قراءة في تصريحات الرئيس التركي “رجب طيّب أردوغان” الأخيرة

وحدة التفكير السياسي – إدارة التوجيه المعنوي

شغلت تصريحات الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” الأخيرة وسائل الإعلام العربية والأجنبية، وبدت أكثر حزماً وجدّية من سابقاتها، حيث صرّح الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” اليوم الأربعاء أنّ استهداف الجنود الأتراك من قِبَل النظام السوري في إدلب بداية لمرحلة جديدة بالنسبة لبلاده، مؤكّداً أنّه في حال لم تنسحب “قوّات الأسد” إلى خلف نِقاط المراقبة التركية خلال شباط/ فبراير الحالي فإنّ الجيش التركي سيضطر لإجبارها على ذلك، مهدّداً بقوله: “إنّ قوّاتنا الجوّية والبرّية ستتحرّك عند الحاجة بحرّية في كلّ مناطق عملياتنا وفي إدلب، وستقوم بعمليات عسكرية إذا ما اقتضت الضرورة”، ملوّحاً باحتمال انهيار تفاهمات منطقة شرق الفرات واسنئناف عملية “نبع السلام”.

وتُعدّ التصريحات التركية بمثابة “إعلان حرب” للمرّة الأولى مع قوّات النظام، حيث استهدفت عمليات أنقرة سابقاً التنظيمات الإرهابية “PKK/PYD” و”داعش”، متجنّبة الصدام مع قوّات النظام قبل أن تتفاقم الأوضاع على خلفية التصعيد الأخير في إدلب وعملية استهداف إحدى النِقاط التركية التي أدّت إلى استشهاد الجنود الأتراك.
وقد سُبقت تصريحات الرئيس التركي ” رجب طيّب أردوغان” بإرسال تركيا أرتالاً هي الأضخم إلى إدلب منذ بدء انتشارها هناك نهايات عام 2017م، عدا عن حشوداتها على الجانب الآخر من الحدود، وإلغاء وزير الدفاع زيارته المقرّرة إلى أوكرانيا رفقة الرئيس التركي، وتوجّهه بدلاً من ذلك برفقة قادة الجيش إلى الحدود مع سورية، حيث تتوافد التعزيزات من مختلف القِطع والوحدات في الجيش التركي إلى هناك.

في حين بدا الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” أمسِ مع نظيره “فلاديمير بوتين” غير ذي جدوى بعد التصريحات التي أعقبته، خاصّة أنّه كان من المفترض أن يبادر به الرئيس الروسي معزّياً نظيره التركي في حال كان لدى “موسكو” رغبة في تهدئة الأوضاع، ما دلّ مع جملة من المؤشّرات الأخرى على عمق الخلافات بين “أنقرة” و”موسكو”، التي ترافق معها بعض التقارب مع “واشنطن” التي لجأت إلى إرسال رسائل إيجابية “لأنقرة” بهدف استمالتها ودعمها في مواجهة الروس، حيث صرّحت الخارجية الأمريكية بأنّ واشنطن: “تقف إلى جانب تركيا حليفتها في حلف النيتو عقب الهجوم الذي استهدف مواقعها من قِبَل قوّات الأسد”، مضيفة: “ندعم بوجه كامل أعمال تركيا المبرّرة دفاعاً عن النفس للردّ على قوّات نظام الأسد”، ما يمكن قراءته ضوءاً أخضر أميركياً لتركيا في تحرّكاتها وتهديداتها.
إلا أنّ “أنقرة” حاولت توجيه تهديداتها لقوّات النظام بالدرجة الأولى؛ إدراكاً منها لحجم المخاطرة في حال وقوع مواجهة مع القوّات الروسية، وخوفاً من تورّطها في مجازفة غير مدروسة تدفع بها “واشنطن” لتوريط “أنقرة”، ليضيف الرئيس التركي ” رجب طيّب أردوغان” في تصريحاته: “إنّنا نتمتّع بعلاقات عميقة مع روسيا في المجالات كافّةً، وإنّ مطلبنا الوحيد منها أن تقوم بتفهّم حساسياتنا في سوريّا بطريقة أفضل”.

وأمام هذه التصريحات فإنّ تركيا أمام عدّة خَيارات متعلّقة بالموقف الروسي:
أولاً: الاستجابة الكاملة لمطالبها من قِبَل روسيا، وعدم قيام “أنقرة” بأيّ تحرّك عسكري جديد، وهو أمر مستبعَد في ظلّ التعنّت الروسي، والأفضلية التي تمتلكها على الأرض.
ثانياً: التهدئة الجزئية من قِبَل روسيا، والبدء في المفاوضات والاجتماعات، وإغراق “أنقرة” في التفاصيل بغية امتصاص غضبها ثمّ متابعة التصعيد.
ثالثاً: تجاهل روسيا للتصريحات التركية ومتابعة عملياتها، وتحرّك “أنقرة” عسكرياً والذي سيأخذ إحدى طريقتين:
أ- التحرّك(المحدود) في ظلّ اختلال ميزان القِوى مع روسيا، خاصّة في ما يتعلّق بالدفاعات الجوية، إذا لا تزال تركيا تعاني ضعفاً في حماية مجالها الجوّي، حيث كان عليها الاعتماد على بطاريات “الباتوريوت” لحلفائها في الناتو قبل أن تُسحب البطاريات الأميركية والهولندية والألمانية العام 2015م من تركيا وتحلّ مكانها البطاريات الأسبانية التي هدّد الحلف بسحبها أيضاً أثناء عملية “نبع السلام”، ما دفع تركيا إلى الإسراع بشراء منظومة “S400” والتي قالت وزارة الدفاع التركية إنّها ستدخل الخِدمة في (أبريل/نيسان من العام 2020م)، ما جعل الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” يصرّح بأنّ بلاده ستنشر منظومة الصواريخ “حصار إيه” محلية الصنع ومنخفضة الارتفاع بالسرعة القصوى على الحدود السورية.

ب -التحرّك(الواسع)، وذلك بفرض جدّية التصريحات الأميركية بوقف حلف الناتو مع تركيا في عملية دفاعها عن نفسها، ما سيعطيها أفضلية كبيرة بأيّ تحرك عسكري، وربّما يدفعها لتنفيذ ضربات قاسية لـ “نظام الأسد “على مرأىً من الروس.
وأمام هذه الخَيارات يبدو أنّ تركيا جادّة أكثر من أيّ وقت مضى في وقف الحملة الروسية في الشمال الغربي؛ حماية لمصالحها وأمنها القومي، وإدراكاً منها أنّ تراجعها هنا سيجعلها تقدّم مزيداً من التنازلات داخل الملفّ السوري وخارجه، عدا عن اهتزاز صورتها قوةً إقليمية تقف لجانب الشعوب المظلومة في المنطقة، في حين سيرتبط تحرّكها بردّة الفعل الروسية، وما إن كانت ستواصل سياستها بالتصعيد والتذّرع بـ”تحرير الشام”، مختبّرة جدّية “أنقرة”، أم سترضخ لمطالبها مغلّبة المصالح الإستراتيجية للبلدين، أم ستلجأ للمراوغة وكسب الوقت والتهدئة المؤقّتة، ثمّ التصعيد.

ملاحظة : القراءة تعبر عن رأي إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني السوري وليس لها بالضرورة أن تعبر عن رأي الموقع ..

شاهد أيضاً

بوليفيا تقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.. وتشيلي وكولومبيا تستدعيان سفيريهما للتشاور

أعلنت وزارة الخارجية في بوليفيا،  الثلاثاء، أن الحكومة قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل متهمة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *