ستّةُ أسئلةٍ لا تسألْها لأحد

كتب سسمير قسطنطين في ” النهار العربي”

تقابلُ الناسَ كلّ يوم. تتبادلُ أطرافَ الحديث معهم. بعضُهم يسهُلُ التواصلُ معه، فيما يصعبُ التواصل مع البعض الآخر. تسمعُ مرّات عباراتٍ مثل هذه عن أحدِهم: “فلان حشّور”، أو “فلان بدّو يعرف البيضة من باضا”. هذا يعني أنّه يتدخّل في ما لا يعنيه. اللبنانيّون عامةً يعيشون قريبين من بعضهم البعض. المسافات قصيرة، والبيوتُ متلاصقة إلى حدٍّ بعيد. أضِف إلى ذلك قدرة الكثيرين منّا على فتحِ حديثٍ وبسهولة مع شخصٍ نتعرّف إليه للمرّة الأولى. لكنّ  هذا يوقعنا في مطبّاتٍ محظورة، إذ يرانا الآخر ننزلقُ إلى طرح أسئلةٍ شخصيّة جدّاً عليه. ما هي الأسئلة التي ينبغي ألّا نطرحها؟ العالم حولنا يتّجه أكثر فأكثر نحو عدم التدخّل بالأمور الشخصيّة للشخص الآخر. وباتت في العالم أسئلةٌ لا يمكن طرحها على شخصٍ تتعرّف إليه. سؤالٌ مثل “قدّيش بيعطوك معاش بالشهر؟” هو أحد هذه الأسئلة. هذا تدخّلٌ في حياته الشخصيّة الماليّة. أيضاً لا تسألْ أسئلةً تبتغي من خلالها معرفةَ عمرِ الشخصِ الآخر. أحياناً قد لا يسأل المرء مباشرةً عن عمرِك، لكنّه قد يسأل عن السنةِ التي تخرّجتَ فيها من المدرسة. وهذا يقودُه مباشرة إلى معرفة السن.  سؤالٌ محرجٌ آخر: “أعزب أو مجوّز؟”، وإذا كانَ الجوابُ: “مجوّز”، يأتيك سؤالٌ آخر فوري: “عندك ولاد؟”، السؤال الذي بات من المحرّمات عند شعوبٍ كثيرة.وفي بلدٍ مثل لبنان، يريدُ أحدُهم وخلال ثلاث دقائق من لقائِه بك أن يعرفَ ما إذا كُنتَ مسيحيّاً أم مسلماً، وخصوصاً إذا كان اسمُك مثلاً “فادي قصير” أو “غسان خليفة”. فاسم كهذا يمكن تسميتُه عند المسلمين وعند المسيحيين أيضاً. وإذا لم يستطِعْ معرفةَ طائفة الشخصِ الآخر، يأتيكَ على الفور سؤالٌ استفهاميٌّ أو قُلْ حشريٌّ من مثل: “من أيّ منطقة؟”. إذا أتاك الجواب: “من ميروبا” مثلاً، تُدرك أنّ هذا الشخص هو مسيحي، وإذا كان الجواب: “من الطريق الجديدة”، تستنتجُ أنّه مسلمٌ ولعلّه سنّيٌ أيضاً. لكن ماذا تفعل إذا أجابكَ قائلاً: “الأصل من حارة حريك”، فهو قد يكون ساعتئذٍ مسيحيّاً، وقد يكون مسلماً. “بتنفِقِسْ” عندئذٍ. كذلك فإنّ السؤالَ حول الانتماء السياسي يثير حشريّة البعض. وعند شعوبٍ كثيرة، هذا سؤالٌ لا يُسأل. في لبنان قد يختلفُ الأمرُ بعضَ الشيء لأنّ مذاهبَنا باتت تشبه انتماءنا السياسي، لكن في بلدانٍ كثيرةٍ أخرى ليس الأمر كذلك.  ولا أُخفي عليكم أنّه في العِقْدَين الأخيرَيْن بات هناك سؤالٌ محرّمٌ جديد وخصوصاً في الغرب وفي بعض دول الشرق الأقصى وغيرها من الدول، وهو سؤالٌ يتعلّق بالميول الجنسية للمرء أي الـ Sexual Orientation. يمكنكَ هناك أن تستنتج ما تريد عن الآخر من خلال مشاهدتك تصرّفاتٍ معيّنة ولباسٍ معيّن لكنّه لا يمكنك أن تطرحَ سؤالاً عمّا إذا كان المرء طبيعيّاً في ميوله الجنسيّة أم كان مثليّاً. وأنا شخصيّاً أعتقد أنّنا في لبنان بتنا على مسافة قريبةٍ جداً من هذا النوع من الأسئلة المحظورة.  ستّةُ أسئلةٍ لا تسألْها لأحد لا في لبنان ولا في خارجه. لا تسأل عن المعاش، ولا عن العمر، ولا عن الدين والمذهب، ولا عن الوضع الاجتماعي لجهة العزوبة أو الارتباط، ولا عن الميول السياسيّة، ولا عن الميول الجنسيّة. باختصار اهتم بنفسك وأمورك أنتَ وحدَك. لعلّك تجدُ في ذلك سبباً لتنام قرير العين في بعض الليالي.

شاهد أيضاً

عن الاصطفاف الأميركي- الأوروبي مع إسرائيل

خطار أبودياب شكلت مفاجأة تخطي جدار غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، منعطفا في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *