حكاية مع الريجيم

نجحت في تنزيل وزني. لم أكن سمينا، ولكن الكل من حولي ينزل وزنه. طبيب الحي يقول إن تنزيل الوزن يعدل الضغط ويقلّل من السكر في الدم. أخذ الأمر وقتا. من قبل رمضان السنة الماضية ثلاثة كيلوغرامات، ثم ثلاثة أخرى في رمضان وهكذا. الآن وزني مثالي بالنسبة إلى طولي، حتى أني اضطررت أن أزيد وزني مؤخرا بعض الشيء.

معاناة الريجيم معروفة. الجوع مؤلم. وخداع المعدة والجسم أكثر ألما. كثير من وصفات تنزيل الوزن تمرّ بخداع المعدة. صدقوني إنها كذبة. هذا العضو في الجسم ذكي. عليك أن تقنعه بأن يتعامل مع تغيير نوعية الأكل، والأهم تقليل كميته. واحدة من الحيل في الإقناع كانت في رمضان. عندما تجوع قبل الإفطار عليك بالمشي. بعد دقائق يختفي الجوع لأن الجسم يعطي إيعازا للمعدة بأنه لا يستطيع الحركة بسهولة محملا بالأكل. والفائدة الإضافية الجانبية تلمسها على مائدة الإفطار: شهية أقل.

تمرين الجسم على اختفاء السكريات أسهل. بعد فترة تدرك الخلايا أن السكر شبه المجاني الذي تستمتع بحرقه بسهولة لم يعد متوفرا. تثابر وتقوم بعملها بتفكيك أشياء أكثر تعقيدا كيمياويا من السكر وحرقها. انتهى زمن الريع السكري وحان وقت النضال.

لكن هذا جزء من المعاناة. الجزء الآخر نفسي. ماذا ستفعل بخزانة متخمة بالملابس؟

لا أشتري كثيرا من الملابس. ولكن لسبب ما ملابسي لا تتلف بسرعة. ربما لأني أحرص على النوعية. والنوعية تعني ثمنا أكبر تدفعه يوم تشتريها. عندما تنظر إلى خزانة الملابس عندي ترى تظاهرة لقمصان سمائية اللون. الجاكيتات كلها من مشتقات الأزرق. يوم يعجبني بنطلون، أشتري منه أكثر من واحد بنفس اللون. خزانة ملابس تشبه تلك التي نراها في المسلسل الكوميدي “مستر بين”. تشابه في تشابه. عليك أن تقسم للأصدقاء أن هذا الجاكيت يختلف عن جاكيت الأمس بدرجة لونية بسيطة. خزانة ملابسي استثمار شخصي.

الآن مع الريجيم ضاع هذا الاستثمار. مع كوفيد، صار أغلب العمل يتمّ من مكتب البيت. مرّت أشهر منذ آخر مرة لبست فيها جاكيتا. يوم لبست واحدا منها، اكتشفت أنه صار معطفا. ثمة خطأ ما. هذا كان بالأصل واسعا بعض الشيء. سأجرّب الذي كان ضيقا. نفس النتيجة. كل الجاكيتات تحوّلت إلى معاطف.

تقول في نفسك إن القمصان شأنها أسهل. تترك الياقة مفتوحة كما أفعل عادة، وتمشي الأمور. تقف أمام المرآة، فتجد أكتاف القميص وقد تهدّلت على أكتافك. ما علاقة أكتافي بتنزيل الوزن؟ أليست عظاما فقط؟ تريد ألما نفسيا أكثر؟ جرّب أن تشد ربطة عنق على واحد من القمصان. ستجد فتحة بين رقبتك والقميص تمرّ من خلالها قطة.

المشكلة تزداد تعقيدا مع البناطيل. الفارق محرج لأن البنطلون العادي يتحوّل إلى شروال. الشروال (مشتق لفظيا من السروال) هو بنطلون واسع وفضفاض يرتديه سكان الجبال في بلادنا لأن الدشداشة لا تجعلهم يتحرّكون بسهولة. تفكّر أن الحزام سيكون حلا، فتكتشف أن الحزام نفسه مشكلة. يحتاج تثقيبا من جديد. ليست لديك ماكنة تثقيب للجلد. مسمار ومطرقة؟ لا، لأن الثقب سيكون بائسا. تسخين مثقب على النار ثم حرق الجلد؟ انظر إلى النتيجة. كأن الجلد كان جزءا من فيلم رعب. الحل تجده في الأحزمة التي يمكن تقصيرها من جهة الوصلة المعدنية. تقصّ من هناك. نعود إلى البنطلون، وتصير بحاجة أن تقرر: هل تضع الزيادة للأمام فتُضحك الناس، أم تضعها للخلف فتصير الجيوب الجانبية خلفية؟ واحد من الحلول المبتكرة هو العلاّقات التي تحمل البنطلون على الأكتاف. سيبدو شكلك بها مثل كهل، ولكن هذا حلّ مؤقت لحين بناء خزين جديد من الملابس.

تنظر إلى جارور الجوارب وتقول في نفسك: حتى أنت أيها الجاروب؟ اكتشفت أنه الأكثر إخلاصا ويتمتع بمطاطية ذاتية. لا حاجة لشراء جوارب جديدة.

بعد كل هذا، هل هناك من يقول إن المعاناة مع الأكل فقط؟

شاهد أيضاً

حروب الصورة والوردة الإسرائيلية

لا حدود لمظاهر الانحياز الفاضح للرواية الإسرائيلية ولجيش الاحتلال الإسرائيلي لدى كبريات وسائل الإعلام الغربية المقروءة والمسموعة والمرئية على حدّ سواء؛ خاصة تلك التي تزعم عراقة في التأسيس والتقاليد والمهنية العالية (مثل الـBBC البريطانية)، والكفاءة التكنولوجية الفائقة في مختلف جوانب التغطية المباشرة أو عن بُعد (مثل الـCNN الأمريكية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *