (المنظمات الإغاثية الدولية التي كانت تقدم المساعدات للنازحين المدنيين في شمال حلب وتعرضها للقصف والنهب والسرقة من قبل النظام) تستطيع هذه المنظمات أن تقدم شكوى عبر الأمين العام للأمم المتحدة الذي يحيلها بدوره إلى النائب العام.

هنا الأمم المتحدة هي الجهة المجني عليها، كون آثار الفعل الجرمي ونتائجه طالتها
وهناك حالات أخرى، تستطيع دوله كبرى مثل فرنسا أن تحيل الملف الجنائي لجريمة وقعت عليها، وطالتها آثار الجريمة، كدولة مثل سورية، وهنا على النائب العام الدولي أن يقوم بالتحقيق بالفعل المرتكب.

1- كون فرنسا دولة عضواً في المحكمة الجنائية الدولية.
2- كونها عضواً دائماً في مجلس الأمن، وبما أن الأعمال الوحشية المرتكبة بحق السوريين تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، وتصدير الإرهاب على أراضيها مما يجعلها دولة متضررة من هذا الفعل.

3- دولة تضررت من استهداف القافلة الطبية المتوجهة إلى سورية، مثل بريطانيا في نيسان 2017، والمقاربة مع حالات مشابهة حدثت في التاريخ المعاصر، وتدخلت الأمم المتحدة لمحاكمة قراصنة البحر وخاطفي الطائرات، وتمت محاكمة الفاعلين وفقاً للقوانين الدولية وكوسوفو إلى حد ما.
كل هذه الصلاحيات منحتها المادة 15 من قانون المحكمة للنائب العام وحددتها.
كيف يتلقى المدعي العام المعلومات والوثائق والأدلة؟

بعد موافقة النائب العام على البدء بالتحقيق، وفتح الطريق أمام الجهة المدعية، هنا تقوم الجهة المتضررة وصاحبة المصلحة بتحضير ملفها مشفوعاً بكل الوثائق والأدلة والمعلومات. ثم تقديم الملف لمكتب المدعي العام، وإضافة إلى ذلك تتعهد الأمم المتحدة بتقديم المعلومات المتوفرة لديها لاستكمال التحقيقات والدراسات، أو تصور نظرة أولية لقبول الدعوى شكلاً. مما يجعل النائب العام يصل إلى قناعات لإحالة الملف إلى الغرفة التمهيدية بعد التحقيق مع الجهة المدعى عليها.

وقد لوحت الولايات المتحدة ومعها أوروبا بملاحقة الأشخاص الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة بحق السوريين، ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، عدا عن دور الأمم المتحدة في دعم النائب العام بالمعلومات والوثائق والصور والأدلة عبر منظماتها العاملة في سورية.

واستناداً إلى المادة 15 الفقرة الثانية، من النظام الأساسي للمحكمة، والتي تنص: (يقوم المدعي العام بتحليل جدية المعلومات المتلقات، ويجوز بهذا العرض التماس معلومات إضافية من الدول أو من أجهزة الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية أو غير الحكومية أو أية مصادر أخرى موثوق بها، يراها ملائمة ويجوز له تلقي الشهادات التحريرية أو الشفوية في مقر المحكمة في لاهاي) ويوثق أدلته وقرائنه، عبر قنوات خاصة مع الدول أو المنظمات، بشرط المحافظة على سريتها، ولغرض استسقاء أدلة جديدة إن وُجدت. وهنا نعتقد بأن إرادات الدول الفاعلة بالملف السوري قد وصلت إلى قناعة تامة، بأن النظام ارتكب الأفعال المسندة إليه.

ما هي المستندات والأدلة التي تقدم للمدعي العام (المقبولية):

ولمساعدة النائب العام ولقبول الدعوى شكلاً لديه، لا بد من أن تكون هناك قرائن وحجج كافية، يستند إليها في إجراء التحقيقات، إذ لا يكفي سرد قصص أو وقائع غير مثبتة أو غير مسندة قانونياً.

لذا، فإن على من يقيم الدعوى لدى النائب العام الأخذ بمجموعة من الحقائق والقرائن والمستندات القانونية، والتواصل مع النائب العام لطلب المساعدة، من الدول ومن الأمم المتحدة ومن المنظمات الوطنية والدولية، في الحصول على وثائق ذات مرجعية وذات مصداقية ولها صلة مع جهات رسمية.

هناك انتهاكات عديدة موثقة ومجازر ارتكبها نظام بشار وأركان حكمه، وهي كافية لمعاقبته ولإحالته إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهذا يجعل طريق النائب العام سلساً لتبني الملف الذي أصبح بين يديه ولدينا حالات، وهي على سبيل الذكر لا الحصر.

قانون قيصر وما يحمله هذا القانون من وثائق وأدلة ومعلومات. والأهم هو تبنيه من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وأنه اعتُمد بعد ذلك كقانون، وهو من تصميم مؤسسات أميركية فاعلة (مجلس النواب إلى الكونغرس والخارجية) إضافة إلى سماع مجلس الشيوخ إلى شهود وقيصر شخصياً وأشخاص سوريين آخرين، وسماع شهادات نشطاء، وركز الجميع على تفعيل هذا القانون، ولا سيما أنه جاء بمناسبة مرور تسع سنوات من عمر الثورة السورية، وسوف يدخل حيز التنفيذ في أيار/ مايو 2020. وأكدت الخارجية الأميركية على محاسبة النظام ومعاقبته. وأن الكلمة الأساسية لما يجري في سوريا هي المسائلة، وبدون المسائلة لن يكون هناك استقرار أو تسوية في سورية، وإحالة الأسد ودائرته الضيقة إلى المحكمة الجنائية الدولية. وتكون ضرورية للمجتمع الدولي. وأن للشعب السوري الحق في العدالة. ومحاسبة كل من يثبت تورطه في ارتكاب تلك الانتهاكات.

الجريمة التي ارتكبت بحق عناصر الصليب الأحمر الدولي في سورية، وهذا الاعتداء موثق ومسجل بتفاصيله، لدى الأمم المتحدة (حادثة أورم الكبرى طريق حلب دمشق قرية أورم عام 2017). وأيضاً حادثة قصف الغوطة بالمواد الكيمياوية، في 21 آب/ أغسطس 2013 تستطيع منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية أن تطلب من النائب العام التحقيق بالموضوع، وملاحقة الفاعلين، كون الحكومة السورية عضواً في المنظمة ولمخالفتها لنصوص الاتفاقية.

وهذه تستطيع دولة مثل بريطانيا وفرنسا -كونهما أعضاء في المحكمة وأعضاء دائمين بمجلس الأمن- الطلب من النائب العام القيام بإجراء تحقيق وفقاً للمعلومات المتوفرة لديها ولدى الأمم المتحدة.

اللاجئون السوريون المهجرون قسراً إلى الأردن: وفقاً لحالة مشابهة تعرض لها النازحون من الروهينغا من دولة ماينمار إلى دولة بنغلادش.

الأردن عضو في المحكمة الدولية، وهذا الأمر يعطي الحق للاجئين السوريين في الأردن، عبر بوابة الدولة، يمنح المحكمة الاختصاص والقوة والفاعلية، من أجل إلزام النائب العام بإجراء التحقيق الأولي وقبول الملف شكلاً. مع التماس لمكتب المدعي العام، بعد عرض الواقعة بقبول الملف شكلاً، ويمنحه سلطات واسعة في التحقيق بالجرائم التي ارتكبها أزلام النظام المتهمين بحق اللاجئين السوريين في الأردن، بما فيها حالات الترحيل القسري والتهجير، وغيرها من المعاملة القاسية غير الإنسانية، وبناء عليه يكون له الحرية في ممارسة صلاحياته، وهذا يلزمه، كنائب عام تحقيقي، بإحالة الملف إلى الغرفة التمهيدية وهي دائرة تحقيقية ما قبل المحاكمة باعتبار أن جريمة التهجير القسري هي فعل جنائي من اختصاص المحكمة، وفقاً للمادة 15 فقرة أولى (للمدعي العام أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه، على أساس المعلومات الواردة إليه بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية) من قانون روما الأساسي الصادر في 17 تموز 1998.

جريمة قصف سيارات الإغاثة العائدة للأمم المتحدة: التي دخلت عبر باب الهوى قادمة من تركيا وذاهبة إلى ريف حلب الشمالي، وقصفها طيران نظام الأسد، واحترقت بالكامل، وقتل بعض عناصر الإغاثة وكانت في طريقها لتقديم المساعدات للنازحين 2017.

هنا تستطيع فرنسا، كدولة عضو في المحكمة وعضو في مجلس الأمن ودولة معتدى عليها، ولوجود المصلحة، أن تطلب من المدعي العام إجراء التحقيق الأولي وقبول الدعوى بداية بناء على المعلومات المقدمة إلى النائب العام، وهي موجودة لدى منظمة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة.

ولقبول الدعوى شكلاً، ينظر المدعي العام لجهة الاختصاص:

وباعتبار أن المحكمة يقتصر اختصاصها على الجرائم التي نصّ عليها قانون روما الأساسي، فالمادة السادسة تنص على جريمة الإبادة الجماعية: وهي كل فعل يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو اثنية أو دينية إهلاكاً جزئيّاً أو كليّاً أو إلحاق ضرر جسدي أو عقلي بالجماعات، أو إخضاع جماعة معينة لأحوال معيشية، بقصد إهلاكها ومنع دخول الدواء والغذاء، كما حدث لأهل الغوطة في ريف دمشق وحمص أثناء الحصار.

أما المادة السابعة فقد نصت على الجرائم ضد الإنسانية: وهي جرائم ترتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، عن علم وسابق إصرار، منها القتل، والإبادة الجماعية، والاسترقاق، والتهجير القسري، وإبعاد السكان عن مكان إقامتهم، وتشمل هذه المادة أغلب الانتهاكات التي ارتُكبت بحق السوريين، وتشمل أكثر من ثلاثين فقرة وأيضاً التعذيب، والاغتصاب، والاستعباد الجنسي، الخ ……..

ولما كان هناك جدية حقيقية لدى النائب العام في التحقيق بالجرائم التي نسبت الى نظام الأسد و أركان حكمه، بوصفهم مجرمين ارتكبوا جرائم بحق السوريين، بعد توافق إرادات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة باستثناء روسيا فالمادة الثامنة تخص جرائم الحرب: وهي الجرائم التي ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة، بارتكاب هكذا أفعال عادة وأغلبها هي الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف الأربعة المؤرخة في 12 آب/ أغسطس 1949، وكذلك أي فعل جرمي يرتكب بحق الأشخاص أو الممتلكات التي يحميها القانون الدولي الإنساني، وكذلك الانتهاكات والجرائم التي تحدث أثناء النزاعات والحروب الداخلية، كما يحدث في سورية، وأيضا تشمل هذه المادة الهجمات على الموظفين والمستخدمين في مهمات إنسانية إغاثية وطبية وكافة منظمات ذات الحصانة مثل منظمات الأمم المتحدة.
خلاصة القول:

لا يمكن لبنية عسكرية ونظام شمولي مغلق، كنظام الأسد، ارتكب كل هذه الموبقات بحق شعبه، أن يفلت من العقاب أو يترك بدون محاسبة وملاحقة. وعلى ذلك؛ فإن على المؤسسات الحقوقية والقضائية السورية ذات المصلحة والمعنية، امتلاك رؤية قانونية وحقوقية لبناء دولة سوريا المستقبلية، وأيضاً على المعارضة السورية، بالتعاون مع الهيئات القانونية والحقوقية، جمع الملفات وتوثيق الجرائم وامتلاك الرؤية لمحاسبة المجرمين أمام المحاكم الدولية، من خلال تحضير الملفات بحق النظام وأزلامه، لكي نصل للعدالة لا بد من محاسبة المجرمين وجبر الضرر للسوريين، مادياً ومعنوياً، للمساعدة في الدخول إلى مرحلة العدالة الانتقالية.

زيورخ 25 / 3 / 2020

شاهد أيضاً

بوليفيا تقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.. وتشيلي وكولومبيا تستدعيان سفيريهما للتشاور

أعلنت وزارة الخارجية في بوليفيا،  الثلاثاء، أن الحكومة قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل متهمة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *