حقوق الإنسان والحريات في مصر: تأبيد حالة الطوارئ

كانت شرائح شعبية من مواطني مصر قد استبشرت خيراً بعدد من القرارات التي صدرت عن رئاسة الجمهورية وتضمنت ما سُمي بـ«الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان» وإلغاء تمديد حالة الطوارئ التي سبق أن مُددت 19 مرة منذ ربيع 2017. وكان المصريون قد عاشوا موجة متعاقبة من التناقضات، بين قرار رئيس الجمهورية تمديد حالة الطوارئ وموافقة مجلس الشعب عليه في تموز/ يوليو الماضي بسبب «الظروف الأمنية والصحية التي تمر بها البلاد، وبهدف مواجهة الإرهاب وصون مقدرات الدولة» وبين قرار عبد الفتاح السيسي في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بعدم تمديد حالة الطوارئ لأن البلد صار «واحة للأمن والاستقرار في المنطقة» حسب إعلان رئاسة الجمهورية.
وليس خافياً أن التناقض راجع من حيث الشكل إلى أن مجلس الشعب مرتهن بصفة شبه كلية لإرادة السيسي والمتغيرات التي تراها رئاسة الجمهورية واجبة التشريع والتنفيذ، وأما من حيث المحتوى فإن التقلبات في شؤون الحريات وحقوق الإنسان وحالة الطوارئ خاضعة للضغوطات الأمريكية المرتبطة مباشرة بما يسمح به أو يحجبه البيت الأبيض والكونغرس من مساعدات عسكرية واقتصادية إلى مصر. ومنذ أواخر سبعينيات القرن الماضي كانت تلك المساعدات قد تصاعدت تدريجياً طبقاً للأدوار الإقليمية التي عهدت بها الإدارات الأمريكية المختلفة إلى حكام مصر، حتى استقرت على 1.3 مليار دولار في الجانب العسكري و100 مليون دولار في الجوانب الاقتصادية.
غير أن الجفاء النسبي الذي اكتنف علاقات نظام السيسي مع إدارة جو بايدن، على خلفية أن الرئيس المصري كان «الديكتاتور المفضل» لدى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، انعكس مباشرة على ملف المساعدات جرياً على عادة الولايات المتحدة. كان أمراً طبيعياً إذن أن يلجأ السيسي إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات التي قد تفلح في تجميل صورة النظام أمام الكونغرس، وكان إقرار «الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان» وإلغاء تمديد حالة الطوارئ في طليعة تلك المساعي، التي نجحت نسبياً بالفعل لأن وزير الخارجية الأمريكي خالف توصية الكونغرس بحجب 300 مليون دولار من المساعدات، فأفرج عن 170 مليون دولار منها وعلّق صرف الـ130 مليون دولار على ما سيتخذه النظام من «خطوات» حول تحسين حقوق الإنسان.
لكن تفاؤل المصريين باحتمال انفراج الأجواء وإطلاق سراح السجناء بموجب أحكام عرفية والخلاص من الإحالة إلى المحاكم العسكرية، سرعان ما انقلب إلى خيبة أمل، بلغ لدى البعض درجة التحسر على أزمنة حالة الطوارئ. فهذه يمكن أن تكون قابلة للإيقاف، بالمقارنة مع التعديلات على قوانين سابقة تجعل أحكام الطوارئ دائمة تحت مسميات أخرى مخادعة. هذه هي حال ثلاثة من مشاريع القوانين تخص إفشاء أسرار الدفاع ومكافحة الإرهاب وحماية المنشآت العامة، التي جعلت مصر معسكراً مفتوحاً للتضييق على الحريات العامة والحقوق المدنية والصحافية، كما منحت رئيس الجمهورية سلطات إضافية فوق ما ينفرد به أصلاً من صلاحيات مطلقة.
ولن يكون عجيباً أن ترى الخارجية الأمريكية في تأبيد حالة الطوارئ خطوة ملموسة للإفراج عن مزيد من المساعدات.

المصدر : صحيفة “القدس العربي”

شاهد أيضاً

حروب الصورة والوردة الإسرائيلية

لا حدود لمظاهر الانحياز الفاضح للرواية الإسرائيلية ولجيش الاحتلال الإسرائيلي لدى كبريات وسائل الإعلام الغربية المقروءة والمسموعة والمرئية على حدّ سواء؛ خاصة تلك التي تزعم عراقة في التأسيس والتقاليد والمهنية العالية (مثل الـBBC البريطانية)، والكفاءة التكنولوجية الفائقة في مختلف جوانب التغطية المباشرة أو عن بُعد (مثل الـCNN الأمريكية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *