”عين الشرق” على أرصفة الغرب

د. ممتاز الشيخ

هل سبق وأن نهضت من فراشك فزعا؟

وهل أدهشك تداخل الصور في المنام وانتقالات الأمكنة بلا شخوصها أحياناُ ومعهم في أحايين أخرى؟ هل أدركت حقاً أن النسيان نعمة؟

وهل سيصيبك الهلع لو أنك صرت الشخص الثاني والعشرين في العالم ( بعد الروائي إبراهيم الجبين) الذي يصاب بالهايبرثيمسيا؟

«والهايبرثيمسيا كما تصنفها المراجع الطبية حالة نادرة ببلغ عدد المصابين بها عشرين شخصًا فقط، تجعل المريض يتذكّر كل تفصيل من تفاصيل حياته الدقيقة»

لا يمكن للكاتب مهما اتسع خياله الروائي أن يجمع كل هذه الخيوط ويصنع منها عالماً جميلاً ولوحة أدبية محكمة كما مزجها إبراهيم الجبين في روايته “عين الشرق”

لا شك أن الجبين بذل جهدًا شاقًا بغيةَ الإمساك بمادته المترامية الأطراف، التي لا تنحصر ضمن دمشق من حيثُ المكان، بل وتمتد من الحسكة مرورًا  بدير الزور ثم حلب وحمص ودرعا وجبلة والسلمية وعامودا وبقية المدن السورية، وصولًا إلى دورتموند الألمانية، حيث الكاتب حاليًا. ولا تقف الرواية عند زمن بعينه، بل تسافر مرة إلى الامبراطورية الرومانية ويجلس الراوي مع امبراطورها «يوليان» الذي أطلق على دمشق هذا الاسم: «عين الشرق».

لا أريد أن أكشف بعض أسرار الرواية التي أوجدت فناً جديدا في عالم الأدب وتناولها النقاد بدراسات متباينة وكل حسب زاويته ومرآته للعالم.

أما دمشق فهي لب الرواية، فما هو دور ألمانيا فيها حتى صدرت الروايى مؤخرا باللغة الألمانية؟

لا ننسى أن ألويس برونر هو الصياد النازي ومخترع عربات الغاز المتنقلة والذي ظل مطلوباً عالميا لكن حافظ الأسد احتضنه ووفر له مكانا آمناً في دمشق، وتتلمذ  حافظ الأسد  على يديه وظل برونر يتحرك في فضاءات الرواية أراد الراوي من خلال ذلك أن يسلط الضوء على ما يجري الآن في سورية من أحداث دموية نسبب فيها المزيج الكيميائي الرهيب بين نازية برونر وطائفية حافظ الأسد ودمويته ودوره في الخراب السوري الرهيب.

وللعلم، فقد غادر برونر ألمانيا بعد الحرب العالمبة الثانية ووصل إلى مصر في عام 1953 بجواز سفر يحمل اسم جورج فيشر، وانتقل لاحقاً  إلى دمشق ونقل معه كل تقنيات الغستابو في التعذيب والاستجواب التي تعلمها خلال الرايخ الثالث، وقد حكمت عليه المحاكم الفرنسية غيابياً بالإعدام”.

“عين الشرق” هى الرواية الثانية للكاتب، بعد “يوميات يهودى من دمشق” التى أثارت الكثير من الجدل بعد صدورها فى العام 2007  إذ تناولت وبجرأة الكاتب المعروفة مسائل محرمة مثل يهود دمشق، وعلاقة التنظيمات المتطرفة مثل القاعدة وتنطيم الدولة مع الأجهزة الأمنية السورية.

صدرت الرواية في 2016 وجاءت في 360 صفحة من القطع المتوسط، وهي تبدأ بعلاقة جمعت الراوي مع رسام عجوز  في التكية السليمانية في دمشق، وهذا الأخير كان مهووسا بجمع الأشياء القديمة بعد أن عمل طويلا في ” المخابرات السورية ” فترة الخمسينيات، وساهم بشكل مباشر في إعدام الكثير من معارضي السلطات التي حكمت سورية.

يقول إبراهيم عن روايته إن دمشق التي سماها الرومان ” عين الشرق ” تختزل المشرق كلّه. وفيها تدور كل القصص السرية، من اليومي البسيط، إلى المخططات الكبرى التي تغيّر وجه المنطقة. وفي هذه الرواية، رصدتُ يوميات عشتُها في دمشق، ما بين الخيال والواقع، وربما بهما معًا، وقد لا أميز مرات، أيّ منهما هو الواقع، الخيال أم الواقع ذاته.
تجدر الأشارة إلى أن الرواية صدرت ترجمتها باللغة الألمانية الأسبوع الفائت عن دار نشر ” Free Pen Verlag ” في مدينة بون غرب ألمانيا، من ترجمة العالم السوري الدكتور عدنان وحود. في حين حمل غلاف الرواية لوحة تعكس صورة من مدينة دمشق القديمة رسمها الرحالة الفنان الألماني غوستاف باورنفايند في دمشق عام 1890.

شاهد أيضاً

لماذا تكرهوننا إلى هذه الدرجة؟

محمد كريشان كبيرا جدا صار حجم النفاق الغربي في التعامل مع قضايانا، وما يصاحب كل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *